يفرض انهيار أسعار النفط، المصدر الرئيسي لتمويل اقتصادات الخليج، حالة من الغموض والركود على المنطقة بالنظر إلى صعوبة تحصيل الإيرادات، ما يستدعي تسريع خطط تنويع الاقتصاد على قاطرة الرقمنة بالتعاون مع الصين لتفعيل الإصلاحات.
تواجه دول الخليج تحديات جديدة في تنفيذ رؤاها الاستراتيجية للتحول والتنويع الاقتصادي في ظل الصعوبات، التي يفرضها تفشي فايروس كورونا وانخفاض أسعار النفط، حيث يجمع خبراء أن الاقتصاد الرقمي وتنمية التعاون مع بكين في المجال سيضخان حيوية غير مسبوقة في المنطقة.
وقال الخبراء إن التعاون بين دول الخليج والصين واعد في مجالات تطوير الاقتصاد الرقمي والتقنيات الجديدة، حيث تسعى تلك الدول إلى إيجاد سبل لمواجهة التحديات الجديدة.
وأطلقت بعض دول الخليج رؤى طويلة الأجل للتنمية الاقتصادية بين عامي 2016 و2017 لتقليل اعتمادها التقليدي على عائدات النفط وتحقيق التنويع الاقتصادي.
وأعلنت المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، عن رؤية 2030 في أبريل 2016، والتي تضمنت بناء مدينة ذكية تسمى نيوم، بالإضافة إلى إنشاء مركز لوجيستي دولي ومركز ابتكار دولي. كما أصدرت الإمارات العربية المتحدة رؤية 2030 في نوفمبر 2017 التي تضمنت 10 أهداف أساسية مثل الصحة العامة والاستثمار في البنية الأساسية والتنمية المستدامة في الأطعمة.
وفي مواجهة ارتفاع معدلات البطالة، اتخذت بعض دول الخليج تدابير لخلق المزيد من فرص العمل وتعزيز التدريب على المهارات المهنية وتقليل عدد العمالة الوافدة.
وفي هذا السياق نسبت شينخوا لتسو تشي تشيانغ، الباحث المشارك في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية، قوله إن “التحديات المزدوجة لفايروس كورونا وانخفاض عائدات النفط قد ألقت بظلال ثقيلة على الموارد المالية لدول الخليج منذ بداية هذا العام”.
وتراجعت المداخيل المتاحة للإنفاق، واستمر العجز المالي والدين العام في الارتفاع كحصة من الناتج المحلي الإجمالي، كما تقلصت صناديق الثروة السيادية واحتياطيات النقد الأجنبي بشكل كبير في دول الخليج.
وبحسب تقديرات معهد التمويل الدولي، قد تنكمش أصول صناديق الثروة السيادية لدول الخليج بنحو 296 مليار دولار بنهاية العام الجاري.
وأثّر مرض كوفيد – 19 بشدة على قطاعات السياحة والفنادق والطيران والخدمات اللوجيستية في دول الخليج، ما أعاق تنفيذ خطط التحول الاقتصادي الخاصة بها.
وحاولت العديد من دول الخليج توسيع مصادر الدخل مع محاولة خفض النفقات. وعلى سبيل المثال، تم تأجيل أو تعليق العديد من مشروعات النفط والغاز في الكويت هذا العام.
وفي السعودية، تم تعليق بعض المشروعات الكبرى، وأعيد توزيع الأموال التي تم توفيرها على الرعاية الطبية ومساعدة الشركات.
ومنذ يونيو، توقف دفع بدل غلاء المعيشة للمدنيين الحكوميين والعسكريين ورفع معدل ضريبة القيمة المضافة إلى 15 في المئة منذ يوليو في المملكة.
وعلى الجانب المشرق، أظهر الاقتصاد الرقمي إمكانات كبيرة وسط تفشي الوباء في دول الخليج، حيث يلجأ المزيد من الناس إلى التسوق عبر الإنترنت أو الترفيه لأنهم يقللون من الأنشطة الخارجية.
وحسب الإحصاءات الصادرة عن وزارة التجارة والاستثمار السعودية، قفز إجمالي حجم التسوق عبر الإنترنت في السعودية إلى نسبة 400 في المئة من فبراير إلى أبريل.
