كلما ازدادت التعقيدات في الشرق الاوسط، إرتفع منسوب القلق في لبنان. فهو يحمل وزر النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين وسط خطر اقتصادي واقتراب شبح اعلان الدولة اللبنانية إفلاسها. وجاءت موازنة عام 2019 والصراعات التي رافقت ولادتها لتعزز المخاوف القائمة من حتمية الانهيار.
صحيح انّ الأزمة الخطيرة التي يمر بها لبنان مسؤول عنها بدرجة اولى رجال الطبقة السياسية الذين تعاملوا مع مسؤولياتهم الوطنية من زوايا مصالحهم الشخصية والسياسية الضيقة، الّا انه لا يمكن إغفال أعباء النزوح السوري الذي يفوق قدرة لبنان ما زاد في خطورة الازمة الاقتصادية.
على سبيل المثال، إنّ تركيا التي تحظى بأحد أكبر الاقتصادات في العالم (المرتبة 17) باشَرت عملية تنظيم ترحيل النازحين السوريين بسبب المشكلات الاقتصادية التي تعانيها.
ووفقاً للسلطات التركية، فإنّ عدد اللاجئين السوريين زاد في اسطنبول زيادة كبيرة وهم يمارسون أعمالاً بشكل عشوائي، ما فاقَم نسبة البطالة.
وفي الواقع إنّ النازحين السوريين في تركيا، البالغ عددهم حوالى الثلاثة ملايين، لا يمكن مقارنتهم بالواقع اللبناني الاقتصادي والسكاني. أضف الى ذلك انّ تركياأدّت دور رأس الحربة في الصراع لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، ما يعني تحمّلها مسؤولية إضافية حيال هؤلاء.
إلّا أنّ حماية المصالح التركية أوجَبت بدء تطبيق خطة إعادة النازحين السوريين ولو رغماً عنهم الى بلادهم.
أما في لبنان، فتبدو السلطة اللبنانية عاجزة عن حماية مصالح اللبنانيين رغم الازمة الاقتصادية الخطيرة. صحيح انّ المجتمع الدولي يضع العراقيل أمام وضع خطة لإعادة هؤلاء، لكنّ المسؤولين اللبنانيين لم ينجحوا في تنظيم تحرك واضح مبني على خطة متكاملة لإظهار المخاطر الموجودة حيال هذا الملف.
وأرفقت زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لروسيا منذ عدة اشهر، بالترويج لنجاح لبنان في إقناع موسكو ببدء وضع المبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين الى بلادهم على سكة التطبيق، ليتبيّن لاحقاً عدم صحة ذلك، بل إخفاق المبادرة الروسية او في أحسن الاحوال تجميدها في الوقت الراهن.
ومع زيارة وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو لبيروت، جرى الترويج أنّ لبنان نجح في إقناع واشنطن بوجهة نظره من موضوع النازحين السوريين ليتبيّن عدم صحة ذلك، فيما تمسّكت الادارة الاميركية بأنّ حل هذا الملف لا بد من أن يتلازم مع التسوية السياسية في سوريا. ولكن مع عدم إغفال انّ موقف بومبيو تأثر بعض الشيء بالموقف اللبناني الموحد والمخاطر الكبيرة التي يسببها هذا الملف على استقرار لبنان.
ربما كان على الحكومة اللبنانية ان تنظّم حركة سياسية مكثفة وفعالة باتجاه العواصم الكبرى لإيجاد حل لهذا الملف.
والجديد في المسألة أنّ رأياً مؤثراً بدأ يسود في أروقة الامم المتحدة، ويحذّر من الكارثة التي يتجه اليها لبنان والمتأتي جزء منها بسبب أعباء النزوج السوري.
ونُقل عن رئيس فريق العمل الاميركي من أجل لبنان، السفير الاميركي السابق في المغرب ادوار غبريال، تشبيهه عدد النازحين السوريين في لبنان بما يُعادل قدوم سكان كندا ومعظم سكان المكسيك الى الولايات المتحدة الاميركية خلال فترة زمنية قصيرة، مشيراً الى انّ بلاده وافقت على توطين 62 لاجئاً سورياً فقط خلال عام 2018.
ووفقاً لمسؤولين في الامم المتحدة فإنه ربما حان الوقت لإيجاد محفّزات في سوريا تشجع بعض اللاجئين على العودة، وانّ على روسيا والدول الاوروبية مناقشة النظام السوري لمنح العائدين إعفاءات من الخدمة العسكرية وتسهيل استعادتهم لمنازلهم وإصدار قانون عفو عام.
هذا التوجّه صار موجوداً في أروقة الامم المتحدة، لكنه لم يرتقِ بعد لأن يصبح قراراً، ربما لأنّ واشنطن لا تزال تنظر الى هذا الملف من زاوية مصلحتها السياسية في سوريا لا من زاوية الحرص على عدم انهيار لبنان. والواضح انّ الحكومة لم تضطلع بعد بدور جدي ومن خلال خطة واضحة لمساعدة أصحاب هذا الاتجاه في الامم المتحدة والضغط بحنكة وذكاء وجدية على المسؤولين الاميركيين.
وأجرت مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين استطلاعاً للرأي مع النازحين السوريين في لبنان أظهَر انّ 89 في المئة من النازحين السوريين يريدون العودة الى بلادهم، فيما 5 في المئة منهم يريدون الذهاب الى دول أخرى، وأما الـ 5 في المئة المتبقّين فأعطوا إجابات مختلفة.