تواجه شركة الطاقة العملاقة غازبروم، التي كانت ذات يوم الأكثر ربحية في روسيا، فترة طويلة من الأداء الضعيف، في الوقت الذي تكافح فيه لسد فجوة مبيعات الغاز الأوروبية المفقودة من خلال سوقها المحلية والصادرات الصينية.
وأعلنت الشركة مؤخرا عن خسارة سنوية صافية قدرها 7 مليارات دولار، وهي الأولى لها في 25 عاما منذ عام 1999، في أعقاب الانخفاض الحاد في التجارة مع أوروبا، في دليل على مدى تأثير الحظر الغربي على الصادرات الروسية.
وتراجع إجمالي إيرادات الشركة إلى نحو 92 مليار دولار في العام الماضي، من 126 مليار دولار تم تسجيلها في العام 2022.
وكان من الأسهل على موسكو استيعاب تأثير العقوبات الدولية على صادرات النفط لأنها تمكنت من إعادة توجيه صادراتها من الخام المنقولة بحرا إلى مشترين آخرين، أغلبهم في آسيا وأفريقيا.
وقبل الحرب الروسية – الأوكرانية، كانت موسكو تمد الاتحاد الأوروبي بقرابة 45 في المئة من احتياجاته من الغاز الطبيعي عبر عدة منافذ لشركات روسية تقودها غازبروم، في أكبر حصة بين مزودي الطاقة للقارة.
واليوم وبعد الحرب وبسببها، يشكل الغاز الروسي الواصل إلى الاتحاد أقل من 9 في المئة من مجمل استهلاك القارة، بحسب بيانات صادرة عن المفوضية الأوروبية.
ووفق بيانات المفوضية، يبلغ متوسط استهلاك التكتل من الغاز الطبيعي سنويا قرابة 330 مليار متر مكعب، يصعد إلى 460 مليارا مع إضافة الغاز المسال.
واعتمدت غازبروم على أوروبا باعتبارها أكبر سوق لمبيعاتها حتى العام 2022، عندما دفع الصراع الروسي مع أوكرانيا أوروبا إلى خفض واردات ثاني أكبر منتج في العالم من هذا المورد بعد الولايات المتحدة بإنتاج سنوي يبلغ 699 مليار متر مكعب.
وزودت روسيا أوروبا بنحو 63.8 مليار متر مكعب من الغاز عبر طرق مختلفة في 2022، وفقا لبيانات غازبروم وحسابات رويترز. وانخفض الحجم أكثر بنسبة 55.6 في المئة ليصل إلى 28.3 مليار متر مكعب العام الماضي.
وهذا مقارنة بذروة بلغت 200.8 مليار متر مكعب ضختها شركة غازبروم في العام 2018 إلى الاتحاد الأوروبي ودول أخرى، مثل تركيا.
كما أدت الانفجارات الغامضة في خطوط أنابيب الغاز تحت البحر نورد ستريم من روسيا إلى ألمانيا في سبتمبر 2022 إلى تقويض تجارة الغاز الروسية مع أوروبا بشكل كبير.
وتحولت روسيا إلى الصين، سعيا إلى زيادة مبيعات الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى 100 مليار متر مكعب سنويا بحلول عام 2030. وبدأت غازبروم إمداد الغاز عبر خطوط الأنابيب في قوة سيبيريا بنهاية عام 2019.
وتخطط للوصول إلى الطاقة السنوية البالغة 38 مليار متر مكعب من طاقة سيبيريا بحلول نهاية هذا العام، بينما اتفقت موسكو وبكين أيضا في عام 2022 على تصدير 10 مليارات متر مكعب من جزيرة سخالين في المحيط الهادئ.
وأكبر أمل لروسيا هو خط أنابيب “قوة سيبيريا 2” عبر منغوليا، والذي من المقرر أن يصدر 50 مليار متر مكعب سنويا، لكن ذلك واجه بعض المخاطر بسبب عدم الاتفاق على التسعير وقضايا أخرى.
وقالت كاترينا فيليبينكو مديرة أبحاث الغاز في شركة وود ماكنزي لرويترز “في حين أن غازبروم ستشهد بعض العائدات الإضافية عندما يتم تشغيل جميع خطوط الأنابيب هذه، فإنها لن تكون قادرة على التعويض الكامل عن الأعمال التي خسرتها مع أوروبا”.
