خدمة المحفظة الإلكترونية أو الـE- WALLET دخلت في دائرة النقاش الجدي في لبنان. خطوة يفترض أن تبعث بعض أمل في ظل إنعدام الثقة بالمصارف، خصوصاً أنها تجعل شركتي الخلوي العاملتين في لبنان، شريكتين في الحفاظ ولو على بعض التداولات المالية بإطار النظام المصرفي.
بعد تخلّف لبنان عن معظم دول العالم في تقديم هذه الخدمة، ترى مصادر مطلعة أنّ طرحها متأخرة، لا يحصل إلّا من منطلق التخلي عن مسؤوليات هذه الخدمة ومكاسبها، والتفريط بإمتيازات تقديمها من قبل شركتي الإتصالات، «ألفا» و»تاتش». وهذا ما سيحوّل الشركتين بطريقة إدارة الخدمة المعروضة من قبلهما، مجرد قنوات لعبور الشركات الخاصة نحوها، مع تحميل الأمر مخاطر إختراق قاعدة معلومات المشتركين في الشركتين، وخسارتهما عائدات الخدمة التي ستقدم عبر شبكتهما.
لنبدأ أولاً بماهية خدمة الـE- WALLET أو المحفظة الإلكترونية. هي خدمة باتت متوفرة في معظم دول العالم، حتى النائية منها. وتعتبر من وظائف مشغلي شركات الإتصال في العالم. تتلخّص وظيفتها فى إتمام العمليات المالية. إذ يكفي تنزيل التطبيق المربوط بحسابات تغذى وفقاً لرغبات المواطنين، حتى يصبح الهاتف وسيلة لتسديد الفواتير المباشرة، أو لدفع ثمن خدمات إلكترونية، أو تحويل أموال من حسابات مدفوعة مسبقاً إلى أخرى، وغيرها.
بحسب رأي خبير بشؤون الإتصالات، فإنّ معظم دول العالم تقدم هذه الخدمة عبر مشغلي شركات الخلوي مباشرة. وبالتالي يمكن لشركتي الإتصالات في لبنان أن تقدماها إما من خلال إستحداث دائرة مع غرفة عمليات أو PAY CENTER، أو من خلال تأسيس شركة مملوكة مئة بالمئة من قبل المشغلين.
إلا أنّ الشركتين بدلاً من أن تلجآ لإدارة مباشرة للخدمة، وفقاً لتوصيات هيئة الشراء العام أيضاً، قررتا تلزيم الخدمة لشركات خاصة، ومن بينها شركة «سيول»، بعدما كُشف عن توجه «ألفا» لتلزيمها هذه الخدمة بالتراضي. هذا في وقت مضت «تاتش» وفقاً للمعلومات بإعداد دفتر شروط لتلزيم تقديم هذه الخدمة عبر شبكتها.
فخلال الجلسة الأخيرة للجنة الإعلام والإتصالات النيابية التي إنعقدت في 15 تشرين الثاني الجاري، إستفسر النائب قبلان قبلان وزير الإتصالات جوني القرم، عن مضمون العقد بالتراضي الذي ذكر أن «ألفا» تسعى لإنجازه مع «سيول»، مع أنه لم يمض على تأسيس الشركة سوى بضعة أشهر، وتحديداً منذ تموز العام الجاري.
ولما كان رئيس هيئة الشراء العام الدكتور جان العلية الذي طُرح عليه هذا الملف سابقاً من قبل ممثلي شركتي «تاتش» و»ألفا»، حاضراً لجلسة اللجنة النيابية، كرر حينها موقف الهيئة الذي أبلغه للشركتين ولوزير الإتصالات في كتاب وجهه إليهم بتاريخ 13 تشرين، أي قبل يومين من الجلسة.
