رفع سعر الصرف الرسمي قريبًا: تضخّم وفقر كاسحان

عمليًّا، بات رفع سعر الصرف الرسمي هذا قاب قوسين أو أدنى، وفقًا للمداولات التي تجري حاليًّا في مصرف لبنان، على أن يتم هذا التغيير في مطلع العام المقبل أو الربع الأوّل منه على أبعد تقدير. وهذه التسريبات، تؤكّدها مقابلة حاكم مصرف لبنان الأخيرة مع وكالة “فرانس برس”، والتي أشار فيها إلى أنّ سعر الصرف الرسمي “لم يعد واقعيًّا” بعدما فقدت الليرة اللبنانيّة أكثر من تسعين في المئة من قيمتها أمام الدولار.

وبخلاف ما يعتقد كثيرون، سيترك هذا التطوّر أثراً كبيراً على أسعار السوق وكلفة المعيشة على المقيمين، ناهيك عن أثره على ميزانيّة الدولة العامّة. من ناحية أخرى، سيكون من المتوقّع أن ترتفع أيضًا كلفة جميع أشكال الأشغال العامّة، بعد أن ترتفع كلفة شراء الدولارات المطلوبة لهذه النفقات من مصرف لبنان (يشمل ذلك كلفة صيانة الطرقات وشبكات المجاري وغيرها من أعمال البنية التحتيّة). وهنا بالتحديد، ستظهر إشكاليّة عدم إقرار الدولة اللبنانيّة لأي موازنة عامّة حتّى اللحظة للعام المقبل، ما سيحتّم الاعتماد على قاعدة الإثني عشريّة للإنفاق خلال العام 2022 (أي بالاستناد إلى سقوف اعتمادات العام السابق). وهكذا سيكون لبنان أمام معضلة ارتفاع النفقات بشكل خيالي، في مقابل محدوديّة سقوف الإنفاق المحددة حسب حاجات السنوات السابقة، وهو ما سيؤدّي إلى شلل كبير في العديد من الوظائف التي تقوم بها الدولة.

حتّى اللحظة، مازال المستوردون يسددون كلفة الرسوم الجمركيّة وفقًا لسعر الصرف الرسمي القديم، كما تعتمد الكثير من المؤسسات التجاريّة على سعر الصرف هذا لدفع رسوم الضريبة على القيمة المضافة وضريبة الأرباح وغيرها. لكن بمجرّد رفع سعر الصرف الرسمي، ستتضاعف كلفة كل هذه الرسوم الضريبيّة على المؤسسات التجاريّة، وهي كلفة سيتم تحميلها في المحصّلة إلى المستهلك، من خلال زيادة أسعار السلع والخدمات في السوق المحلّي. مع العلم أن خطوة تعديل سعر الصرف المعتمد لاحتساب الرسم الجمركي كفيلة وحدها بإطلاق عنان موجة قاسية من موجات التضخّم الجديدة، خصوصًا أن نسبة الرسوم الجمركيّة تصل إلى حدود 100% من قيمة بعض أنواع السلع.

في الواقت الراهن، مازالت معظم المصارف توافق على سداد دفعات قروض التجزئة المدولرة بالليرة اللبنانيّة، وحسب سعر الصرف الرسمي (تشمل قروض التجزئة: القروض الشخصيّة وقروض السيّارات وبطاقات الإئتمان وبعض أنواع القروض السكنيّة). أمّا مصرف لبنان، فيقوم بالمقابل بتحمّل كلفة هذه العمليّة، عبر بيع المصارف كميّة موازية من “الدولارات المحليّة” في حساباتها لدى المصرف المركزي، وبسعر الصرف الرسمي القديم. علمًا أن هذه الدولارات المحليّة تمثّل إلتزامات على مصرف لبنان بالعملة الأجنبيّة، لمصلحة المصارف، من دون أن تكون فعلّا “دولارات طازجة” يمكن تحويلها إلى الخارج أو استخدامها خارج النظام المصرفي المحلّي، ما يجعلها أشبه بـ”اللولار” الذي يملكه المودع اليوم.

في كل الحالات، وبمجرّد رفع سعر الصرف الرسمي، سيتغيّر سعر الصرف المعتمد في تعاملات مصرف لبنان مع المصارف التجاريّة، وهو ما سيفرض زيادة سعر الصرف المعتمد لسداد قروض التجزئة. وفي النتيجة، ستتضاعف قيمة الدفعات الشهريّة المتوجّبة على المقترضين بالليرة اللبنانيّة، ما سيرفع من نسبة القروض المتعثّرة بشكل كبير. وحتّى بالنسبة إلى المقترضين القادرين على مواكبة الزيادة في الدفعات الشهريّة، ستؤدّي هذه الزيادة إلى تراجع كبير في قدرتهم الشرائيّة ومستواهم المعيشي.

في المقابل، سيكون سعر الصرف الرسمي الجديد هو التسعيرة المعتمدة لسداد جميع الالتزامات في العقود التي تنص على التزامات بالدولار الأميركي، في حال أراد الطرف المدين السداد بالليرة اللبنانيّة، ومنها على سبيل المثال عقود إيجار المنازل والمحال التجاريّة. وهنا يتوقّع الكثير من المراقبين أن يسبب تغيير سعر الصرف الرسمي أزمة في علاقة المستأجرين بأصحاب العقارات، نتيجة عدم قدرة الكثير من المستأجرين على مواكبة الزيادات المتوقّعة في كلفة الإيجارات بعد رفع سعر الصرف الرسمي.

 

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةالليرة التركية تعاود تراجعها مجدداً.. انخفضت 1.7% أمام الدولار
المقالة القادمةلبنان يستعد لإطلاق برنامج معونات يكبح فقر مواطنيه