يجمع المحللون على أن المواجهة بين الولايات المتحدة والصين تبدو حتمية، حيث أن الحرب التجارية الأبرز في العصر الحديث تتوقف على من يتحمل العبء الأكبر، خاصة وأنه من الصعب على أهم قوتين اقتصاديتين تعزيز مبادلاتهما نتيجة لهذا الوضع، وفي ظل تضرر الاقتصاد العالمي.
تستعد الصين، التي تشعر بأنها محاصرة في مأزق بسبب تكثيف الولايات المتحدة لفرض الرسوم الجمركية عليها وعلى أي دولة تشتري أو تجمع سلعها، لحرب استنزاف اقتصادية وسط تباين الآراء حول المكاسب التي قد تحققها في ظل محدودية الخيارات أمامها.
وأثار فرض واشنطن تعريفات بنسبة 10 في المئة على الأقل على معظم واردات دول العالم، وتعريفات أعلى بكثير على دول مثل فيتنام، حيث تنقل المصانع الصينية إنتاجها، ردًا انتقاميًا من بكين، تلته تهديدات جديدة بالتصعيد من الرئيس دونالد ترامب.
وقال مستشار سياسي صيني، طلب عدم الكشف عن هويته نظرًا لحساسية الموضوع، لرويترز “من يستسلم أولًا يصبح الضحية. إنها مسألة من يستطيع الصمود لفترة أطول.”
ومع ذلك ليست لدى الصين خيارات واسعة، بل ستسعى إلى جذب أسواق أخرى في آسيا وأوروبا وبقية العالم، لكن هذا لن يكون منفذًا كافيًا.
وأسواق الدول الأخرى أصغر بكثير من السوق الأميركية، والاقتصادات المحلية تتأثر سلبًا بالرسوم. كما أن الكثيرين يحذرون من السماح بدخول المزيد من المنتجات الصينية الرخيصة.
ومحليًا سيكون خفض قيمة العملة أبسط طريقة لتخفيف أثر الرسوم، لكن ذلك قد يؤدي إلى تدفقات رأس المال إلى الخارج، كما أنه قد يُنفّر الشركاء التجاريين الذين قد تحاول الصين التودد إليهم. وقد سمحت بكين حتى الآن بانخفاض محدود جدًا في اليوان.
وقد يكون من المُرجّح تقديم المزيد من الدعم، أو تخفيضات ضريبية على الصادرات، أو أشكال أخرى من التحفيز، لكن هذا يُنذر أيضًا بتفاقم فائض الطاقة الإنتاجية الصناعية وتأجيج المزيد من الضغوط الانكماشية.
ولطالما دعا المحللون إلى سياسات من شأنها تعزيز الطلب. ولكن رغم تصريحات المسؤولين الصينيين، لم يُبذل الكثير من الجهود لزيادة الاستهلاك بشكل فعّال لأن التغييرات السياسية الجريئة المطلوبة قد تُسبب اضطرابًا في قطاع التصنيع على المدى القصير.
وقد لا يكون الرد بفرض رسوم وضوابط تصديرية فعالًا، لأن الصين تُصدّر إلى الولايات المتحدة سلعًا تُعادل ثلاثة أضعاف ما تستورده بحوالي 160 مليار دولار. لكنه قد يكون الخيار الوحيد إذا اعتقدت بكين أن قدرتها على تحمل الألم أعلى من واشنطن.
وحتى الآن ردّت الصين على الرسوم الأميركية الإضافية بنسبة 34 في المئة التي فُرضت الأسبوع الماضي بفرض ضريبة مضادة شاملة ومماثلة. وبينما هدّد ترامب بالتصعيد بزيادة إضافية بنسبة 50 في المئة، تعهّدت بكين بـ”القتال حتى النهاية”.
وقال آرثر كرويبر، رئيس قسم الأبحاث في جافيكال، لرويترز “لا تستطيع الصين إلحاق الضرر بالولايات المتحدة بقدر ما تتلقاه، فهي تتمتع بفائض تجاري كبير، وبغض النظر عن المعادن النادرة، لا يزال لديها الكثير لتخسره من ضوابط التصدير.”
ولكن هذا لم يعد مهما. وتشير خطوة بكين إلى أنها ستتصدى لجهود الولايات المتحدة للهيمنة، وأنها سعيدة تماماً بالدخول في حرب استنزاف اقتصادي. وإلى جانب تعريفاتها الشاملة يمكن لبكين استخدام سيطرتها على بعض السلع الإستراتيجية وقطاعات لتوجيه ضربة قاصمة لواشنطن.
