خطة لدعم العائلات الفقيرة بدل سياسة دعم التجار والمستوردين

وكأنَّ قدر اللبناني أن يعيش بين حدّي الحرمان والإذلال، وكأنّه ليس من حقه العيش بكرامة واستقرار وبحبوحة وسط تراكم الأزمات التي يواجهها مالياً واقتصادياً ومعيشياً وصحياً. وفي سلسلة الصعوبات الحياتية، التي تتابعها تحقيقات «اللـواء»، تحضر بقوة مسألة السلع الاستهلاكية، الغذائية بشكل خاص، التي باتت أنواع كثيرة منها قليلة الوجود أو نارية الأسعار، وتخضع لتحكم سلطة الأمر الواقع وفق معادلة التوجه لرفع الدعم أو الخضوع لقانون السوق السوداء.

وإزاء حرمانه من ودائعه المصرفية، وانقطاعالمحروقات، وفقدان الأدوية، تلاشي «السلة» المدعومة.. بات المواطن بحاجةٍ إلى سلَلٍ متكاملةٍ لكل أساسيات الحياة العادية.

الدعم المباشر قيد الدراسة!

وعلمت «اللـواء» من مصادر مطلعة في وزارة الإقتصاد بأنّ «هناك خطةً تدرس حالياً مع المصرف المركزي لمعرفة ما إذا كان دعم العائلات الفقيرة وبشكلٍ مباشرٍ عبر بوناتٍ مالية بالليرة اللبنانية يشكل وفراً على خزينة الدولة، بدلاً من أن استمرار سياسة دعم المصرف المركزي للتجار والمستوردين من إحتياطي العملات الأجنبية».

وأشارت المصادر إلى أن «بعض التجار والمستوردين الذين يحتكرون السوق أو يستغلون سياسة الدعم لمصالحهم هم جزء رئيسي في تفاقم أزمة السلع حالياً»، لافتة إلى أنّ «المدة المرجحة لإبقاء الدعم مجهولةٌ حتى الآن، إذ من الصعب رفعه دون قرار حكومي، ولا حكومة حالياً في البلد. أما في حال نفاذ الإحتياطي، فعندها ستأخذ الأمور منحنى آخر».

حماية المستهلك : فشل سياسة «الدعم»

في المقابل، يؤكد رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو لـ»اللـواء» أنّ «سياسات الدعم المعتمدة، باءت بالفشل حتى الآن استناداً إلى الوقائع والنتائج»، ويضيف: «تلقينا مئات الاتصالات من تجّارٍ صغارٍ ومن مستهلكين يشتكون من عدم وصول الدعم للناس الذين يستحقونه!»

ويقترح برو حلولاً، منها أن «تدعم الدولة الفقراء مباشرةً عبر إعطائهم قسائم شراء «بونات» (عكس ما تفعله الآن، وهو دعم التجار الكبار والمستوردين بالدولار) ضمن آليات منظمة ومتابعة من قبل البلديات والجيش»، وبرأيه في ذلك «يحقق على الأقل 80% إلى 90% من أهداف الدعم». ويلفت برو إلى أن «ما اقترحه يستند إلى التجربة العالمية السائدة؛ إلا أن دعم التاجر الكبير المحتكر بالدولار من قبل الدولة وضمن أسعارٍ هو يفرضها مع غياب الرقابة، لم يعد بالفائدة على المواطن سوى بنسبة 5% وهذا طبيعي».

ويوضح أن «تكاثر ظاهرة وجود سلع غذائية أو إستهلاكية فاسدة وبكثرةٍ في الآونة الأخيرة، يرتبط بالتخزين العالي الذي قام به التجار منذ بداية الأزمة والمستمر حتى الآن»، مضيفاً: «وَصَلتنا معلومات من عشرات التجار بأن هذه المواد مخزنة بشكل كبير وباتت إما تتلف أو تصل للمواطن منتهية الصلاحية»، معتبراً أن «المواطن اللبناني يقع أمام مأزقٍ كبير في مواجهة ما يهدد سلامة غدائه».

