كشف النائب علي فياض عن اقتراح قانون أعده لتنظيم قطاع المقالع والكسارات. نقطة الأساس فيه هي تجميع كل المواقع في السلسلة الشرقية. من هناك يمكن تزويد كل المناطق بحاجاتها. أما المناطق الساحلية، فيقترح أن تعتمد على الرمل المستورد. في الحالتين لن يزيد سعر المتر المكعب عن 20 دولاراً، بينما يصل حالياً إلى 30 دولاراً
بحماسة لافتة قوبل المؤتمر الصحافي الذي عقده النائب علي فياض في مجلس النواب. الموضوع حسّاس ويطال الجميع، والحاجة إلى ضبط قطاع المقالع والمرامل وتنظيمه صارت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. الضبط هنا لم يعد يصح معه إصدار قرارات جديدة لا تنفذ أو مرسوم يبقى حبراً على ورق، كما هي الحال مع مرسوم تنظيم القطاع الصادر عام 2002، أو تعديلاته العديدة وآخرها عام 2009. لذلك، فإن تنظيم القطاع بقانون خطوة أولى لطالما كانت مطلباً للخبراء البيئيين، لكنها حكماً غير كافية. إذ تحتاج أولاً أداةً لتطبيق القانون كي لا يكون مصيره كمصير المرسوم 8802. ولتحقيق ذلك، ثمة حاجة لأمرين:
– سياسيون ونافذون يعلنون أنهم شبعوا من سرقة موارد الطبيعة والدولة، ويبدون استعداداً لبدء ورشة إصلاح ما هدم وخُرّب. والحديث هنا يدور حول 71 مليون متر مربع من الأراضي على الأقل، هي أماكن وجود المقالع المخالفة للمخطط التوجيهي (علماً أن القلة التي التزمت بالاستثمار داخل المناطق المحددة في المخطط التوجيهي ليست أفضل حالاً، وأغلبيتها الساحقة لم تلتزم بإعادة تأهيل مواقع العمل).
– إدارة حازمة تطبق القانون بصرامة ومن دون استنساب.
هل من السهل تأمين هذين الشرطين لبدء مرحلة جديدة في القطاع؟ كل المؤشرات تؤكد أن ذلك سيكون صعباً في قطاع يدر ذهباً على أصحابه، بما يسمح لهم بتوزيع المكرمات. بعض هذه المقالع مرّ عليه ربع قرن، تم التعامل خلالها بلامبالاة مع المهل الإدارية لثقة هؤلاء بأن هذه المهل لا وظيفة لها سوى حفظ ماء وجه أجهزة الدولة، التي لا تريد أن تنفذ القانون.
المتضررون كُثر
ما قدّمه «حزب الله» أمس، عبر فياض، استراتيجية متكاملة، من الواضح أن الحزب استثمر في سبيل إنجازها الكثير من الطاقات والجهد. لذلك يُتوقع منه أن يحارب من أجل تبنيها، مع أن دون ذلك الكثير من العقبات السياسية من الحلفاء قبل الخصوم. فعندما يصل الأمر إلى المقالع والكسارات، لا تبقى خيمة فوق رأس أحد. الكل متورط والكل مستفيد، وإن بنسب متفاوتة. وعليه، فإن مبادرة الحزب إلى إعطاء الأولوية للمصلحة العامة، يُفترض أن تليه خطوات مماثلة من الكتل الأخرى. فالمخطط الوطني للمقالع والكسارات الذي يقترحه الحزب قابل للتصويب عليه من كل الاتجاهات، لأنه ببساطة لم يراع المصالح السياسية والمناطقية في توزيع المواقع، بل ذهب إلى تأييد ملاحظات كل الخبراء البيئيين بضرورة الابتعاد عن المناطق السكنية والمأهولة وتركيز العمل في السلسلة الشرقية. لذلك، يقترح فياض إلغاء ثمانية مواقع من المخطط التوجهيهي الحالي، هي العيشية (منطقة حرشية)، عرمتا (منطقة حرشية)، فاريا (منطقة ثلوج وخزان مائي)، فنيدق (منطقة زراعية)، كفور العربي (منطقة زراعية)، مشمش (منطقة حرجية)، طاريا (منطقة ثلوج وخزان مائي)، ومجدل زون (تحيطه منطقة حرجية). في المقابل، يبقي الاقتراح على المواقع الحدودية في الطفيل والقاع ورأس بعلبك وعرسال وعيتا الفخار وعين بورضاي وقوسايا، إضافة إلى موقع الطيري في الجنوب، مع تعديل مساحاتها بما يراعي البعد عن المناطق المأهولة أو بما يسمح بضم عدد من العقارات المصابة أو المقالع المجاورة. كما يزيد الاقتراح على المواقع الثمانية موقع بريتال في البقاع وموقع مجدل في عكار.
يبرر وجود موقعين خارج السلسلة الشرقية، في اقتراحه، ببعدهما عن مواقع العمل في البقاع وصعوبة النقل إليهما وكلفته. وهو استثناء لا يحبذه خبير بيئي، معتبراً أن الاستثناء يفتح مجالاً أمام المطالبة باستثناءات إضافية. لكن فياض، يؤكد في المقابل، أن طرح هذه المواقع مبني على دراسات علمية دقيقة. والاعتراض لا يقف عند حدود الموقعين الشمالي والجنوبي، فبشكل غير مبرر يفصل الاقتراح بين المخطط الوطني وبين المواقع المخصصة لمعامل الترابة. تلك يعتبر فياض أنه يجب تنظيم وضعها بشكل مستقل.
