وصل السجال بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الطاقة وليد فيّاض إلى ذروته حين تجاوز ميقاتي فيّاض، كاشفاً عن شخصية أخرى تدير ملفّ الكهرباء، وبأنها مسؤولة عن سحب ملفّين يتعلّقان بعروض لتطوير قطاع الكهرباء عن طاولة الحكومة في اجتماعها الأخير، قبل تحوّلها إلى حكومة تصريف أعمال. عاد ميقاتي ليبرِّد الأجواء ظاهرياً، ويحصر “معركته” مع الخصم الأساسي، مؤكّداً القدرة على تأمين الكهرباء 24 ساعة يومياً، شرط عدم التعطيل. فهل هناك إمكانية فعلية لتجاوز معضلة الانقطاع شبه التام للكهرباء؟
إمكانية تقنية
بعيداً من المناكفات السياسية، هناك إمكانية تقنية لتحسين واقع الكهرباء تمهيداً للوصول إلى تغذية بمعدّل 24 ساعة. فمن العروض الأخيرة، استعداد شركتيّ سيمنز وجنرال إلكتريك، تزويد معمليّ دير عمار والزهراني بألف ميغاوات من الطاقة بواسطة الغاز، بأسعار مقبولة جداً. فضلاً عن عرض عبر شركة كهرباء فرنسا لإنتاج الطاقة في المعملين المذكورين. لكن الخلاف يدور حول التعاقد بالتراضي، وهو ما يريده فريق وزارة الطاقة فيما يرفضه ميقاتي، وليس العكس كما أشيع.
أبعد من ذلك، لم يُقفَل الباب نهائياً على قرض من الصندوق الكويتي للتنمية، لتمويل وتنفيذ مشاريع بناء معامل لإنتاج الكهرباء. وهو عرض مقدّم في العام 2011 وقد رفضته حينها حكومة نجيب ميقاتي، وكان جبران باسيل وزيراً للطاقة. ويوفّر العرض 700 ميغاوات بفائدة نحو 2 بالمئة، ويُقَسَّط القرض على 20 عاماً مع فترة سماح. وهي شروط جيدة جداً مقارنة مع ما تأتي به الوزارة في مشاريع أخرى.
عراقيل وإصلاحات
كشف ميقاتي عن عراقيل فريق وزارة الطاقة، بدءاً من فيّاض وصولاً إلى باسيل، لم يشفع له تورّطه في عرقلة الإصلاح في هذه القطاع. فحكومته رفضت القرض الكويتي في العام 2011. وبما أنه ينتقد تدخّل باسيل في الملف لصالح تأمين مشاريعه، ومنها معمل سلعاتا، فلماذا وافق على خطة فياض في جلسة شهر نيسان الماضي، علماً أن خطته امتداد لخطة باسيل الأساسية التي ينتقدها ميقاتي. كما أنها تحتاج لتمويل لا يقف عند تمويل البنك الدولي الذي يتيح استجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري، بالاضافة إلى سلفات الخزينة التي تعني الحاجة للمزيد من الدولارات، فهل ستؤمّن الحكومة المقبلة السلفات، وقد يكون ميقاتي رئيسها؟
بالتوازي، حاوَلَ ميقاتي تدارك الأمر وتصحيح المسار، رغم انخراطه في الموافقة على نهج غير سليم في القطاع. وتجلّى التدارك في محاولة الإصلاح عبر وضع الملف على السكّة القانونية، وأولى محطاتها إدارة المناقصات في التفتيش المركزي. لذلك، طلب ميقاتي وضع الإدارة لدفاتر الشروط المتعلّقة بها وإجرائها للمناقصات عوض إجرائها من قبل وزارة الطاقة، وهو ما يرفضه فيّاض، ومن خلفه باسيل.
كما أن ميقاتي يريد تعويض موافقته على بواخر الطاقة في العام 2012، بعد تحميل فريق باسيل مسؤولية انكشاف السمسرات للحكومة، كَونها وافقت على المشروع. وبالتالي يحمل ميقاتي جزءاً من المسؤولية.
تبييض الصفحة
يريد ميقاتي تبييض صفحته وتنقيتها من الشوائب، خصوصاً المرتبطة بملف دقيق كملف الكهرباء. فهو من جهة يريد تسجيل نقطة لصالحه في حال الوصول إلى آلية لزيادة ساعات التغذية، ومن جهة أخرى يريد تسويق نفسه كرئيس قادر على قيادة المرحلة المقبلة نحو الإصلاح. لكن لا تسير رغبات ميقاتي مع رغبات باسيل الذي يريد الاستمرار في النهج عينه في ملف الكهرباء، مستنداً على الدعم السياسي الذي يؤمّنه الحلفاء. وقد ينجح ميقاتي في تذليل العقبات السياسية في حال حصوله على دعم دولي أكبر، في ما يخص ملف الكهرباء، أي تسريع الحصول على قرض البنك الدولي وتجاوز عقبة قانون قيصر.
على أن مصادر متابعة لملف الكهرباء، تؤكّد لـ”المدن”، أنه رغم أهمية القرار السياسي والموقف الدولي إلاّ أن “باسيل لن يتخلّى عن موقفه ومشاريعه. وهو ما يتعارض مع رغبة ميقاتي في الحصول على دعم دولي أساسه الاصلاحات، وتحديداً في قطاع الطاقة. ما يعني أن السجال سيبقى مفتوحاً والعراقيل ستبقى قائمة”. وتضيف المصادر أن “جوهر توسّع باسيل ووزرائه في قطاع الطاقة، هو الاتفاقات بالتراضي ووضع دفاتر الشروط وإجراء المناقصات داخل وزارة الطاقة، وهو ما سيصطدم به ميقاتي في حال إصراره على الاصلاح في القطاع”. والإصرار على الإصلاح لا ينجم بالضرورة عن رفض التجاوزات، بل هو حماية للنفس أيضاً من الطعن بالظهر، كما حصل في العامين 2011 و2012، وكذلك في الجلسة الأخيرة للحكومة.
تعتقد المصادر أن إصلاح قطاع الكهرباء ليس مستحيلاً، لكن “ليس قبل إبعاد المتحكّمين بالوزارة”. أما تركهم والرهان على معطيات أخرى “غير مفيد”. وإبعادهم ليس سهلاً، ولذلك وجَّهَ ميقاتي سهامه بشكل مباشر نحو باسيل، لأن الحل يبدأ من عنده، بعد وضع استراتيجية واضحة، وهو ما أيّدته الأمم المتحدة والبنك الدولي.