ويؤكد أن «سياسة الدعم هذه عطلت عملية العرض والطلب وضربت القدرة الشرائية للمواطن، مصحوبةً بتدهور الأسعار بين يومٍ وآخر، وبذلك تراجعت هذه الأخيرة بنسبة 400% حسب تقديرات الجمعية، أي أن كل مواطن يحتاج لدعمٍ بمبلغٍ قدره 4 ملايين ليرة لبنانية على الأقل لكي يكتفي معيشياً بشكلٍ طبيعي كما كان حاله قبل الأزمة».

مستوردو المواد الغذائية: نعم للترشيد

ما سبق ليس كل شيء، إذ تُلقى هذه الأيام عبارة جديدة على مسامع الناس بشكل متكرر، وهي «ترشيد الدعم» وكأنها محاولةٌ لتخديرهم ريثما يُرفع الدعم نهائياً عن السلع الأساسية. وفي هذا السياق، يصرح نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بُحصلي لـ«اللـواء» بأن «ترشيد الدعم هو آلية تقضي بتخفيض عدد الأصناف المدعومة من قبل المصرف المركزي، وكذلك الميزانية المرصودة بغرض تطويل أمد هذا الدعم»، مشيراً إلى أنه «حتى الآن لم تُعرف الفترة الزمنية المتبقية قبل رفع الدعم نهائياً».

ويفسر بُحصلي أن «تأخر وصول السلع المدعومة لأيدي الناس سببه الدورة التجارية التي تتطلب فترةً زمنيةً ما بين طلب البضائع من قبل التجار ثم استيرادها وعرضها في السوق، وهذه العملية تتطلب نحو ثلاثة أشهرٍ»، ويشدد على أن «النقابة حذرت من هذا الواقع، لأن الدعم بدأ منذ شهر حزيران وفي شهر تشرين الأول بدأت خطة ترشيد الدعم، إلا أن البضائع المدعومة بدأت بالوصول الآن لعرضها في الأسواق»، مضيفاً: «سبق أن نبهنا أن سعر السلع المنخفض أي المدعوم،سيفتحُ باباً لتهريبها وهذا شائعٌ في كل البلدان، ما أدّى إلى تحفيز حركة تهريب السلع المدعومة عبر المعابر. وحكماً هذا أحد أسباب حرمان المواطن من العثور على السلع المدعومة في الأسواق».

لا أمنَ غذائياً للمواطن!

وفي خضم هذه المعمعمة اللامتناهية، وفي ظل ازدياد الضغوطات مالياً وصحياً وحياتياً، بات الأمنُ الغذائي للمواطن مهدداً بفعل سياساتٍ تفتقر إلى الشفافية والرؤيوية وباتت توصلُ إلى الجوع والإفلاس، بعد اليأس والإحباط، وفي شهادة معبرة تكشف المسؤولة الميدانية في مجال الأمن الغذائي زهراء ناصر الدين لـ»اللواء» أنّ «دعم العائلات من قبل الجمعيات الخاصة راهناً يقتصر على الحصص الغذائية فقط؛ إذا لا يمكنها تقديم بونات مالية بحكم تقلب أسعار البضائع يومياً»، وتعطي مثالاً حياً على تدهور قيمة العملة بأن «مبلغ الـ 200 ألف ليرة لبنانية في حال خولت عائلة من الحصول على 20 سلعة اليوم فمن البديهي، أنها لن تكون بذات القيمة السوقية غداً بحكم استمرار إرتفاع الأسعار يوماً بعد آخر، هذا عن النقص الكبير الحاصل لأنواع عدة من المستلزمات»

مصدراللواء
المادة السابقة“سناب شات” يحصل على ميزة جديدة
المقالة القادمةالقطاع التجاري: لا لتقييد السحوبات بالليرة