إذا تسنّى لمجلس النواب أن يجتمع في جلسة تشريعية لإقرار الموازنة العامة، فإنّ نقاشاته قد تطول حول بند مستحدث أضيف إلى مشروع القانون الذي أعدّته الحكومة، ويقضي بقوننة رسم مالي، سمي بـ»رسم النفايات»، سيتاح لكل بلديات لبنان تقاضيه شهرياً، في إطار «نظام حوكمة يسمح بتأمين التمويل اللازم من أجل مساعدة البلديات على الإدارة اللامركزية الجيدة لنفاياتها».
من المتوقع أن يفتح هذا البند الباب على جدل واسع، وخصوصاً في ظل سعي بعض النواب للشعبوية. وعليه، قد نسمع آراء معترضة عليه، بذريعة رفض تحميل المواطنين أعباء إضافية. ولكن العبء في هذه الحالة، قد يبدو أهون الشرّين، أمام العجز الذي بدأت تلوح ملامحه في المدن والبلدات اللبنانية، نتيجة تدهور قيمة موازنات بلدياتها وقد باتت في معظمها عاجزة عن تغطية كلفة جمع النفايات ومعالجتها. مناسبة هذا الحديث تكرار ظاهرة إشتعال مكبات النفايات العشوائية في البقاع.
هذه المكبات التي عاد بعضها إلى أيام «العز» وخصوصاً بسبب توقف معمل فرز النفايات في بر الياس عن العمل منذ أكثر من عامين، وقد نشب قبل أيام حريق في مطمر النفايات الموازي له، وواجهت فرق الدفاع المدني صعوبة كبيرة بإطفائه، نتيجة عشوائية رمي النفايات التي حولت المطمر الصحي «مكباً عشوائياً». جاء هذا الحريق في بر الياس بعد سلسلة حرائق مشابهة في مكب قب الياس ومجدل عنجر، وفي مطمر النفايات التابع لمعمل نفايات جب جنين، ما عزّز القناعات بكون بعضها مفتعلاً. إلا أنّ القضية في الواقع ليست في الحرائق التي اشتعلت بالمكبات، وإنما في ما كشفته من تدهور تام بمعالجة نفايات معظم القرى والمدن. اذ شبّه محافظ البقاع كمال أبو جوده الوضع بالكارثي، محذراً من أن استمرار الواقع على ما هو عليه سيستجرّ مشاكل بيئية وصحية قد لا تحمد عقباها في القريب العاجل. وزير البيئة: 99% من النفايات لا تُفرز في مداخلة لوزير البيئة ناصر ياسين أمام نواب ورؤساء بلديات منطقة البقاع، كانت ملفتة الأرقام التي عرضها وقد مهّد لها بالإشارة إلى أنّ «أزمة النفايات في البقاع موجودة في كل لبنان ومرتبطة بالوضع المالي والإداري للبلديات والوزارات، وبسوء إدارة هذا الملف عبر التاريخ». جاءت هذه المداخلة خلال إجتماع دعا إليه المحافظ أبو جوده على خلفية الأزمة التي أطلت برأسها في مجمل القرى البقاعية، حيث تبين أنّه على رغم كل الخطط التي وضعت لحل مشكلة النفايات في لبنان، هناك 1.7 بالمئة من النفايات المنتجة تُفرز، بينما 99 بالمئة منها لا يتم فرزها. وقد تفاقم الوضع سوءاً إثر الدمار الذي لحق بمعامل فرز النفايات في بيروت وجبل لبنان، وقد جعلها تنضم إلى المعامل المتوقفة عن العمل في طرابلس وصيدا، مع معمل فرز النفايات في برالياس في البقاع الأوسط، وهو قد تقاعد أيضاً بعد فترة قصيرة من استحداثه.
