لاقت الدعوات الشعبية لمقاطعة المنتجات الفرنسية، استجابة واسعة في دول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما قد يكلف الاقتصاد الفرنسي، الذي يعاني من تأثيرات تفشي فيروس كورونا، خسائر باهظة.
هذا ما أكده مدير مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث الاقتصادية، (مستقل) ومقره الكويت، عبد العزيز المزيني، إذ توقع في رده على سؤال لـ”العربي الجديد” أن يتكبد الاقتصاد الفرنسي خسائر فادحة تقدّر بنحو 22 مليار دولار (عن دول الخليج فقط) في حال استمرت المقاطعة لجميع المنتجات الفرنسية لمختلف المنتجات لمدة شهر.
وأضاف المزيني أن حجم التبادل التجاري بين فرنسا ودول مجلس التعاون الخليجي يقترب من 60 مليار دولار، فيما تحتل السعودية المرتبة الأولى بـ 27 مليار دولار، تليها الإمارات بـ 12 ملياراً، ثم الكويت 9 مليارات دولار، وقطر 7 مليارات دولار، وفق إحصائيات عام 2019. وتأتي الأغذية في صدارة قائمة الصادرات الفرنسية للخليج ثم السلاح والأزياء والملابس، حسب المزيني.
ومع تصاعد ردود الأفعال وتوسع الدعوات الشعبية في الدول الإسلامية والعربية المطالبة بمقاطعة السلع الفرنسية، أصدرت باريس بيانا رسميا عبر وزارة الخارجية تطالب فيه بعدم الاستجابة لدعوات المقاطعة. وتظهر الإحصائيات الرسمية متانة العلاقات التجارية بين فرنسا ودول مجلس التعاون الخليجي.
الكويت: مقاطعة شعبية
تأتي الكويت في صدارة دول مجلس التعاون الخليجي التي كان لها موقف رسمي من تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن الإسلام، حيث أعربت الكويت على لسان وزير خارجيتها أحمد ناصر الصباح، عن رفضها الإساءة للدين الإسلامي. وتزامنت مع الموقف الرسمي حملة واسعة دشنها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي طالبوا بمقاطعة المنتجات الفرنسية، فيما استجاب العديد من الجهات والجمعيات الاستهلاكية وقامت برفع المنتجات الفرنسية.
وحسب بيان اتحاد الجمعيات التعاونية في الكويت، بلغ عدد الجمعيات التعاونية التي قررت مقاطعة المنتجات الفرنسية 52 جمعية وفرعا، فيما أعلنت 5 أسواق شهيرة في مجال تجارة التجزئة أنها قررت وقف استيراد المنتجات الفرنسية بكافة أنواعها.
من جانبه، دعا أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت، عبد الله الكندري، خلال اتصال هاتفي مع “العربي الجديد” السلطات والشركات الكويتية إلى ضرورة البحث عن بدائل أخرى للمنتجات الفرنسية وخصوصا المنتجات الغذائية، حيث يمكن استبدالها بمنتجات دول أخرى مثل الأردن وتركيا ومصر وغيرها من الدول الصديقة.
السعودية: مواقف متناقضة
تتناقض المواقف الشعبية السعودية مع الموقف الرسمي للمملكة، حيث لاقت دعوات المقاطعة استجابة متفاوتة بين الأوساط السعودية، فيما أظهرت صور ومقاطع تم بثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي قيام بعض المتاجر برفع السلع والمنتجات الفرنسية. وتأتي السعودية في مقدمة الدول الخليجية التي تستورد سلعاً غذائية فرنسية بنحو 19 مليار دولار، حسب مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث الاقتصادية.
من ناحيته، قال مدير وحدة البحوث في مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث الاقتصادية، نواف الشهري، لـ “العربي الجديد”، إن الغضب الشعبي الخليجي والسعودي تحديدا يجب أن يترجم باتخاذ قرارات اقتصادية للتعبير عن الرفض القاطع للإساءة للدين الإسلامي أو الرسول (صلى الله عليه وسلم). وأوضح الشهري أنه بدلا من الدعوات المطالبة بمقاطعة المنتجات التركية بمباركة السلطات السعودية، يجب تركيز الاهتمام على فرنسا.
قطر: تصعيد شعبي
أعلن عدد من الشركات القطرية مقاطعة المنتجات الفرنسية ورفعها من الأسواق. وقادت الحملة أكبر شركة قطرية للمواد الاستهلاكية “الميرة”، إذ تملك 52 فرعا في البلاد، وأعلنت الجمعة، عن سحب جميع المنتجات الفرنسية من فروعها حتى إشعار آخر استجابة لرغبة العملاء.
ولاقت الحملة استجابة شعبية وتجارية ملحوظة، وسرعان ما انضمت مجمعات ومراكز التسوق الكبرى، وبدأت بسحب المنتجات الفرنسية من رفوف فروعها المنتشرة في البلاد، كما فعل كل من هايبر ماركت “السوق البلدي “، ومجمع قطر للتسوق، ومجمع اللولو التجاري، وشركة ألبان وعصائر الوجبة وغيرها.
وانضم تطبيق “سنونو” لتوصيل الطلبات للحملة، وغرد عبر حسابه في تويتر: “نعلن رسميا كشركة وطنية إيقاف جميع المنتجات الفرنسية من المتاجر المشاركة في تطبيقنا وحتى إشعار آخر”.
كما أعلن تطبيق “كيوتموين” والمختص في توصيل المواد الغذائية، عن وقف بيع المنتجات الفرنسية وحذفها من الموقع الإلكتروني والتطبيق، وأكد توفير منتجات مماثلة من دول أخرى.
وتتسم العلاقات الاقتصادية القطرية الفرنسية بالقوة على المستويين التجاري والمالي، وتعتبر فرنسا الشريك الاقتصادي السابع لقطر، وتقدر قيمة الاستثمارات القطرية في فرنسا بنحو 30 مليار دولار، منها الاستثمارات الخاصة التي تصل إلى 10 مليارات دولار.
كما تعتبر الدوحة وجهة للشركات الفرنسية في المنطقة، إذ توجد أكثر من 200 شركة فرنسية في السوق القطري، يعمل معظمها في المشاريع المرتبطة بالبنى التحتية الخاصة بمنشآت وملاعب دورة كأس العالم في كرة القدم مونديال 2022.
وحسب بيانات رسمية قطرية، بلغ حجم التبادل التجاري بين فرنسا وقطر عام 2018 نحو 4.14 مليارات دولار، إذ شكلت الصادرات الفرنسية لقطر 3.61 مليارات دولار، وبلغت الواردات الفرنسية من قطر 528 مليون دولار، وفي مقدمتها الغاز الطبيعي، والمشتقات البترولية.
الإمارات: غياب عن السمع
غابت الإمارات عن حملات المقاطعة سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي، فيما تركز السلطات اهتمامها على التطبيع مع الكيان الصهيوني، على الرغم من أن فرنسا تحتل المرتبة الـ 19 من حيث أكبر الشركاء التجاريين للإمارات.
على جانب آخر، قال الباحث الاقتصادي الإماراتي، عادل الريامي، إن الإمارات جزء لا يتجزأ من الأمة الإسلامية وعضو مهم في مجلس التعاون الخليجي، ويجب أن تتناغم المواقف الإماراتية مع مواقف جيرانها من خلال إعلانها الرفض التام لإساءات السلطات الفرنسية للدين الإسلامي.
ودعا الريامي، خلال اتصال عبر سكايب مع “العربي الجديد”، الشركات الإماراتية إلى اتخاذ خطوات ومواقف قوية لمقاطعة المنتجات الفرنسية.