أنهى لبنان العام 2023 بمؤشّرات بالغة الإيجابيّة، على مستوى الحركة السنويّة للزائرين الوافدين إلى البلاد، بالرغم من الانكماش الملحوظ الذي طرأ على هذه الحركة في الربع الأخير من السنة، جرّاء الحرب الدائرة في الجنوب. في النتيجة، يمكن القول أنّ العام المنصرم سجّل –ولأوّل مرّة منذ بدء الأزمة الماليّة- تحوّلات تشير إلى انتعاشة جديّة في الحركة السياحيّة، وإن كانت هذه الحركة مدفوعة بشكل أساسي بزيارات المغتربين اللبنانيين. وفي جميع الحالات، سيبقى تكرار هذه المؤشّرات هذه السنة مرهونًا بمستقبل التطوّرات الأمنيّة في الجنوب، وبمدى استطالة أمد الاشتباكات أو توسّعها خلال المرحلة المقبلة.
حركة المطار: زيادة بنسبة 12%
أرقام المطار خلال العام 2023 تُظهر بوضوح النتائج السياحيّة للسنة، إذ ارتفع عدد المسافرين عبر المطار ذهابًا وإيابًا خلال السنة إلى نحو 7.1 مليون مسافر (ما بين مغادر ووافد)، وهو ما يزيد بأكثر من 12% عن أرقام السنة السابقة 2022، التي اقتصرت على نحو 6.4 مليون مسافر. مع الإشارة إلى أنّ عدد المسافرين عبر المطار لم يتجاوز حدود 4.3 مليون مسافر خلال العام 2021، ونحو 2.5 مليون مسافر خلال العام 2020، الذي شهد بدايات تفشّي وباء كورونا الذي شلّ حركة السفر والسياحة.
وعلى أي حال، انقسمت حركة المسافرين هذه خلال العام 2023 بين 3.48 مليون مسافر وافد، ونحو 3.62 مليون مسافر مغادر. وهذا ما يعني أنّ هناك قرابة 140 ألف مسافر من الذين غادروا لبنان من دون أن يعودوا خلال السنة الماضية. ومن المعلوم أنّ الجزء الأكبر من حركة المغادرة هذه حصلت مع بدء الاضطرابات الأمنيّة في الجنوب، خوفًا من توسّع نطاق الحرب، في حين أن الجزء الآخر منها يمثّل حركة الهجرة السنويّة التي يشهدها لبنان بكثافة منذ بداية الأزمة الماليّة عام 2019.
بمعزل عن الأرقام الإيجابيّة للسنة ككل، كان من الواضح أنّ الربع الأخير من السنة –الذي شهد الاشتباكات جنوبًا- مثّل استثناءً مقارنة بالأشهر التسعة الأولى من السنة. فحركة المطار سجّلت خلال شهر كانون الأوّل 2023 انخفاضًا بنسبة 12.7% مقارنة بالفترة المماثلة من السابق 2022، في حين سجّل شهر تشرين الثاني من العام 2023 انخفاضًا بنسبة 37.4% مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق 2022. وهذه التحوّلات بالتحديد، عكست أثر الحرب الدائرة على الحركة السياحيّة خلال العام الماضي.
ومع ذلك، ورغم التراجع الملحوظ الذي طرأ في الربع الأخير من العام، سجّلت حركة المطار خلال العام 2023 ككل الانتعاشة التي أشرنا إليها، وذلك بفضل الموسم السياحي الجيّد الذي شهده لبنان خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة. مع العلم أن هذه الانتعاشة لم تقتصر على حركة المسافرين فقط، بل شملت حتّى أعداد رحلات الطيران المتجهة من وإلى مطار بيروت، والتي ارتفعت بنسبة 9% مقارنة بالعام السابق.
الحركة السياحيّة: تحسّن بنسبة 17%
أرقام وزارة السياحة تؤكّد اتصال التحوّلات في حركة المطار بانتعاشة الحركة السياحيّة. فبحسب الوزارة، ارتفع عدد السيّاح الوافدين إلى لبنان لغاية شهر تشرين الثاني من العام 2023 إلى حدود 1.57 مليون سائح، وهو ما يزيد بنسبة 17.1% مقارنة بأرقام العام 2022، الذي اقتصرت أعداد السيّاح خلال الفترة المماثلة منه على نحو 1.34 مليون سائح.
في المقابل، اقتصرت أعداد السياح الوافدين خلال الفترة المماثلة من العام السابق 2021 على نحو 794 ألف سائح فقط، وهو ما يوازي فقط نصف الحركة السياحيّة التي تم تسجيلها خلال العام 2023. وعلى أي حال، وحسب هذه الأرقام، يمكن القول أن الحركة السياحيّة التي تم تسجيلها خلال العام 2023 كانت الأفضل مقارنة بجميع السنوات التي تلت حصول الأزمة الماليّة في أواخر العام 2019.
وتجدر الإشارة إلى أنّ ذروة الحركة السياحيّة حصلت خلال أشهر حزيران وتموز وآب، التي شهدت وحدها تدفّق أكثر من 42% من إجمالي السياح الذي وفدوا خلال السنة. في المقابل، وفي نتيجة طبيعة للأحداث التي تحصل في جنوب لبنان منذ شهر تشرين الأوّل 2023، انخفضت الحركة السياحيّة بنسبة 16.8% خلال تشرين الأوّل، ثم عادت لتنخفض بنسبة 37% خلال شهر تشرين الثاني.
وبشكل عام، وعند احتساب أرقام الحركة السياحيّة الشهريّة، يتبيّن أن الحركة السياحيّة ارتفعت بنسبة 25% خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة، قبل أن تنخفض بنسبة 25% خلال الربع الأخير من العام جرّاء الحرب، لتكون النتيجة الإجماليّة السنويّة تحسّنًا بنسبة 17%.
من ناحية الجهة التي وفد منها السيّاح، بمعزل عن جنسيّتهم (وبمعزل عن ما إذا كانوا من اللبنانيين المغتربين)، أظهرت الأرقام أن 41% من السوّاح الوافدين قدموا من دول أوروبا، بينما وفد ربعهم من الدول العربيّة، و20.5% من الأميركيّتين، و4.9% من سائر دول آسيا غير العربيّة، بالإضافة إلى 4.5% من أستراليا و3.6% من أفريقيا. أمّا من ناحية الجنسيّة، فكانت الغالبيّة الساحقة من هؤلاء من المغتربين اللبنانيين. مع العلم أن تزايد أعداد المغتربين الذي غادروا البلاد خلال السنوات الأربع الماضية، ساهم في تشكّل قاعدة جديدة من المغتربين الشباب الذين يحتفظون بعلاقاتهم الاجتماعيّة والأسريّة في لبنان، وهو ما عزّز بدوره أرقام الحركة السياحيّة.
في النتيجة، ورغم كل الإيجابيّة التي عكستها أرقام العام الماضي على مستوى أداء القطاع السياحي، أكّدت تطوّرات الأشهر الثلاثة الماضية أن أداء هذا القطاع يتسم بالكثير من الهشاشة، وخصوصًا إزاء التطوّرات الأمنيّة المفاجئة. فتمامًا كما أدّى حصول الأزمة الماليّة في أواخر العام 2019 إلى انحسار الحركة السياحيّة، على مرّ السنوات التي تلت ذلك العام، قد يكون من شأن أي توسّع في رقعة الحرب أن يعيد القطاع إلى حالة الركود الحاد على المدى المتوسّط، إلى أن يستعيد انتعاشه كما حصل في الأشهر التسعة الأولى من العام 2023.