دور جديد للمصرف المركزي‏

خمس سنوات مرّت منذ انكشاف الأزمة ولم نصل بعد الى مدخل لحلّ عادل وقانوني يوافق عليه الجميع. في حين أن خمس سنوات كانت فترة كافية للخروج من أزمات حادّة مرّت بها دول أخرى كما حصل في أيسلندا.

خمس سنوات والمودعون ما زالوا ينتظرون عودة حقوقهم وتمارس عليهم عمليات التضييق والتضليل والتذويب، لكي لا نقول القتل العمد. من جهة ثانية، لا تزال المصارف تسرح في حالة الزومبي، موجودة وغير فاعلة، مستمرّة ولا تقوم بالعمل المصرفي المطلوب.

خمس سنوات تعطيل ومشاريع منقوصة وخطط مفخّخة عناوينها عكس مضامينها، ويبدو أن الجميع غير مستعجل لاعتماد الحلول الممكنة وتطبيق القوانين الموجودة منذ اللحظة الأولى.

لكن من قال اننا محكومون بالبقاء في الحفرة ولا نستطيع ان نخرج من الأزمة ومن النظام المصرفي الشبح إلى نظام مصرفي جديد كامل قادر على استعادة الثقة والإستفادة من الإبتكارات الجديدة والحلول التكنولوجية في عالم المصارف والمال.

ولمَ لا تكون البداية من مركز الزلزال القديم، أي من مصرف لبنان مع قوانين جديدة وبنية جديدة ومحصّنة لمنع الوقوع في الممارسات الماضية وحماية أكثر للمواطنين العاديين؟

الفصل بين الإدخار والإستثمار

توالي الأزمات الماليّة والإقتصادية وتعثّر المصارف لأسباب مختلفة حول العالم واضطرار المصارف المركزيّة الى التعامل مع نتائج هذه الصدمات والتخفيف مِن وقعها يدفع هذه المؤسسات التقليدية والحذرة بطبيعتها الى التفكير بحلول غير تقليديّة، وأن تؤدي أدوارا جديدة أوسع من أدوارها المعروفة. من ناحية ثانية، أصبحت الابتكارات الجديدة والتكنولوجيا الرقمية تُتيح للمصارف المركزيّة أن تأخذ بعض وظائف القطاع المصرفي وتضعها تحت إدارتها ومراقبتها للتخفيف من آثار الصدمات المالية على بعض الفئات في المجتمع التي لا تتعاطى الإستثمار وليس لها تأثير على قرارات الشركات الماليّة وأسواق الأسهم، لكنها أكثر من يعاني حين تنفجر الأزمات.

من هذه الوظائف نذكر تحديداً نظام الدفع، والحسابات الشخصية الإدخاريّة.

أ – نظام الدفع: لا يمكن للإقتصاد أن يعمل بلا نظام دفع فعّال وشفّاف ومنخفض الكلفة. فارتباط نظام الدفع بالمصرف المركزي يؤمن استمراره وفعاليته وخضوعه للمراقبة. قد يجد البعض في نظام دفع مركزي تديره المصارف المركزية زيادة في المراقبة بواسطة السلطات الماليّة والقضائيّة، ولكنها مفاضلة يجب القيام بها مقارنة بنظام دفع تديره المصارف ومعرّض للخضّات المصرفيّة المتكررة.

ب ـ حسابات التوفير الشخصية: مع تطوّر التكنولوجيا والتطبيقات المالية يمكن للمصارف المركزية «توطين» الحسابات الشخصية التي تحتاج الى مقدار محدود من الادارة والملاحقة بينما معظم العمليات يمكن القيام بها رقميّاً من أي مكان وفي أي وقت. من ناحية أخرى، يُعتبر الحصول على ضمان سيادي من المصرف المركزي لهذه الحسابات الشخصية عامل استقرار وحماية لفئة من المجتمع لا ترغب ولا تتحمّل تقلبات الأسواق المالية والأزمات الاقتصادية. قد يجد البعض أن هذا الضمان الإضافيّ يأتي مقابل رقابة إضافيّة وخضوع هذه الحسابات لمقدار أكبر من التدقيق، لكنها تبقى فكرة جيدة ومطلوبة بالنسبة الى كثيرين. يمكن للمصرف المركزي أن يعطي هذه الحسابات نسبة الفائدة السارية عالميّاً بعد حسم نسبة معيّنة مقابل كلفة الخدمات المقدمة.

أما البنوك التجارية والإستثمارية فيمكنها، وبحسب أنواعها، التركيز على عملائها من الأفراد والشركات الذين يرغبون بخدمات ذات قيمة مضافة وذات طبيعة تجارية واستثمارية مثل الإعتمادات المستندية، والقروض، وإدارة الثروات والوساطة المالية وغيرها.

في الوضع اللبناني يمكن لمثل هذا الحل أن تكون له فوائد عدة بالنسبة الى القطاع المصرفي في لبنان، وتحديداً لمصرف لبنان المركزي بعد أن يتم تجديده وإعادة رَسملته وتحصينه بالقوانين اللازمة، من إيجابيات هذا النظام الجديد:

١ – الحد من التعاملات النقدية ومكافحة جزء كبير من إقتصاد «الكاش».

٢ – تقديم خيار مضمون للأفراد الذين لا يريدون الإحتفاظ بأموالهم في المنازل بعد فقدان الثقة بالمصارف الموجودة.

٣ – تحرير مصرف لبنان والسلطات المالية والنقدية من ضغوط «اللوبيات» والمصالح المصرفية.

 

٤ – إعتماد تقنيات وأساليب جديدة قد تساعد في تطوير العمل المصرفي واستعادة الثقة مع تقديمها خدمات سهلة وفعّالة للمستخدمين.

٥ – لا يفترض أن يكون هناك تضارب في المصالح بين المصرف المركزي والمصارف عندما تعود الى ممارسة نشاطها، لأنّ الأمر لا يتعلق بالتنافس بل يتعلق بسحب وظيفتين من جملة خدمات البنوك التقليدية وإعطائها الفرصة لتطوير خدماتها الأخرى في مجالات التجارة والأعمال والاستثمار وإدارة الثروات، والتي هي مربحة أكثر.

لم تكن الأزمة المالية والنقدية التي تعرّض لها لبنان ولا يزال عادية ومألوفة بأيّ مقاييس، ولعل الخروج منها يتطلب أولاً الخروج من «صندوق» المعالجات التقليدية واعتماد أفكار وحلول جديدة قد تساعد في منع تكرار الأخطاء القديمة.

مصدرالجمهورية - جان كلود سعاده
المادة السابقةالموسم السياحي لم يهتز… رغم ضجيج الإشاعات
المقالة القادمةإليكم جديد أسعار المحروقات…