خلطة سياسية – قضائية – مالية.. وحصيلتها الانهيار

نظرة سريعة على الواقع السياسي تظهر لنا مدى التشرذم والتخبط على مستوى القيادة، فالبعض راهن على بدء التدقيق الجنائي في حسابات ​مصرف لبنان​ وسائر الادارات الرسمية علهيجد أين وقعت الخسائر، والى أين هربت الاموال، فتكون خطوة أولى نحو استعادة ما أمكن من مليارات قد تعين في وقف الانهيار.

في الاثناء تجري محاولات قضائية منفردة للتحقيق في تهريب الاموال، الا أنها محاولات غير مجدية لانها ليست شاملة، مرتجلة وانتقائية، وشعبوية دعائية ، والاهم من كل ذلك انها تُحارب من داخل الجسم القضائي، فالقضاء المنقسم على نفسه اليوم ليس سوى انعكاسا للسياسة.

يستمر ​مجلس النواب​ في اعداد مشروع قانون ضبط ​التحويلات​ (الكابيتال كونترول) الذي يبقى موضع خلاف كبير بين المكونات النيابية بوصفها ممثلة للتكتلات المالية الكبرى المتحكمة بالبلد،اي بكلام آخر ممثلة للمافيا. علما ان الفائدة المرجوة منه للتصدي للانهيار شبه معدومة لانه سيأتي متأخرا 18 شهراً، فاذا كان الهدف الحفاظ على الرساميل والثروات في لبنان فقد سبق السيف العذل،اذ جرى تهريب ما يعادل 60 مليار دولار من اجمالي الودائع وفق تقديرات متقاطعة مستقاة من ​الميزانية​ المجمعة للمصارف ومن ميزان المدفوعات بين تشرين الأول 2019 ونيسان 2021. أما الحديث عن الايجابيات في مشروع القانون من خلال بند الاستثناءات والذي يسمح للبعض بتحويل مبالغ معينة بالدولار الى الخارج لاهداف محددة (كتعليم الطلاب مثلا) فيبدو ان ​المصارف​ الممانعة لهذا الامر وجدت في البيان الاخير لمصرف لبنان ضالتها.

خير دليل على التخبط في لبنان هو موضوع منصة ​صيرفة​ المفترض ان تلجم سعر صرف الدولار،وتضبطه (مرحلياً واصطناعياً) عند 10 آلاف ليرة مقابل الدولار.فالسلطة السياسية، او ما تبقى منها، تريد المنصة باي ثمن ، والسلطة النقدية تماطل. كما ظهرت خلال الآونة الأخيرة سلسلة احكام قضائية لصالح للمودعين نسبياً، من الحجز على أصول مصارف ومجالس اداراتها، لانها لم ترجع للمودعين اموالهم التي يحتاجون اليها. كما تحرك القضاء اللبناني لمواكبة التحقيقات السويسرية التي تتهم ​رياض سلامة​ وأخيه باختلاس و​تبييض أموال​ تقدر بنحو 300 مليون دولار، اضافة الى دعاوى فتحت ضد سلامة في ​بريطانيا​ و​فرنسا​.

هذه الظاهرة جعلت الحاكم سلامة يستعجل باصدار بيان يطلق فيه ” مبادرة لاراحة اللبنانيين”، حسب وصفه، أبرز ما فيها منح بعض المودعين حق الحصول على جزء من ودائعهم بالدولار ، بدلامن اللجوء الى القضاء. ومن ناحية ثانية أقر مجلس النواب تقديم سلفة خزينة لشركة ​كهرباء لبنان​ قيمتها 200 مليون دولار تكفي لشهرين فقط، ولكن المجلس الدستوري علق العمل بهذا القانون بانتظار البت بطعن نيابي، وتنتظر السلفة قرار المجلس النهائي علما انه فاقد للنصاب القانوني حاليا.

هذه هي خلطة السياسة والقضاء والمال التي لم تنتج سوى الانهيار، وبعد سقوط الهيكل فوق رؤوسنا، يحق للبنانيين السؤال عن المخرج من هذا الصراع العبثي بين مكونات السلطة، او السلطات في لبنان، ومن هذا الاستهتار بحياة الناس. ويحق لهم ان يرفضوا كل اشكال الاخضاع والاذلال التي يتعرضون لها يوميا ، فيثورون عن جد هذه المرة.

مصدرالنشرة - علي حمود
المادة السابقةاجتماع في التفتيش المركزي عرض للافادة من تطبيقات منصة IMPACT
المقالة القادمةدولار السوق السوداء على عتبة الـ13 الف ليرة!