عند العاشرة والنصف من صباح اليوم، وبدعوة من رئيس مجلس النواب نبيه بري، تناقش اللجان النيابية خطّة الطوارئ الوطنية لتعزيز الجهوزية لمواجهة العدوان الإسرائيلي. النقاش يدور حول خطّة أعدّت على عجل مؤلّفة من 23 صفحة باللغة العربية، 10 منها بِيض متروكة للوزارات لعرض ما لديها من تحضيرات، و11 صفحة باللغة الإنكليزية وضعتها وحدة إدارة الكوارث لمناقشتها مع منظمات الأمم المتحدة المشاركة بشكل أساسي في إدارة الخطة.
لكن اعتبار الحرب المحدودة الدائرة جنوباً «بروفة»، لا يبشّر بالخير قياساً على هذه الخطّة الهزيلة. فالحكومة غائبة تماماً عن حاجات الجنوبيين وهو غياب لم يحصل اليوم، وإنما يتجدّد الحديث عنه مع كل معركة أو حرب. وأقصى ما حقّقته حكومة تصريف الأعمال يتعلق بطلب وزير التربية عباس الحلبي من أساتذة المدارس المقفلة، النازحين بعيداً عن محور العمليات العسكرية الجارية، الالتحاق بأقرب مدرسة في منطقة النزوح وفقاً للتعميم 29 الصادر في وقت سابق من الشهر الجاري. وأسوأ ما في هذه الخطّة أنها تشبه الإفلاس المالي الذي فتح زواريب التمويل الخارجي وفق أجندات منتجة في الخارج. فخطّة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، هي الأخرى تفتح الباب واسعاً أمام هذه المنظمات الدولية والجمعيات غير الحكومة للتدخل وفرض إجراءاتها وتدابيرها وفقاً لرؤيتها وتصوّراتها عن الحرب ومن يخوضها.
قسّمت خطة ميقاتي العمل على 8 قطاعات. كل قطاع تشرف عليه وزارة معيّنة، دائماً بالتنسيق مع المنظمة الدولية المختصة التي ملأت الفراغ الحكومي وقدّمت تصوراً لخطة الحرب عبر 10 منظمات أممية أساسية، أهمها: اليونيسيف، منظمة الصحة العالمية، المفوضية العليا للاجئين، بالإضافة إلى عدد من شركاء هذه المنظمات على الأرض، والتي يزيد عددها على 40 كما ورد في متن الخطّة.
مقارنة مع ما يجري في غزة منذ السابع من تشرين الأول، ومع الوضع المهترئ للدولة وأذرعها، لا يمكن وصف ما يجري في الوزارات هذه الأيام سوى بأنه لهو وتضييع للوقت لملء الفراغ بلزوم ما لا يلزم. فخطر الكيان الغاصب على لبنان واضح منذ 75 عاماً، ودولة الاحتلال شنّت 6 حروب ضد لبنان منذ عام 67 حتى 2006، لكن قوى السلطة نائمة معظم الأحيان ولا تستفيق إلا كردّ فعل مباشر على حدث واضح للعيان بدلاً من الاحتياط والتخطيط العميق والبعيد المدى. فحتى الآن، ليس هناك خطط مواجهة على المستوى العسكري الدفاعي، أو على مستوى ما يعرف بـ«الجبهة الداخلية»، ولا ملاجئ في قرى المواجهة، ولا خطط وتدريبات دورية على الإجلاء والإسعاف والإيواء والاستيعاب في مناطق أخرى. الناس متروكة كالعادة لردّات الفعل العشوائية.
هشاشة الخطة الحكومية لا لبس فيها، ولكن يمكن الاستناد إلى مصادر التمويل لتأكيدها. فالدولة في حالة الحرب ستعتمد على المنظمات الدولية في تمويل حاجات مواطنيها من صحة وسكن وغذاء، بالإضافة إلى وزارة المالية التي بدأت بالعمل على فتح اعتمادات للأمور الملحّة وسط شكوك واسعة حول قدرتها على التمويل والإنفاق. والخطّة تشير بوضوح إلى الآتي: «باشرت المنظمات الدولية بنقل بعض الإيرادات من برنامج إلى آخر، وخصوصاً في قطاعات الصحة والغذاء والمياه». عملياً، الخطّة وضعت يد اللبنانيين تحت بلاطة منظمات الأمم المتحدة التي تشارك في إدارة كلّ القطاعات.