عملياً، هناك 17 معمل فرز نفايات في مختلف الأراضي اللبنانية تقع تحت سلطة وزارة الدولة لشؤون التنمية الادارية، إلا أنّ أياً منها ليس شغالاً، إلا في زحلة حيث يعمل معملها بكفاءة مقبولة، وفي جب جنين وبعلبك بكفاءة أقل، والباقي كله متوقف كلياً بسبب سوء الإدارة، ونقص التمويل. في وقت تُنقل 42 بالمئة من النفايات إلى مكبات عشوائية، حيث أحصت وزارة البيئة أكثر من 1100 مكب عشوائي على مختلف الأراضي اللبنانية، وهذا عدد المكبات التي لا تزال شغالة تاريخياً، وقد ارتفع عددها أيضاً في الفترة الأخيرة، علماً أنّ هناك مناطق في لبنان، كالجنوب مثلاً أو حتى راشيا في جنوب البقاع، لم تعرف يوماً مطامر صحية. ولعلّه من نعم الأزمة علينا، أنّ نسبة استهلاك المواطنين انخفضت، لتنخفض بالتالي كميات النفايات معها بنسبة 25 بالمئة تقريباً وهذا ما خفف من عبئها على هذه المكبات، إلا في فصل الصيف حيث أدت الحركة السياحية إلى زيادة جديدة في هذه الكميات. خطة بثلاث ركائز في المقابل، ما تمّ استخلاصه من كلمة ياسين، أنّ أي حل جذري لمشكلة النفايات لا يتوقع أن يبدأ قبل أكثر من عام. إذ تحدث عن خارطة طريق على مدى ثلاث سنوات تم وضعها من قبل الوزارة لإنقاذ هذا القطاع. وتبنى هذه الخارطة على ثلاث ركائز أساسية: الركيزة الأولى، هي حوكمة وادارة القطاع بطريقة جديدة. وعليه قسّم لبنان إلى 15 منطقة خدمية، كل منطقة منها يفترض أن تنظم أمورها بشكل مستقل، وأن تكون لديها خطة محلية لادارة شؤون نفاياتها، تتضمن إيجاد معمل للفرز، ومطمراً، وطريقة فرز حديثة من المصدر. الركيزة الثانية، هي إقرار رسم النفايات الذي أدرج من ضمن الموازنة العامة. وهو رسم كما شرح ياسين يحدد بحسب مساحة كل وحدة سكنية أو مؤسسة، ويكون حده الأدنى دولارين أو ما يوازيه بالعملة اللبنانية. ويسمح بتمويل القطاع مباشرة ليشغل عبر اتحادات البلديات والبلديات. هذا مع العلم أنّ هذا الرسم سيفرض على مخيمات النازحين أسوة باللبنانيين، خصوصاً أن كمية النفايات الناتجة عن هذه المخيمات توازي 25 بالمئة من مجمل الكمية المنتجة يومياً. أمّا الركيزة الثالثة فهي التوجه إلى الفرز من المصدر الذي اعتبر ياسين أنه يخفف ما لا يقل عن 10 بالمئة من كمية النفايات التي تذهب إلى المعامل، والتي يترتب عليها كلفة مالية وإدارية واقتصادية. إصلاح معامل الفرز إلّا أن تنفيذ أي من هذه الخطوات، لن يكون متاحاً بسهولة. إذ أن الخارطة تفترض أقله إعادة تفعيل معامل فرز النفايات المتوقفة أولاً وتأهيل تلك الموجودة لرفع إنتاجيتها. وفقاً لياسين، «عند تحديد الحاجات للإستثمار، لا نتحدث عن أرقام خيالية، بل يمكن إصلاح المعامل المتوقفة بمبلغ يتراوح بين 160 و200 مليون دولار».
ولكن هذا المبلغ في المقابل لا يبدو متاحاً من دون إصلاحات طلبها البنك الدولي من لبنان، حتى يقرضه مجدداً. واقعٌ جعل وزارة البيئة كما قال ياسين، تبحث عن مصادر تمويل على قاعدة «من دهنه سقّيله» لمختلف المحافظات. وفي محافظة البقاع مثلاً عُثر على وفر من قرض مخصص لرفع التلوث عن مجرى نهر الليطاني بقيمة 55 مليون دولار، حيث قدّرت قيمة الوفر بين 5 و6 ملايين دولار. بعد أكثر من عام من النقاشات والحوارات مع البنك الدولي، سيسمح بنقل هذا الوفر إلى ملف النفايات لحل مشاكل المعامل في كل من جب جنين، زحلة، بعلبك وبرالياس. وعليه سيعلن عن مناقصة عبر مجلس الإنماء والإعمار الوصيّ على القرض، للإنطلاق في الإستثمارات المطلوبة بالمعامل المذكورة، علماً أنه سيضاف إلى التمويل المذكور قرض آخر بقيمة 25 مليون دولار لمجمل قطاع النفايات، تأمن عبر مشروع لرفع مستوى القطاع الزراعي. الحاجة إلى مطامر غير أنّ الإستثمار في إعادة تشغيل المعامل توازيه حاجة إلى المطامر.