وفي الكتاب تؤكد الهيئة أن الخيار الأساسي لتقديم هذه الخدمة هو أن تتولى «تاتش» و»ألفا» تنفيذ الخدمة بنفسيهما، حيث إعتبرت أن ذلك يرفد الخزينة بأموال إضافية، ويحمي المعلومات المتعلقة بالمشتركين، بخلاف تسليم الخدمة لشركات تقوم بتقديمها لمشتركي الشركتين إنطلاقاً من بياناتهم. وشددت الهيئة بالتالي على تطبيق الخيار الأساسي، وطلبت من الشركتين «وقف أي إجراءات تمت المباشرة بها خلافاً لمضمون كتابها».
القرم لـ»نداء الوطن»
في المقابل نقل القرم عن الشركتين، صعوبة إستحصالهما على ترخيص من مصرف لبنان، وضعف كوادرهما الفنية والإدارية لتولي هذه المهمة. وفي إتصال مع «نداء الوطن» أوضح القرم أنّ شركة «تاتش» سألت في مصرف لبنان حول كيفية الحصول على ترخيص للقيام بهذه المهمة، وقيل لها إنّه ترخيص لا يشمل شركات الإتصال كونه يمنح لشركات مالية. واعتبر القرم أنه «حتى إذا حصلت الشركتان على الرخصة، سيتطلب الأمر ثلاث سنوات لتجهيز برامج SOFTWARE ومتابعة وتكوين خبرة حتى ننطلق بالخدمة»، مشدداً على أنّ هذه المعلومات إستقاها من الشركتين.
مصادر خبيرة بالقطاع رفضت هذه الذرائع، مشيرة الى أن النموذج المعتمد عالمياً لسد الضعف في القدرات الفنية والبشرية، هو في الإستعانة بشركات برمجة متخصصة، يمكن إستدراج مجموعة من تلك العالمية منها عبر مناقصة شفافة، تسمح لصاحب العرض الأفضل منها بتأمين التجهيزات والتدريبات المطلوبة لتأدية الخدمة، من دون أن يكبد ذلك الشركتين أي مبالغ طائلة، خصوصاً أنّه في مثل هذه الحالات تسدد مستحقات الشركات عبر إقتطاع رسم عن كل عملية مالية تحصل عبر هذه البرامج.
ورأت المصادر في ذلك ما يحفظ حق الشركتين بموارد هذه الخدمة، بدلاً من أن تذهب لشركة خاصة. وأكد المصدر في المقابل أن «الخدمة وتقديمها ليست مستعصية وهي يمكن أن تتم عبر أقسام الشركتين التجارية والتسويقية، علماً أن هذه من الاستثمارات التي تؤمن إيرادات مضمونة، تكبّر مروحة أرباح الشركتين وقيمتهما، وخبرة الموظفين فيهما».
توصية «الشراء العام»
وكانت توصية هيئة الشراء أعقبت نقاشات مطوّلة، بدأتها مع شركة «تاتش» التي طلبت رأي الهيئة في ما إذا كان تلزيم الخدمة خاضعاً لقانون الشراء العام. فصدر هذا الرأي عن رئيس الهيئة بشهر أيلول الماضي على الشكل التالي: «بما أنه يستحق للشركة عائدات معينة عن كل عملية ناجزة يقوم بها أي مشترك بالتطبيق، وهناك عدة شركات قدمت عروضاً، وهي قادرة على إطلاق هذه الخدمة لصالح مستخدمي الشركة، وبالتالي المشروع على النحو المعروض ينطوي على خدمة لقاء مبلغ يحتسب بنسبة مئوية يدفع للجهة الشارية، فإن موضوع الـE-WALLET على النحو المعروض، خاضع لقانون الشراء العام».
من الطبيعي أن يشمل هذا الموجب شركة «ألفا»، خصوصاً أننا نتحدث عن مؤسستين تابعتين لوصاية وزارة واحدة. إلا أنّ «ألفا» على ما يبدو قررت تجاوز قانون الشراء العام، ومضت بمفاوضات متقدمة نحو توقيع عقد بالتراضي لإدارة هذه الخدمة عبر شركة «سيول». وبحسب الوزير القرم فإنّ «ألفا» ناقشت عروض أربع شركات قبل أن تختار من بينها «سيول»، مشيراً الى أنه وجّه نسخة عن المعلومات التي تلقاها من «ألفا» حول هذا الموضوع الى لجنة الإتصالات النيابية، وفيها مقارنة مالية بين الشركات الأربع التي تقدمت بعروض.
