قرر ديوان المحاسبة محاسبة وزير الاتصالات جوني القرم ورد طلبه بإعادة النظر بقرار تلزيم البريد للشركة الفرنسية، التي سبق ولزّمها قطاع البريد، رغم انتفاء الشروط الواجب توافرها فيها لتسلم القطاع. ووجه الديوان في قراره الجديد، الذي حصلت عليه “المدن”، ضربة قوية للوزير وللفرنسيين، الذين دخلوا على خط الاستثمارات في مختلف المرافق العامة في لبنان لالتزامها بأثمان بخسة. وعملياً وصلت أصداء ضربة الديوان إلى بنشعي ومرشح الفرنسيين لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية، تقول مصادر مطلعة. فوزير الاتصالات جوني القرم محسوب على فرنجية. ورغم أن الأخير زار عين التينة متوسطاً لرئيس مجلس النواب نبيه برّي لمحاولة الضغط على ديوان المحاسبة للتراجع عن قراره السابق برفض تلزيم الشركة الفرنسية، إلا أن الديوان أعاد تثبيت قراره ورفض التلزيم.
محاباة الشركة الفرنسية
في التفاصيل، أقدمت وزارة الاتصالات على تلزيم قطاع البريد إلى شركة Merit invest بالتحالف مع Colis prive الفرنسية، في ظل الهجمة من شركات فرنسية عدة تستعد للاستثمار في البلد المنهوب. وكان التلزيم فاضحاً لناحية المحاباة التي أظهرتها الإدارة (وزارة الاتصالات) للشركة، كما جاء في القرار السابق للديوان.
بعد ثلاث مزايدات، ورغم رأي هيئة الشراء العام بالشركة الفرنسية في المزايدة الثانية، لناحية عدم مطابقة عملها مع دفتر الشروط، لزّمت الوزارة القطاع لهذه الشركة العارضة. وتبين حسب رأي هيئة الشراء العام في المزايدة الثانية، أن عمل الشركة لا ينطبق على أحكام دفتر الشروط. وألغي التلزيم بناء على توصية هيئة الشراء العام، بعدما تبين أن الشركة لا تقوم بإدارة مكاتب بريد بل بنقل الطرود لصالح شركات تجارية. لكن الإدارة (وزارة الاتصالات) أجرت تعديلات على دفتر الشروط الخاص في الجزء المتعلق بمؤهلات العارضين ومعايير التقييم. وأصبحت متناسبة مع مواصفات الشركة العارضة. وعلى أساس هذا التعديل أطلقت الإدارة المزايدة الثالثة وتقدم عارض وحيد هو الشركة الفرنسية. وجرت جلسة التلزيم لها بتاريخ 12 تموز للعارض الوحيد الذي سبق ورفضت هيئة الشراء العام طلبه في المزايدة الثانية، لأنه غير مؤهل لتشغيل المرفق.
طلب إعادة النظر
بعد جلسة التلزيم طلب الوزير القرم من ديوان المحاسبة رأيه حول التلزيم كرقابة مسبقة. وقد صدر قرار عن الديوان قبل نحو ثلاثة أسابيع برفض التلزيم. رأي الديوان بقراره أن الوزارة أخلّت بواجباتها في تطبيق قانون الشراء العام والمبادئ القانونية ذات الصلة. وتطرق إلى الأضرار المالية المحتملة على إيرادات الخزينة من التلزيم الذي أتى لمدة تسع سنوات، من دون دراسة واضحة لسوق الخدمات البريدية. وأوصى حينها الإدارة بوجوب الأخذ بالملاحظات لجهة ضرورة تحليل المشاريع والصفقات والتقيد بقانون الشراء العام، وإطلاق مزايدة جديدة تراعي جميع الملاحظات.
عاد الوزير وطلب من الديوان إعادة النظر بقراره رقم 109 بتاريخ 23 آب القاضي بعدم الموافقة على المزايدة. فقد ورد إلى ديوان المحاسبة كتاب الوزير بتاريخ 19 أيلول مؤكداً فيه أن تعديل دفتر الشروط الهدف منه الحصول على أوسع مشاركة من قبل جهات عارضة. ولاحقاً أجرى وساطات مع الرئيس برّي للضغط على القضاة في الديوان لتعديل القرار. لكن الديوان سلك مساراً جديداً في لبنان كجهة رقابية رغم تعطل كل مؤسسات الدولة. ومني الوزير بهزيمة كبيرة. فقد استدعى الديوان الوزير واستمع اليه لمدة ساعتين، بتاريخ 29 أيلول، مثله مثل مدير عام البريد محمد يوسف. وكان الأمر أشبه باستجواب لم يعرف الوزير كيف يدافع عن نفسه، تقول مصادر مطلعة.
لعدم التفريط بالقطاعات الاقتصادية
ومنذ يومين وبعد جلسة استماع عقدت مع رئيس هيئة الشراء العام جان علية، بتاريخ 5 تشرين الأول، أعاد الديوان تثبيت رأيه السابق ورفض طلب الوزير. وجاء في القرار الذي حصلت عليه “المدن” أن الديوان وافق على طلب الإعادة الذي تقدم به القرم بالشكل، لوروده من المرجع القانوني الصالح. لكنه رفض إعادة النظر في الأساس. وشرح الديوان بأن طلب الوزير لم يحمل ولم يأت بأي معطى جديد وحاسم من شأنه تغيير نتيجة قرار الديوان السابق والقاضي بعدم الموافقة على التلزيم.
وأكد الديوان على قراره السابق، خصوصاً لعدم تقيد الإدارة بقانون الشراء العام وعدم وضع دفتر شروط بطريقة واضحة وشفافة ودقيقة، ومن دون إخطاء قانونية وحتى لغوية، وتضمنه معايير استنسابية. وشدد على عدم التفريط واستسهال تلزيم القطاعات الاقتصادية لشركات غير قادرة على تطوير تلك القطاعات. وأوصى الإدارة ضرورة العمل على إجراء مزايدة جديدة في أسرع وقت ممكن، بعد وضع دراسة تحليلية للقطاع ووضع دفتر شروط واضح وشفاف، يسهم بالإتيان بعارضين لديهم خبرات ومؤهلات في حق تشغيل وتطوير قطاع البريد.