وهنا دعا ياسين الى تفكير تشاركي بين البلديات لإيجادها، إذ لا يمكن لأي مستثمر أو شريك دولي أن يقبل بوضع إستثمارات في القطاع من دون تأمين المطامر، لتبقى المعضلة الكبرى بالنسبة للبلديات في تشغيل هذه المعامل، فالمهمة كما يكشف رؤساء بلديات تتخطى إمكانياتها. ويعطي رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب مثلاً في ذلك، عندما يتحدث عن تقاضي بلدية زحلة مبلغ 4 دولارات فقط عن كل طن نفايات يرحّل من 26 قرية تعالج نفاياتها في مطمر زحلة الصحي، بينما الكلفة الفعلية للطن تصل إلى 42 دولاراً. ومن هنا قد يبدو رسم النفايات الذي أضيف إلى الموازنة كحل، ولكن حتى هذا الحل لا يبدو على سلّم الاولويات بالنسبة لمجلس نيابي يشوب جلساته خلل كبير في الإنعقاد نتيجة للشلل الذي يتسبب به عدم إنتخاب رئيس جمهورية حتى الآن. واقع يتنبه إليه ياسين، الذي يشجع البلديات على مبادرات اتخذت في بعض المحافظات، ومن بينها محافظة البقاع. وتقوم إحدى هذه المبادرات على إشراك المجتمع المحلي بالمسؤولية، عبر طلب مساهمته بمبلغ مالي يبدأ من دولار عن كل وحدة سكنية يكون مخصصاً للم وجمع النفايات ومعالجتها. اذ حصلت هذه المبادرة على تغطية من قبل وزارة الداخلية، خصوصاً أننا لا نتحدث عن رسم مقونن وإنما عن مساهمة.
ومع ذلك تبقى دون هذه المشاركة محاذير، إذ يعتبر البعض أنه من حق المجتمع أن يرفضها طالما أنّها إختيارية، وعند ذلك يسقط مبدأ المساواة في تطبيق الرسوم على المواطنين، كما أن جبايتها وخصوصاً في البلديات الكبرى تشكل عبئاً عليها. في منطقة البقاع مثلاً يمكن التوقف عند تجربتين متناقضتين: أوّلاها في اتحاد بلديات البحيرة في البقاع الغربي الذي نجحت بلدياته بجباية المساهمة، محصلة مبلغ 4500 دولار شهرياً لتأمين إستمرار تشغيل معملها، كما كشف رئيس الإتحاد يحيى ضاهر. بينما يبدو الأمر أكثر تعقيداً في زحلة مثلاً، حيث كلفة الجباية قد تكون أعلى من الرسم المحدد، وإن كانت البلدية تسعى إلى مخارج مستقلة، عبر إضافة الرسم على فواتير تجبى شهرياً من المواطنين. إلا أنه في مجمل الأحوال، يبدو هذا الرسم حالياً كالقشة التي ستمنع غرق القرى في نفاياتها بالقريب العاجل، ما لم يتم توفير مصادر التمويل التي تغطي الكلفة العالية للم النفايات ومعالجتها. في وقت ينزع المواطنون عموماً لعدم إبداء اي إستعداد لتمويل عجز الدولة من جيوبهم، ما لم تستعد السلطات على مختلف أحجامها ثقة الناس أولاً، لتقنعهم بأن هذه الأموال هي فعلاً في خدمتهم، وأن البحث عن إستدامة في تسديدها تترافق مع خارطة طريق لإخراج لبنان من حالة القرف التي باتت تعم مجتمعاته، وعندها فقط يمكن أن يقتنعوا بأن الأمور لم تدُر وتلف لتمتد الأيدي مجدداً إلى جيوب الناس مباشرة.