هذا في وقت أكد القرم لـ»نداء الوطن» أنّ «تاتش» و»ألفا» أرسلتا لهيئة الشراء العام كل التقارير المطلوبة حول هذا الملف، وأنه طلب وقف كل إجراءات توقيع العقد بين «ألفا» و»سيول» حتى تصدر الهيئة تقريرها.
في المقابل تلقت هيئة الشراء العام من «ألفا» كتاباً بتاريخ 16 تشرين، أي بعد يوم من إجتماع لجنة الإتصالات النيابية، ضمنته 14 نقطة تمسّكت من خلالها بمشروع الشراكة مع «سيول» بصرف النظر عن رأي الهيئة. فتحدثت عن فوائد هذه «الشراكة» التي تعفيها من الإستثمارات في القطاع، ومن الحاجة لتطوير قدراتها الفنية والإدارية، وتجعلها تستفيد من رخصة «سيول» المصرفية. لتختتم هذه اللائحة، «بأن لا حصرية لـ»سيول» في تقديم هذه الخدمة، والمنافسة متاحة لأي شركة أخرى تستوفي المعايير». وهذا ما اعتبرته مصادر خبيرة «مهزلة، تسيء الى مرافق الدولة وطرق إدارتها التي تحددها الأنظمة والقوانين».
إتفاق مع «بلوم»
في المقابل قرأت مصادر متخصصة في كتاب «ألفا» الموجه الى الهيئة، مرافعة تسوق لـ»سيول» أفضل مما قد تفعله لنفسها. كما رصدت فيه محاولة لتحوير الحقائق، من خلال الإدعاء بأن «تاتش» أطلقت الخدمة عبر إتفاق مع مصرف «بلوم». وهو ما تبيّن وفقاً لمصادر مطلعة بأنه غير دقيق لأن إتفاقية «تاتش» مع «بلوم» لا تتخطى خطة تسويقية وضعها المصرف لتشجيع عملائه على فتح حسابات بالفريش دولار، بمقابل حصولهم على إشتراك إنترنت مجاني من «تاتش»، علماً أنّ هيئة الشراء العام تنتظر من «تاتش» المستندات المتعلقة بهذا الإتفاق.
هذه الوقائع وجدت فيها مصادر خبيرة سيطرة لمزاجية شركتي الإتصالات في خضوعهما لقانون الشراء العام. في وقت لفت تكرار وزير الإتصالات لمضمون الإستشارة التي يقول أنه تلقاها من شركة «ألفا»، والتي تؤكد بأن تلزيم خدمة الـE -WALLET لا تخضع لقانون الشراء العام. مع تأكيد القرم بأنه يقرن أي موافقة على قرارات شركتي الإتصالات بتطبيق قانون الشراء العام.
بينما تعتبر المصادر في محاولة «ألفا» تخطي القانون من خلال سعيها لتوقيع العقد مع «سيول» بالتراضي ما يثير شبهات. وتتعزز هذه الشبهات برأيها عند التدقيق بالبنية الإدارية للشركة، ومقارنتها ببنية الشركة الأم التي قال القرم خلال إجتماع لجنة الإتصالات إنّها تدير خدمة مشابهة في قبرص. اذ يتبين للمصادر أنّ الشركة التي تدار في قبرص تحت تسمية SKASH لديها رخصة تندرج تحت رخصة ASTRO BANK، والبنك مملوك من شركاء لبنانيين على رأسهم مجموعة مصرفية معروفة. وهذا ما يفاقم مخاوف المصادر من أن تتحول خدمة طال إنتظارها «تبديداً لقيمة المؤسسات، من خلال المس بالحصريات التي يمكن أن تتمتع بها شركتا الخلوي في تقديم الخدمات، وبالتالي إستمراراً للنهج القائم بالتفريط بموارد الدولة لتمرير المصالح الخاصة».