خبراء عن العائدات البترولية: لا مفر من التعامل بالدولار وغير ذلك انتحار!

في انتظار توضيحات اكثر تفسيرا من قيادة “حزب الله” لتصريح مسؤول الموارد والحدود في الحزب النائب السابق نواف الموسوي، الذي أعرب عن خشيته من “تحويل عائدات النفط الى الخارج، فتصبح تحت سيطرة الإدارة الأميركية وقراراتها العقابية”، ستستعر حتما السجالات السياسية المعتادة بين الجهات المناهضة لبعضها البعض.

ومع أن من المبكر الخوض في معارك حول عائدات النفط والغاز المتوقعة، قبل أن تتضح صورة الكميات والمُدد التي تحتاج اليها الشركات للإنتاج والتصدير، يبدو أن الكباش بدأ فعلاً حول الصندوق السيادي الذي أنشئ لحفظ العائدات البترولية، والمزمع إقراره في المجلس النيابي بعدما أُحيل اخيرا الى الهيئة العامة.

كثر استغربوا وأكثر تساءلوا، وبدأت إتصالاتهم المستفسرة حقيقة كلام المسؤول في “حزب الله” والغاية منه، خصوصا أن ثمة 4 حقائق شبه حاسمة، لا يمكن لأي عاقل أن يتغاضى عنها.

أولاها أن مشروع قانون الصندوق السيادي وما يتضمنه من آلية لتحويل عائداته الى حسابات خارج لبنان أو إليه عبرها، والتخوف من وضعها تحت اليد الأميركية الساعية “للتحكم بنا”، هذا المشروع قد أقرته اللجان المشتركة، ووافقت عليه كتلة “حزب الله” والكتل الحليفة لها، وأهمها كتلتا “التنمية والتحرير” و”التيار الوطني” الحليف للحزب، فلماذا يقال اليوم ما لم يُقل أمس؟

الحقيقة الثانية، أن عائدات النفط ستحوّل من “توتال” الى الدولة اللبنانية، والدولة هي التي ستحوّل الأموال الى الصندوق السيادي أو غيره، لكن لا قدرة لشركة “توتال” منفردة، ومن غير المستحب للدولة اللبنانية دوليا، أن يحدث تغيير أو تبديل بالإتفاق الذي أرساه الأميركيون، ووقّعه لبنان برعايتهم ووساطتهم.

الحقيقة الثالثة، سؤال بديهي: “إذا لم يكن للبنان عبر الصندوق السيادي أن يحتفظ بعائدات نفطه في المصارف الدولية وفي حسابات لدى بنوك موثوق بها دوليا، فأين سيحتفظ بها؟ في المصارف اللبنانية المفلسة؟ أم في مصارف الدول التي يقاطعها الأميركي والأوروبي ويفرضان عقوبات عليها، فتصبح عائدات نفطنا، كعائدات نفط تلك الدول، مشبوهة ومطاردة عقابيا؟

الحقيقة الرابعة، بات معروفا لدى الجميع، أن القانون الأميركي يسمح لوزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات على أي متعامل بالدولار الأميركي داخل بلادهم أو خارجها، وتبعاً لذلك إستطاعوا حجز ومصادرة مئات المليارات من الدولارات على مدى العقود الأخيرة لأفراد ودول، لأسباب يتداخل فيها السياسي مع تبييض الأموال، وتاليا يمكنهم وفق منطوقهم وساعة يشاؤون وضع عقوبات وإصدار أوامر حجز للعائدات النفطية.

وفق مصادر مطلعة فإن “موقف حزب الله في المعلن السيادي لمضمونه، قد يرضي ويشحن ويؤجج مشاعر المقاومة ومصارعة الغرب، لكنه في خلفياته المضمرة رسالة سياسية عالية النبرة من الحزب لمن يهمه الأمر، وإعلان واضح عن مستجد خطير قد يكون طرأ”. وتعرب المصادر عن قلقها وتخوفها من مغادرة “حزب الله”، أحد أركان اتفاق الترسيم البحري، مندرجات الاتفاق، وسعيه الى تعديل بنود الصندوق السيادي ومضمونه بما يؤدي إلى صدام سياسي قانوني، يطيح آمال البحبوحة المنتظرة والإنقاذ الآتي مع النفط والغاز.

خبير اقتصادات النفط والغاز فادي جواد أكد لـ”النهار” أن “صناعة النفط والغاز عموما تعتمد على الاسواق الدولية ويتم تسعيرها بعملة الدولار الاميركي، وتاليا فان اي تحويلات بهذه العملة يجب ان تمر عبر نيويورك، علما أن جميع الدول المنتجة للنفط لديها حسابات في دول العالم كافة بغية تيسير اجراءات التسويق العالمية”. وهذا يعني وفق جواد ان “اي اتجاه آخر غير مجدٍ، فيما الاتجاه نحو القطاع المصرفي اللبناني هو نحرٌ للصندوق السيادي، وتاليا يتوجب اتباع اجراءات الحوكمة التي تحكم هذا القطاع بفتح حسابات عدة في العواصم العالمية مثل اي دول نفطية او صناديق سيادية”.

وبالحديث عن قانون الصندوق السيادي، يرى جواد أنه “كان يُفترض إبعاده عن التأويل والتجاذبات، خصوصا أن جميع القوى السياسية ممثلة في اللجنة النيابية التي أقرته والتي اعتمدت القوانين الدولية المبنية على الحوكمة البترولية التي تنشأ على اساسها الصناديق السيادية وادارتها”.

وانطلاقا من تعامله مع كبريات الشركات النفطية، يؤكد جواد أنه “لا يمكن لأي شركة دخول اسواق النفط العالمية من دون أن تملك حسابات في العواصم والمدن العالمية، وفي مقدمها نيويورك، اللهم الا في حال اقامت دول البريكس نظاما عالميا جديدا، حينها يتغير النظام المالي العالمي، ونتحول الى نظامين واحد بالدولار بنظام سويفت كود، وآخر بعملة كل دولة بكود جديد يحدده النظام الجديد”.

ويلفت جواد الى أنه “في حال اكتشافنا كميات تجارية في البلوك الرقم 9 نكون قد انتقلنا من نظام مالي واقتصادي محلي الى آخر عالمي بطريقة اوتوماتيكية، فيما التعامل مع الثروات الهيدروكربونية لا يمكن أن يقارَب كالملفات الداخلية، إلا اذا اردنا ان نتحوّل الى فنزويلا اخرى”.

وبالنسبة الى الصين، يؤكد جواد أنها “ستكون احدى الدول التي ستشارك مصارفها في حسابات الصندوق السيادي اللبناني، ولكن على قاعدة ادارة المخاطر التي تحتم علينا التوزيع المتساوي في حال تعرّض الصين لعقوبات بسبب ازمة تايوان المقبلة”.

أما خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي فقال لـ”النهار” ان “بعض التصاريح التي تصدر عن بعض الجهات السياسية هدفها فقط الاستهلاك الاعلامي والسياسي ولا علاقة لها بالوقائع الاقتصادية أو بالعمل المصرفي، خصوصا ان ثمة امورا تقنية لا يمكن تخطيها”.

 

مصدرالنهار - سلوى بعلبكي
المادة السابقةوزارة الطاقة تحسم الجدل وتعلن نتائج دورة التراخيص الثانية
المقالة القادمة“حرارة المستوعبات عالية”.. هل يُهدّد تخزين بطاريات الليثيوم مرفأ بيروت؟