من المتوقع أن يفتح هذا البند الباب على جدل واسع، وخصوصاً في ظل سعي بعض النواب للشعبوية. وعليه، قد نسمع آراء معترضة عليه، بذريعة رفض تحميل المواطنين أعباء إضافية. ولكن العبء في هذه الحالة، قد يبدو أهون الشرّين، أمام العجز الذي بدأت تلوح ملامحه في المدن والبلدات اللبنانية، نتيجة تدهور قيمة موازنات بلدياتها وقد باتت في معظمها عاجزة عن تغطية كلفة جمع النفايات ومعالجتها.
مناسبة هذا الحديث تكرار ظاهرة إشتعال مكبات النفايات العشوائية في البقاع. هذه المكبات التي عاد بعضها إلى أيام “العز” وخصوصاً بسبب توقف معمل فرز النفايات في بر الياس عن العمل منذ أكثر من عامين، وقد نشب قبل أيام حريق في مطمر النفايات الموازي له، وواجهت فرق الدفاع المدني صعوبة كبيرة بإطفائه، نتيجة عشوائية رمي النفايات التي حولت المطمر الصحي “مكباً عشوائياً”.
جاء هذا الحريق في بر الياس بعد سلسلة حرائق مشابهة في مكب قب الياس ومجدل عنجر، وفي مطمر النفايات التابع لمعمل نفايات جب جنين، ما عزّز القناعات بكون بعضها مفتعلاً. إلا أنّ القضية في الواقع ليست في الحرائق التي اشتعلت بالمكبات، وإنما في ما كشفته من تدهور تام بمعالجة نفايات معظم القرى والمدن. اذ شبّه محافظ البقاع كمال أبو جوده الوضع بالكارثي، محذراً من أن استمرار الواقع على ما هو عليه سيستجرّ مشاكل بيئية وصحية قد لا تحمد عقباها في القريب العاجل.
وزير البيئة: 99% من النفايات لا تُفرز
في مداخلة لوزير البيئة ناصر ياسين أمام نواب ورؤساء بلديات منطقة البقاع، كانت ملفتة الأرقام التي عرضها وقد مهّد لها بالإشارة إلى أنّ “أزمة النفايات في البقاع موجودة في كل لبنان ومرتبطة بالوضع المالي والإداري للبلديات والوزارات، وبسوء إدارة هذا الملف عبر التاريخ”. جاءت هذه المداخلة خلال إجتماع دعا إليه المحافظ أبو جوده على خلفية الأزمة التي أطلت برأسها في مجمل القرى البقاعية، حيث تبين أنّه على رغم كل الخطط التي وضعت لحل مشكلة النفايات في لبنان، هناك 1.7 بالمئة من النفايات المنتجة تُفرز، بينما 99 بالمئة منها لا يتم فرزها.
وقد تفاقم الوضع سوءاً إثر الدمار الذي لحق بمعامل فرز النفايات في بيروت وجبل لبنان، وقد جعلها تنضم إلى المعامل المتوقفة عن العمل في طرابلس وصيدا، مع معمل فرز النفايات في برالياس في البقاع الأوسط، وهو قد تقاعد أيضاً بعد فترة قصيرة من استحداثه.
عملياً، هناك 17 معمل فرز نفايات في مختلف الأراضي اللبنانية تقع تحت سلطة وزارة الدولة لشؤون التنمية الادارية، إلا أنّ أياً منها ليس شغالاً، إلا في زحلة حيث يعمل معملها بكفاءة مقبولة، وفي جب جنين وبعلبك بكفاءة أقل، والباقي كله متوقف كلياً بسبب سوء الإدارة، ونقص التمويل. في وقت تُنقل 42 بالمئة من النفايات إلى مكبات عشوائية، حيث أحصت وزارة البيئة أكثر من 1100 مكب عشوائي على مختلف الأراضي اللبنانية، وهذا عدد المكبات التي لا تزال شغالة تاريخياً، وقد ارتفع عددها أيضاً في الفترة الأخيرة، علماً أنّ هناك مناطق في لبنان، كالجنوب مثلاً أو حتى راشيا في جنوب البقاع، لم تعرف يوماً مطامر صحية.