وارتفعت نسبة المستهلكين الذين اشتروا السلع الاستهلاكية عبر الإنترنت في المملكة من 6 في المئة إلى 55 في المئة في حوالي خمسة أشهر خلال الوباء.
فجميع دول الخليج لديها أجندات وخطط للتحول الرقمي، وهو التزام سياسي ومالي لخلق اقتصادات قائمة على المعرفة.
وسعت دول الخليج إلى مواءمة أجندات التحول الرقمي لمبادرات التنمية الاقتصادية المحددة، حيث وضعت دبي تصورا لخطة تمتد 50 عاما لتأسيس منطقة تجارية افتراضية قادرة على استضافة 10 آلاف شركة. علاوة على ذلك، تسعى خليج البحرين للتكنولوجيا المالية إلى تطوير فرص نمو جديدة في قطاع التمويل.
وقال ما شياو لين، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في جامعة تشجيانغ للدراسات الدولية، “حاليا، تنفذ السعودية سلسلة من المشروعات، التي ستساهم في التحول الرقمي للاقتصاد”، مضيفا أن دول الخليج لا تزال لديها مساحة واسعة للابتكار.
وتعمل تكنولوجيا تطوير التجارة الإلكترونية والخبرة المكتسبة من الشركات الصينية على خلق قيمة جديدة وزيادة تأثير السوق على دول الخليج.
وتأسست شركة تشييو لتكنولوجيا المعلومات المحدودة بمقاطعة تشجيانغ في عام 2012، وهي شركة ناشئة للتجارة الإلكترونية، ولديها حاليا 50 مليون مستخدم في الشرق الأوسط، ويأتي الجزء الأكبر من دول مجلس التعاون الخليجي.
وأصبحت الشركة التي تضم عددا كبيرا من مستخدمي الإنترنت في الإمارات وسلطنة عمان والبحرين وقطر والكويت والسعودية، واحدة من أكبر شركات التجارة الإلكترونية في منطقة الخليج.
ومنذ بداية هذا العام، قامت الشركة بتحسين سلسلة التوريد وجودة المنتجات مع تعزيز الاستثمار في الخدمات اللوجيستية المحلية والبنية التحتية للدفع في السعودية.
وفي الوقت نفسه، وسعت دائرة خدمات التشغيل الذاتي بأكثر من 400 كم خلال تفشي المرض، لتغطي 150 مدينة سعودية، مقارنة بأكثر من 60 مدينة في السابق.
لقد تعزز تعاون الصين مع دول الخليج في مجالات الاقتصاد الرقمي والتقنيات الجديدة في 2020.
وقال سون ده قانغ، أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدراسات الدولية بجامعة فودان، “إن التعاون العلمي والتكنولوجي الثنائي يهدف إلى تحديث الحوكمة الوطنية ودفع التنمية الضمنية من خلال الابتكارات التكنولوجية”.
وفي 22 أكتوبر، وقعت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي مذكرة تفاهم مع شركة هواوي، عملاق التكنولوجيا الصينية، والتي بموجبها ستدعم هواوي المؤسسات الحكومية والمؤسسات البحثية السعودية لتعزيز تجمع المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي.
واستضافت وزارة الاقتصاد الإماراتية والمجلس الصيني لترويج التجارة الدولية المعرض الرقمي الذي تشارك فيه 3000 جهة عارضة في يوليو 2020، وتسلط الضوء على أحدث منتجاتها افتراضيا عبر تقنية الواقع المعزز ثلاثي الأبعاد.
وقال ما شياو لين، الخبير من جامعة تشجيانغ للدراسات الدولية، إن ثمة فرصا وإمكانات كبيرة لدول الخليج للتعاون مع الصين في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث يتم الاعتراف بإنجازات الشركات الصينية في الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا البيانات الكبيرة تدريجيا من جانب المجتمع الدولي.
وقال باو تشنغ تشانغ، الباحث المشارك في معهد الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية “إن تعاون الصين مع دول الخليج في التكنولوجيا الرقمية سيلعب دورا فريدا ومهما في تعزيز الدفع عبر الهاتف المحمول، وتفعيل حيوية الأعمال وإمكانات التنمية، وتحسين النظام البيئي الرقمي للعديد من دول الخليج”.