وتكافح روسيا أيضا حتى الآن لإنشاء مركز لتجارة الغاز في تركيا، وهي فكرة طرحها الرئيس فلاديمير بوتين لأول مرة في أكتوبر 2022. ولم يتم الإبلاغ عن أي تطور مهم منذ ذلك الحين.
وحتى إذا تمكنت شركة غازبروم من تشغيل إمدادات خطوط الأنابيب إلى الصين، فإن عائدات المبيعات سوف تكون أقل كثيرا من نظيراتها في أوروبا.
ووفقا لشركة بي.سي.أس للوساطة، ومقرها موسكو، بلغ متوسط إيرادات غازبروم من مبيعات الغاز إلى أوروبا في الفترة بين 2015 و2019 حوالي 3.3 مليارات دولار شهريا بفضل الإمدادات الشهرية البالغة 15.5 مليار متر مكعب.
ومع الأخذ في الاعتبار سعر 286.9 دولار لكل ألف متر مكعب، وفقا لوزارة الاقتصاد الروسية، وصادرات غازبروم البالغة 22.7 مليار متر مكعب في العام الماضي، يمكن أن تصل القيمة الإجمالية للغاز المباع إلى الصين إلى 6.5 مليار دولار لعام 2023 بأكمله.
وحتى الآن لم تكشف غازبروم عن إيراداتها من المبيعات إلى أوروبا أو الصين لعام 2023 بشكل منفصل.
واستبعدت ميشال ميدان، رئيس أبحاث الطاقة الصينية في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، أن تحل الصين محل أوروبا بالنسبة لروسيا كسوق مربحة للغاية لتصدير الغاز. وقالت إن “الصين تمنح روسيا منفذا ولكن بأسعار وعائدات أقل بكثير من أوروبا”.
وفي عام 2023، تم بيع غاز خطوط الأنابيب الروسية بسعر 6.6 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية إلى الصين وأقل قليلا من ذلك في الربع الأول من عام 2024 عند 6.4 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
وهذا مقارنة بمتوسط سعر الغاز الروسي في أوروبا والذي بلغ 12.9 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في العام الماضي.
ووفقا لوثيقة اطلعت عليها رويترز الشهر الماضي، تتوقع روسيا أن يستمر سعر الغاز للصين في الانخفاض تدريجيا في السنوات الأربع المقبلة.
وبحسب الوثيقة، فإن السيناريو الأسوأ لا يستبعد انخفاضا بنسبة 45 في المئة إلى 156.7 دولار لكل ألف متر مكعب، أي حوالي 4.4 دولار لكل متر مكعب في عام 2027 قياسا بمستويات العام الماضي.
ولم تذكر الوثيقة ما الذي قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار، لكن روسيا تواجه منافسة من موردي الغاز الآخرين عبر خطوط الأنابيب إلى الصين، مثل تركمانستان، فضلا عن الغاز الطبيعي المسال المنقول بحرا.
وأظهرت البيانات المالية لشركة غازبروم، والتي تشمل أيضا وحدات النفط والطاقة التابعة لها، أن الإيرادات من أعمال الغاز الطبيعي انخفضت بواقع 40 في المئة لتبلغ 47.4 مليار دولار العام الماضي.
في المقابل، ارتفعت إيرادات أعمال النفط بنسبة 4 في المئة إلى نحو 38 مليار دولار، كما صعدت المبيعات من أعمال مرافق الطاقة بنحو 9 في المئة لتصل إلى 6.6 مليار دولار.
وقال أليكسي بيلوغوريف من معهد الطاقة والتمويل، ومقره موسكو، لرويترز إنه “ستكون من المستحيل على شركة غازبروم استعادة الربحية بالاعتماد فقط على أعمال الغاز الخاصة بها”.
وأوضح أن التحول الإستراتيجي إلى إنتاج وتصدير الأمونيا والميثانول ومنتجات معالجة الغاز الأخرى للشركة أمر ممكن، لكنه لن يعطي عائدا سريعا.
وأشار بيلوغوريف إلى أنه “في الوقت نفسه، تظل آفاق قوة سيبيريا 2 غامضة، فمن المرجح ألا تحتاج الصين إلى الكثير من الواردات الإضافية في ثلاثينيات القرن الحالي بسبب التباطؤ المحتمل في نمو الطلب وارتفاع معدلات إنتاج الغاز المحلي”.