خاطر: تَّصنيف لبنان على اللائحة الرَّمادية مَعنَوي أكثر منه إجرائي

يأتي إدراج لبنان على اللائحة الرَّمادية لِمَجموعة العَمَل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا FATF MENA كنتيجةٍ متوقعة لتقاعس لبنان الدولة الغائبة عن تنفيذ الإصلاحات المطلوبة في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. هذا ما يؤكده الكاتب والباحث في الشؤون المالية والاقتصادية البروفسور مارون خاطر كاشفاً لـ “الديار” أنَّه، وعلى الرُّغم مِن ورود معلومات جِديَّة عن نيَّة المجموعة تَصنيف لبنان على قائمتها “الرماديَّة” للدُّوَل الخاضِعة لـِ “رقابة خاصَّة” منذ أيار 2023، أبقى تقرير المجموعة الصادر في كانون الأول من العام نفسه تصنيف لبنان عند “قَيد المراجعة” ولَحَظَ وُجود مخاطر أنشطة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب يمكن أن تؤدي الى إدراج البلاد على “اللائحة الرمادية” عند مراجعة التقرير، وهذا ما حَصَلَ فعلاً.

يَعود ذلك بحسب خاطر الى قرارٍ بإعطاء لبنان فترة سماح نظراً إلى الظروف الحَرِجة التي يمرّ بها. إلا أنَّ “فترة السَّماح انتهت دون أن يتَّخذ لبنان أيَ خطوات فعليَّة، بالنسبة للعمليات التي أشار اليها التقرير الأخير والتي تَحصلُ خارج المصارف وعَبرَ شَرِكات ومؤسسات خَدَمات ماليَّة غَير مُرخَّصة.

في هذا السياق يرى البروفسور خاطر أنه لا بُدَّ أن يكون للمجموعة شكوك حَول فعالية عمل “هئية التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان” في فترة ما بعد الانهيار التي طَغَت عليها حَركة خروج الأموال بالتزامن مع حاجة المصارف للسيولة مما إنعكس تخفيفاً للرقابة. إلا أنه يَرى تصنيف لبنان على اللائحة الرمادية لا يعود فقط إلى عدم التزام المصارف، وهو دون شَكّ مَوجود، بَل إلى فقدان الثقة بالقطاع المَصرفي وتَحَوُّل الاقتصاد نقدياً بالإضافة إلى عَدَم ضبط الحُدود وغياب مؤسسات الدولة الرقابيَّة.

وليس بعيداً، يؤكِّد خاطر على أنَّه “لدى لبنان ما يَكفي من القوانين لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، لكن البلد يغرق في أزماته وفي حربه المُستجدَّة، فيما تَبقى عدالته مُغيَّبة وتتفاقم فيه المعاناة على مستوى مؤسسات الدولة وأجهزتها الرَّقابيَّة.

بناءً على ما تَقَدَم يستنتج أنَّ لبنان لم يكن قادراً فعلياً بمؤسساته المتحلِلة، وافتقاده لمركز القرار، وتنامي “الاقتصاد النَّقدي”، على القيام بأي خطوة تجعله يتلافى “التصنيف الرمادي”، فأُدرج على لائحته.

وأوضّحَ خاطر أنَّ وضع بّلّد على القائمة الرمادية للدول يُخضعه لمتابعة مُشدَّدَة ويُلزمه العَمَل مع مجموعة العمل المالي لمعالجة أوجه القصور في أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التَّسَلُّح، ويَتَعَهَّد باتباع خُطة العَمَل المُحدَّدة للوفاء بمعالجة أوجه القصور المحددة في التَّوصيات.

في سياق متَّصل أشار خاطر الى أنَّ عدم التزام بلد مصنف على اللائحة الرمادية ضِمن المهلة المُحددة قَد يؤدي إلى تَصنيفه على اللائحة السوداء. ورداً على سؤال، نَبَّه البروفسور خاطر إلى أنَّ “الخطورة تكمن في أن تَمُرّ هذه المهلة دونَ إحداث أي خَرق إيجابي لناحية الالتزام بِتَنفيذ الإصلاحات الوارِدة في خُطة العَمَل مما يزيد خَطَر تَخفيض تَصنيف لُبنان أو فَرض عقوبات سياسية تتَّخِذُ أشكالاً مالية، عِندَهَا يُصبح الوضع أصعَب خُصوصاً أنَّ البَلَد يَعيش اليوم على التحويلات الخارجيَّة.

وفي تحليله لِتَبِعات إدراج لبنان على “اللائحة الرَّماديَّة” رأى البروفسور خاطر أنَّ هذا التَّصنيف لَهُ قيمة معنويَّة أكثر منها إجرائيَّة، لأنه لا يَعني فَرض عقوبات على النظام المَصرفي للبلد المَعني أو مَنع التَّحويلات الماليَّة عَبرَهُ، بل يَنتُج عنه تَشَدُّد المَصارف المُراسِلة لِجِهَة إتمام التَّحويلات الدَّاخلة والخَارجة، كما تتأثر سُمعة البلد وبالتالي قدرته على استقطاب الاستثمارات وهي غير الموجودة أصلاً في لبنان حالياً.

إلا أنَّ خاطر عاد وأردَفَ قائلاً: “المصارف المراسِلة تعرف الوضع اللبناني جيداً، وتشددها في تعاملها مع المصارف اللبنانية قد يكون مُخففاً بسبب معرفتها الوثيقة للتطورات السياسية والاقتصادية الجارية على الساحة اللبنانية منذ 5 سنوات إلى اليوم وبسبب تَدَنّي حَجم العَمليات التي تَمرّ عبر المصارف كنتيجة لِتَنامي الاقتصاد النَّقدي. وختم خاطر بالقول: “في مُطلق الأحوال، ُلبنان بحاجة إلى حُلول ولَيس إلى المزيد من المُشكلات”.

مصدرالديار - أميمة شمس الدين
المادة السابقةمصانع النبيذ في لبنان تكافح تحت نيران الحرب
المقالة القادمةزوين: التشغيل في قطاع تأجير السيارات يتراجع إلى ٢%