وقدّمت الصين لمحة عن ذلك الجمعة، عندما أضافت 7 معادن نادرة إلى قائمة ضوابط التصدير، وهي خطوة هددت بقطع إمدادات المواد التي يعتمد عليها قطاعا الدفاع والتكنولوجيا في الولايات المتحدة.
وتحتفظ بكين بخيار توسيع نطاق الضوابط لتشمل 10 معادن نادرة أخرى أو حظر الصادرات إلى الولايات المتحدة تماماً. وفي عالم الشركات أبدى ترامب اهتمامه بتأسيس شركة فرعية تابعة لتطبيق تيك توك للفيديوهات القصيرة في الولايات المتحدة.
لكن الصين تتمتع بنفوذ كبير هناك أيضًا، بفضل القواعد التي طبقتها عام 2020 والتي تُلزم الشركة بالحصول على ترخيص تصدير التكنولوجيا قبل نقل خوارزمية “الخلطة السرية” الخاصة بها إلى الخارج.
وأشارت الصين إلى أنها لن توافق على الصفقة عقب إعلان الرسوم، وفقًا لمصادر رويترز. وقد تستهدف بكين الشركات الأميركية بعقوبات أو إضافتها إلى قائمة الكيانات غير الموثوقة، والتي تشمل حتى الآن بشكل رئيسي شركات تقول إنها تبيع أسلحة لتايوان.
وتعد سكايديو الأميركية لتصنيع الطائرات المسيرة، التي كانت تستورد بطارياتها من الصين، إحدى هذه الشركات التي تواجه عقوبات صينية.
وقال وو شينبو، مدير مركز الدراسات الأميركية في جامعة فودان، “ضرباتنا هي ضربات دقيقة.” وأضاف “الأولوية الرئيسية هي الحفاظ على ضبط النفس، والأولوية التالية هي استخدام أساليب غير متكافئة،” مؤكدا أن هذه الأساليب تشمل ضوابط التصدير.
ومع سعي واشنطن وبكين إلى إلحاق المزيد من الضرر ببعضهما البعض، واعتبار بقية العالم أضرارًا جانبية في حربهما التجارية، يصعب تصور كيف سيبدو اتفاق كبير لتهدئة التوتر.
ويقول الاقتصاديون إن هدف ترامب المتمثل في تحقيق التوازن التجاري مع الصين غير قابل للتحقيق على المديين القصير والمتوسط، نظرًا لكون أحد الجانبين أكبر منتج في العالم، بينما الآخر أكبر مستهلك.
والصين، التي تضررت في وقت سابق من هذا العام من زيادة في الرسوم بنسبة 20 في المئة، مبررةً ذلك بمواد الفنتانيل الأولية بدلاً من فائضها التجاري، مرتبكة بشأن ما يريده ترامب تحديدًا، وترفض محاولات الاحتواء، حتى مع إعلانها استعدادها للمحادثات.
وقال بو تشنغ يوان، الشريك في شركة بلينوم الاستشارية الصينية، لرويترز “لا ترى الصين أن الإجراءات الأميركية تُسهم في تهيئة مناخ مناسب للمفاوضات.” وإذا تعذر التوصل إلى اتفاق سريع، فقد يتحول الأمر إلى صراع إرادات سياسية، حيث يعتقد بعض المحللين أن بكين هي صاحبة اليد العليا.
وتجمع الآلاف من المتظاهرين في واشنطن ومدن أخرى في أنحاء الولايات المتحدة خلال عطلة نهاية الأسبوع احتجاجًا على ترامب، الذي يواجه أيضًا انتقادات لاذعة من وول ستريت بسبب اضطراب السوق العالمية الذي سببته رسومه الجمركية.
ومن غير المرجح أن يواجه الرئيس الصيني شي جينبينغ مقاومة مماثلة في بلاده الخاضعة لسيطرة مشددة، ويمكنه إعداد حزمة من الحوافز النقدية والمالية في وقت لاحق من هذا العام لتخفيف بعض الضغوط الاجتماعية عند الحاجة.
وقال تشيوو تشن، أستاذ المالية في كلية إدارة الأعمال بجامعة هونغ كونغ، “في النهاية يصبح الأمر محصورًا في تحديد أي دولة تستطيع إدارة سكانها بكفاءة أكبر لمواجهة العواقب الاقتصادية المترتبة على هذه الحرب التجارية.”
وأضاف “على ترامب أو، على الأقل، على السياسيين الجمهوريين أن يواجهوا ضغوطًا انتخابية كبيرة، ولا تزال وسائل الإعلام الأميركية تتمتع بحرية شبه كاملة. لذا أعتقد أن قدرة ترامب على المواجهة السياسية مع الصين ليست بتلك القوة.”