بالنتيجة، يخفّض اقتراح فياض عدد المواقع من 16 موقعاً إلى 10، ثمانية منها في الحدود الشرقية وواحد في الجنوب وآخر في الشمال. إلا أن المساحة الإجمالية لهذه المواقع ارتفعت من 237 مليون متر مربع إلى 268 مليون متر مربع (2٫56 في المئة من مساحة لبنان).
منطقة عازلة
اقتراح القانون الذي يفترض أن يقدمه فياض قريباً (بعد استطلاع آراء الحلفاء وأخذ ملاحظاتهم، كما أعلن) لا يقتصر على تعديل الخريطة الوطنية للمقالع. إذ ينص أيضاً على اعتماد منطقة عازلة بمسافة 250 متراً من حدود مواقع مقالع الكسارات والمرامل والكسارات، يمنع البناء داخلها، وتكون مخصّصة للاستخدام الزراعي حصراً.
بحسب فياض، فإن تركيز العمل في السلسلة الشرقية، له أكثر من فائدة. فهذه المناطق بعيدة عن المناطق المأهولة والمكشوفة، كما أنها تشكل الخزان الصخري والرملي الملائم من حيث الحجم والمواصفات. كذلك يسمح العمل فيها بتحويلها لاحقاً إلى أراض صالحة للزراعة. ولا ينسى فياض الإشارة إلى أن تخصيص منطقة البقاع بقطاع الرمل والبحص من شأنه أن يوفر مصدراً اقتصادياً ومعيشياً هاماً لهذه المنطقة التي تعاني من بطالة وترد في الأوضاع الاقتصادية.
يدعو الاقتراح أيضاً الى بناء سكة حديد مهمتها نقل البضاعئع إلى المناطق الداخلية. أما بشأن المناطق الساحلية فيقترح أن تؤمن حاجاتها من خلال الاستيراد، حيث يفترض أن تساهم هذه العملية في استقرار الأسعار وتوازنها بين المستورد والمنتج محلياً.
ويوضح فياض لـ«الأخبار» أن سعر المتر المكعب المستورد، عند وصوله إلى المرافئ اللبنانية، هو 12 دولاراً، فيما كلفة النقل تتراوح بين 4 و6 دولارات، والضريبة على القيمة المضافة دولار واحد، فتكون الكلفة الإجمالية بين 18 و19 دولاراً، وهو السعر نفسه للمتر المنتج في بريتال على سبيل المثال والمنقول إلى أي منطقة في البقاع. علماً أن السعر الحالي للمتر المكعب يتراوح بين 27 و30 دولاراً.
كل ما سبق يحتاج إلى نقطة انطلاق. ونقطة الانطلاق بحسب الاقتراح، تكون بالوقف الفوري للعمل بالأذونات والمهل والتصاريح الممنوحة من أي جهة أتت بهدف استخراج مواد صخرية أو رملية من الأرض خلافاً للنصوص القانونية المرعية. وهذا يعني عملياً وقف العمل بنحو 1300 مقلع ومرملة وكسارة منتشرة على الأراضي اللبنانية، خلافاً للمرسوم 8803، كما يعني وقف معظم المقالع الـ28 الحاصلة على التراخيص القانونية ولكنها لا تعمل وفق الأصول المرعية.
ملاحقة المخالفين
ليس المخطط الوطني كافياً وحده لإنقاذ الوضع. في ظل وجود 71 ألف متر مربع من الأراضي المتدهورة، لا تستوي أي خطة من دون رسم أفق لكيفية التعامل مع هذا الواقع، الذي تُرك على غاربه وتغاضت عنه كل الحكومات المتعاقبة، بالرغم من أن المرسوم يجيز مصادرة الكفالة المقدمة (للمقالع المرخصة)، لاستعمال الأموال في ترميم المواقع، إلا أن الواقع يشير إلى أن 4 كفالات فقط صودرت منذ عام 2002. لذلك يركز الاقتراح على ضرورة إلزام من استفاد من المقالع بإعادة تأهيل مواقعها. علماً أن المادة 65 من مشروع موازنة 2019، تنص على أن «يتحمل كل شخص استثمر عقاراً كمقلع أو مرملة أو كسارة تكاليف المسح الميداني لكل المقالع، على أن يُلاحق كل من استثمر حتى يدفع كافة الضرائب والرسوم والبدلات المتوجبة عن كل سنوات الاستثمار ابتداءً من العام 2004 (قدّرها فياض بنحو 3 مليارات دولار، ولا تشمل الخسائر البيئية والطبيعية والعقارية). كما تنص تلك المادة على إنجاز المستثمرين كافة الموجبات الملقاة على عاتقهم لرفع الضرر البيئي الذي سبّبه (تجليل وزراعة…)
ما الذي يضمن عدم تكرار المخالفات مع وجود مخطط جديد؟ هنا يوضّح فياض أن الخطة المطروحة تقترح تعديل قانون العقوبات لصالح المزيد من التشدد في عقوبات الجرائم البيئية.