ولمقاربة الخطر الداهم، تتبنّى الخطة «مقارنة معيارية لافتراضات مبنية على ما حدث عام 2006»، وفقاً للنص الوارد في متنها، «تهجير قسري لمليون لبناني، الحاجة إلى مراكز إيواء تستوعب 20% من النازحين، أي 200 ألف شخص، وفترة تهجير تمتد حتى 45 يوماً مع حصار بحري وجوي». عملياً، تنظر الخطة إلى مقاربة حاجات 3 فئات سكانية من اللبنانيين، النازحون في مراكز الإيواء، النازحون في الشقق والمنازل الخاصة، والمجتمع اللبناني المضيف. كما تقارب الخطة 3 فئات سكانية غير لبنانية: اللاجئون الفلسطينيون، النازحون السوريون والعمال الأجانب. إلا أنّ الخطة الحكومية لم توضح أبداً كيفية معالجة أيّ من الملفات، بل فضّلت ترك كلّ ما سبق وما سيأتي للمنظمات الدولية والبلديات التي أفاد بها أحد المسؤولين البلديّين «الأخبار» بأنّ الحكومة موجودة دائماً، فهي لا تتوقف عن إصدار التعاميم.
مدارس للإيواء
لم تتعامل الخطّة مع النزوح إلا من الباب المعروف سلفاً، أي الإيواء في المدارس الحكومية وهو أمر يتم بشكل تلقائي في الحروب التي شهدها اللبنانيون من دون أي خطّة. وخطة الحكومة تشير إلى أنه ليس هناك منشآت جاهزة لاستقبال النازحين في لبنان سوى المدارس، بل تعدّد المدارس التي فتحت لاستقبال النازحين وعددها ثلاث حتى الآن في منطقة صور لإيواء الآتين من القرى الحدودية اللبنانية. وعلى كامل الأراضي اللبنانية، هناك 37 مدرسة حكومية فقط غير شغّالة مقدّمة من وزارة التربية، وكشف عليها الصليب الأحمر اللبناني، ويجري التعامل معها بوصفها «ملاجئ محتملة». وبالإضافة إلى المدارس الرسمية الحكومية، هناك 16 مدرسة مقدّمة من الأونروا داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وبالقرب منها. أما بالنسبة إلى إطعام النازحين، فتقضي الخطة بتأمين وجبات طعام جاهزة لمليون نازح لمدة شهر، ومبالغ مالية نقدية، بالإضافة إلى بطاقات مخصصة لشراء الأطعمة.
قطاع الغذاء: مصدر للقلق
لا معلومات واضحة حول مخزون القمح في لبنان، إذ إن وزارة الاقتصاد لم تنجز حتى اللحظة جردة ما لدى 12 مطحنة خاصة من كميات الطحين، وهي لا تعرف شيئاً عن قدرتها الاستيعابية، كما أنّ حركة شراء القمح عبر قرض البنك الدولي وصفت بالبطيئة، علماً بأن مصادر المطاحن تقول إن لديها ما يكفي لنحو شهرين في أيام الاستهلاك العادية، لكن الخطّة لا تبدو متأكّدة من ذلك. كما أن التحديات على مستوى تأمين الغذاء في حال وقوع الحرب تكاد تكون المصدر الأول للقلق. عدد المقيمين المستفيدين من المساعدات الغذائية وصل إلى مليونَي شخص، والتمويل في تناقص، كما أنّ قاعدة المعلومات حول عدد المحتاجين للمساعدات والمخزون الوطني للغذاء غير مكتملة.
وحدات طبية جوّالة
فعّلت وزارة الصحة مركز الطوارئ الصحية، وشغّلت 5 وحدات طبّية جوالة في النبطية وصور. كما يجري إعداد الكادر الطبي للتعامل مع الحروق الناجمة عن استخدام الفوسفور الأبيض، بالإضافة إلى التدريب على كيفية إدارة ومعالجة أعداد كبيرة من المصابين. وحول المخزون الطبي، تشير الخطّة إلى أن الكميات تكفي لفترة تصل إلى شهرين، فيما هناك علامات استفهام كبيرة على كميات الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، وتوافر الوقود للمستشفيات، وهجرة الكادر الطبي. من جهتها، أشارت اليونيسيف إلى امتلاكها في لبنان احتياطيّاً من اللقاحات كافياً لمدة تراوح بين 3 و5 أشهر.
مياه الشرب مربوطة بالوقود
يعتمد لبنان في تأمين حاجاته من المياه النظيفة الصالحة للشرب على ضخّ الماء من الآبار الجوفية، وتستلزم هذه العملية تشغيل مولدات كهربائية لتأمين الطاقة، ما يعني استهلاكاً كبيراً للوقود غير المتوافر إلا عن طريق الاستيراد. في لبنان الآن 82 مليون ليتر من المازوت، منها مليونان فقط مخصّصة لقطاع المياه، وفي حال وقوع الحرب وانقطاع خط الاستيراد البحري للمحروقات قد لا تكفي هذه الكميات لأكثر من شهرين. وفي الوقت نفسه ترفض الشركات الخاصة مضاعفة استيراد المازوت حالياً بسبب قلقها من الأوضاع الأمنية والخوف من الخسائر التي قد يسببها وقوع الحرب.