ولعلّه من نعم الأزمة علينا، أنّ نسبة استهلاك المواطنين انخفضت، لتنخفض بالتالي كميات النفايات معها بنسبة 25 بالمئة تقريباً وهذا ما خفف من عبئها على هذه المكبات، إلا في فصل الصيف حيث أدت الحركة السياحية إلى زيادة جديدة في هذه الكميات.
خطة بثلاث ركائز
في المقابل، ما تمّ استخلاصه من كلمة ياسين، أنّ أي حل جذري لمشكلة النفايات لا يتوقع أن يبدأ قبل أكثر من عام. إذ تحدث عن خارطة طريق على مدى ثلاث سنوات تم وضعها من قبل الوزارة لإنقاذ هذا القطاع. وتبنى هذه الخارطة على ثلاث ركائز أساسية:
الركيزة الأولى، هي حوكمة وادارة القطاع بطريقة جديدة. وعليه قسّم لبنان إلى 15 منطقة خدمية، كل منطقة منها يفترض أن تنظم أمورها بشكل مستقل، وأن تكون لديها خطة محلية لادارة شؤون نفاياتها، تتضمن إيجاد معمل للفرز، ومطمراً، وطريقة فرز حديثة من المصدر.
الركيزة الثانية، هي إقرار رسم النفايات الذي أدرج من ضمن الموازنة العامة. وهو رسم كما شرح ياسين يحدد بحسب مساحة كل وحدة سكنية أو مؤسسة، ويكون حده الأدنى دولارين أو ما يوازيه بالعملة اللبنانية. ويسمح بتمويل القطاع مباشرة ليشغل عبر اتحادات البلديات والبلديات. هذا مع العلم أنّ هذا الرسم سيفرض على مخيمات النازحين أسوة باللبنانيين، خصوصاً أن كمية النفايات الناتجة عن هذه المخيمات توازي 25 بالمئة من مجمل الكمية المنتجة يومياً.
أمّا الركيزة الثالثة فهي التوجه إلى الفرز من المصدر الذي اعتبر ياسين أنه يخفف ما لا يقل عن 10 بالمئة من كمية النفايات التي تذهب إلى المعامل، والتي يترتب عليها كلفة مالية وإدارية واقتصادية.
إصلاح معامل الفرز
إلّا أن تنفيذ أي من هذه الخطوات، لن يكون متاحاً بسهولة. إذ أن الخارطة تفترض أقله إعادة تفعيل معامل فرز النفايات المتوقفة أولاً وتأهيل تلك الموجودة لرفع إنتاجيتها.
وفقاً لياسين، “عند تحديد الحاجات للإستثمار، لا نتحدث عن أرقام خيالية، بل يمكن إصلاح المعامل المتوقفة بمبلغ يتراوح بين 160 و200 مليون دولار”. ولكن هذا المبلغ في المقابل لا يبدو متاحاً من دون إصلاحات طلبها البنك الدولي من لبنان، حتى يقرضه مجدداً.
واقعٌ جعل وزارة البيئة كما قال ياسين، تبحث عن مصادر تمويل على قاعدة “من دهنه سقّيله” لمختلف المحافظات. وفي محافظة البقاع مثلاً عُثر على وفر من قرض مخصص لرفع التلوث عن مجرى نهر الليطاني بقيمة 55 مليون دولار، حيث قدّرت قيمة الوفر بين 5 و6 ملايين دولار. بعد أكثر من عام من النقاشات والحوارات مع البنك الدولي، سيسمح بنقل هذا الوفر إلى ملف النفايات لحل مشاكل المعامل في كل من جب جنين، زحلة، بعلبك وبرالياس. وعليه سيعلن عن مناقصة عبر مجلس الإنماء والإعمار الوصيّ على القرض، للإنطلاق في الإستثمارات المطلوبة بالمعامل المذكورة، علماً أنه سيضاف إلى التمويل المذكور قرض آخر بقيمة 25 مليون دولار لمجمل قطاع النفايات، تأمن عبر مشروع لرفع مستوى القطاع الزراعي.
