في موقف مفاجئ في التوقيت والمضمون، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أنه “سيتم خلال أسبوع، إصدار برنامج واضح لإعادة الودائع إلى عملاء المصارف“، كاشفاً في حديث لـ”سكاي نيوز عربية” أن “كل الودائع الصغيرة تحت سقف الـ100 ألف دولار ستُعاد إلى العملاء بالكامل وسريعاً… أما الودائع التي تفوق هذا المبلغ فستُعاد إلى أصحابها، لكن ضمن خطة زمنية أطول”.
هذا الإعلان الصادر عن مرجع رسمي كبير في الدولة، يسجّل للحكومة مسعىً جدياً من أجل إيجاد حلٍّ ناجع لأزمة المودِعين، خصوصاً أن الإعلان جاء على هامش مشاركة رئيسها في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس…
في قراءة مالية واقتصادية لموقف ميقاتي، يعتبر الرئيس السابق لـ”لجنة الرقابة على المصارف” سمير حمود أن “أيّ عاقل لا يرفض خروج الحكومة بحلّ لمشكلة الودائع وتحديداً لجهة إعادة ودائع الـ100 ألف دولار وما دون في المرحلة الأولى. إنما الرؤية الحقيقية الصحيحة لأي حكومة في أي دولة بعد أزمة بهذا الحجم امتدت أربع سنوات وشكّلت ظاهرة لم يسجّل أن مرّ بها لبنان في تاريخه، تقتضي وضع خطة شاملة متكاملة وليس مجتزأة كما يتبيّن من إعلان رئيس الحكومة الذي يتحدث اليوم بعد سنوات أربع من عمر المشكلة، عن استعادة ودائع الـ100 ألف دولار! من دون أن يشرح لنا آلية استرجاعها… وكيف يمكن استرجاع الودائع الباقية!”.
ولم يغفل الإشارة إلى أن “هذا الطرح يفتقد إلى الصحّة إذ إن أحداً لم يطلب من الحكومة أن تُعيد إلى المودِعين ودائع الـ100 ألف دولار… ولا حتى من مصرف لبنان أن يفعل ذلك. بل المطلوب من الحكومة تسديد التزاماتها المتوجبة عليها من ديون أولاً، أو أن تتعهّد بتغطية الفجوة الموجودة في مصرف لبنان ثانياً، وفقاً للمادة 113.
ويُضيف: إن عدم استعداد الحكومة للقيام بأحد هذين الأمرين، فهي ترمي بذلك الكرة في ملعب المصارف وتركها تتدبّر أمرها لوحدها وتطلب من مصرف لبنان مساعدتها، وهنا بالتأكيد ستتشابك الأمور ببعضها!
ويشير حمود في السياق، إلى أن “المسألة الأساسية تكمن في وجود نوعَين من ديون الدولة: الأول: ديون مباشرةً من خلال سندات الدين، والثاني: ديون غير مباشرة من خلال مسؤولياتها الواردة في المادة 113 المذكورة والتي لا تعترف بها! وإذا أوفَت الدولة ما عليها من هذه الديون، عندها يكون البنك المركزي ملتزِم اتجاه المصارف والأخيرة اتجاه المودِعين”.
ويشدد في هذا الإطار، على “ضرورة عدم إضاعة البوصلة والقفز خارج الإطار الصحيح.. فإن أرادت الحكومة إعادة ودائع الـ100 ألف دولار، عليها دفع هذه المبالغ من ديونها الخاصة كي تتمكّن من دفع الأموال لمصرف لبنان على أن يعود الأخير ويدفعها للمصارف التي بدورها ستقوم بردّ ودائع الـ100 ألف دولار لأصحابها”.
… “إن كانت نيّة الحكومة في هذا الاتجاه، فهي محطّ ترحيب ودعم” يختم حمود “كما وَجُب عليها توضيح رؤيتها لمعالجة مشكلة الودائع التي تفوق سقف الـ100 ألف دولار… لا يجوز تجزئة الملف إلى هذا الحدّ من دون توضيح موقف الحكومة من الدين المتوجّب عليها من جهة، ومن الفجوة الموجودة في مصرف لبنان… وإلا فالأزمة ستتفاقم وتصبح أكثر أذىً للمودِعين مما قبل العام 2019!”.