الحاجة إلى مطامر
غير أنّ الإستثمار في إعادة تشغيل المعامل توازيه حاجة إلى المطامر. وهنا دعا ياسين الى تفكير تشاركي بين البلديات لإيجادها، إذ لا يمكن لأي مستثمر أو شريك دولي أن يقبل بوضع إستثمارات في القطاع من دون تأمين المطامر، لتبقى المعضلة الكبرى بالنسبة للبلديات في تشغيل هذه المعامل، فالمهمة كما يكشف رؤساء بلديات تتخطى إمكانياتها. ويعطي رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب مثلاً في ذلك، عندما يتحدث عن تقاضي بلدية زحلة مبلغ 4 دولارات فقط عن كل طن نفايات يرحّل من 26 قرية تعالج نفاياتها في مطمر زحلة الصحي، بينما الكلفة الفعلية للطن تصل إلى 42 دولاراً.
ومن هنا قد يبدو رسم النفايات الذي أضيف إلى الموازنة كحل، ولكن حتى هذا الحل لا يبدو على سلّم الاولويات بالنسبة لمجلس نيابي يشوب جلساته خلل كبير في الإنعقاد نتيجة للشلل الذي يتسبب به عدم إنتخاب رئيس جمهورية حتى الآن.
واقع يتنبه إليه ياسين، الذي يشجع البلديات على مبادرات اتخذت في بعض المحافظات، ومن بينها محافظة البقاع. وتقوم إحدى هذه المبادرات على إشراك المجتمع المحلي بالمسؤولية، عبر طلب مساهمته بمبلغ مالي يبدأ من دولار عن كل وحدة سكنية يكون مخصصاً للم وجمع النفايات ومعالجتها. اذ حصلت هذه المبادرة على تغطية من قبل وزارة الداخلية، خصوصاً أننا لا نتحدث عن رسم مقونن وإنما عن مساهمة.
ومع ذلك تبقى دون هذه المشاركة محاذير، إذ يعتبر البعض أنه من حق المجتمع أن يرفضها طالما أنّها إختيارية، وعند ذلك يسقط مبدأ المساواة في تطبيق الرسوم على المواطنين، كما أن جبايتها وخصوصاً في البلديات الكبرى تشكل عبئاً عليها.
في منطقة البقاع مثلاً يمكن التوقف عند تجربتين متناقضتين: أوّلاها في اتحاد بلديات البحيرة في البقاع الغربي الذي نجحت بلدياته بجباية المساهمة، محصلة مبلغ 4500 دولار شهرياً لتأمين إستمرار تشغيل معملها، كما كشف رئيس الإتحاد يحيى ضاهر. بينما يبدو الأمر أكثر تعقيداً في زحلة مثلاً، حيث كلفة الجباية قد تكون أعلى من الرسم المحدد، وإن كانت البلدية تسعى إلى مخارج مستقلة، عبر إضافة الرسم على فواتير تجبى شهرياً من المواطنين.
إلا أنه في مجمل الأحوال، يبدو هذا الرسم حالياً كالقشة التي ستمنع غرق القرى في نفاياتها بالقريب العاجل، ما لم يتم توفير مصادر التمويل التي تغطي الكلفة العالية للم النفايات ومعالجتها. في وقت ينزع المواطنون عموماً لعدم إبداء اي إستعداد لتمويل عجز الدولة من جيوبهم، ما لم تستعد السلطات على مختلف أحجامها ثقة الناس أولاً، لتقنعهم بأن هذه الأموال هي فعلاً في خدمتهم، وأن البحث عن إستدامة في تسديدها تترافق مع خارطة طريق لإخراج لبنان من حالة القرف التي باتت تعم مجتمعاته، وعندها فقط يمكن أن يقتنعوا بأن الأمور لم تدُر وتلف لتمتد الأيدي مجدداً إلى جيوب الناس مباشرة.