روسيا “تلعب” بالأرقام الإقتصادية

ماذا عن التداعيات الاقتصادية للحرب في روسيا؟ لقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد 3% فقط في 2022، وفقاً لتقديرات بلومبرغ، وكان معدل التضخم البالغ 13.8% مرتفعاً، لكنه لم يكن أسوأ بكثير من معدلات التضخم في بعض الدول الغربية. تمكنت روسيا من إبقاء عجز ميزانية العام الماضي في مستوى معقول بلغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي، رغم القيود المفروضة على إصدار أدوات الدين الخارجي بسبب العقوبات الغربية. كما انخفض معدل البطالة الرسمي إلى 4% نزولاً من 4.8% العام الماضي، وفقاً لتقديرات بلومبرغ.

غير أن هذه الأرقام مضللة، ليس فقط بسبب احتمال أن ترسم الإحصاءات الرسمية صورة وردية جداً، إذ إن الكرملين يسعى لإثبات منعته وقدرته على المقاومة والاعتماد على الذات في مواجهة العقوبات الغربية.

كانت توقعات نمو الاقتصاد الروسي قبل الحرب قد بلغت 3% على الأقل، مع إعادة فتحه بعد الوباء. بالتالي، يُفترض بإجمالي الانخفاض في الإنتاج الفعلي أن يقارب 6% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021 بواقع 1.8 تريليون دولار.

لكنه يعادل من حيث القيمة المطلقة، 108 مليارات دولار، أي نصف الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا في 2021 تقريباً، ما يعني أن انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لروسيا تجاوز تراجع نظيره الأوكراني.

أرقام مضللة

تبدو خسائر روسيا الاقتصادية ضئيلة بشكل مضلل، فرغم أن العقوبات التي تواجهها غير مسبوقة من حيث النطاق، إلا أنها فُرضت تدريجياً. كانت البلاد قد استفادت في بداية الغزو من ارتفاع أسعار الطاقة نتيجة الحرب، ثم بدأ الاقتصاد الروسي يتأثر بتزايد نطاق الحظر على واردات الطاقة ووضع سقف لأسعار الخام الروسي.

إتسعت الفروق السعرية بين خام الأورال الروسي وخام برنت، الذي يشكل المعيار المرجعي التقليدي للنفط في أوروبا. تقول وزارة المالية الروسية إن سعر خام الأورال انخفض 42% خلال معظم السنة الماضية. دعمت عائدات النفط والغاز الميزانية الفيدرالية الروسية بنحو تريليون روبل، أو 13.4 مليار دولار شهرياً على مدى العام الماضي. ثم تراجع هذا إلى 900 مليار روبل تقريباً في تشرين الثاني وكانون الاول وهوى إلى 425 مليار روبل في كانون الثاني.

تزداد المؤسسة العسكرية والأمنية تعطشاً للإنفاق حتى في ظل تضاؤل عائدات النفط والغاز. فقد ارتفع الإنفاق الدفاعي الفيدرالي 23% في 2022 متجاوزاً 66 مليار دولار، فيما يُنتظر تضخمه بواقع 6% أكثر هذا العام.

بالمستويات الراهنة، سيخصص الكرملين للجيش كل ما تتحصل عليه البلاد تقريباً من مبيعات صادرات الطاقة، وهذا ليس مبشراً بالنسبة للمواطنين الروس العاديين، خاصة النصف العامل في القطاع الحكومي.

لقد تضاءلت توقعات نمو الاقتصاد الروسي مثلما حدث مع نظيره الأوكراني، كلاهما على خلفية الخسائر العسكرية. بلغ عدد الوفيات التي يمكن التحقق منها أكثر من عشرة آلاف، لكن العدد الإجمالي للقتلى والجرحى بالتأكيد أكبر بكثير، حيث تجاوزت بعض التقديرات الغربية الأرقام المعلنة بعشرين ضعفاً تقريباً.

كما تعاني الدولتان من تزايد معدلات الهجرة، إذ غالباً ما يهاجر متخصصون في قطاع التقنية على درجة عالية من التدريب فراراً من التعبئة. تتفاوت تقديرات تدفق المهاجرين إلى الخارج بشكل كبير، لكن تقديرات معتدلة تشير إلى أن عدد المهاجرين الروس بلغ 500 ألف مهاجر تقريباً منذ بداية الغزو.

آفاق النمو

أجمع محللو بلومبرغ على عدم نمو الناتج المحلي الإجمالي الروسي في 2023، مقارنةً بتوقعات مغايرة لنظيره الأوكراني الذي يرجح نموه بواقع 2%.

تعتمد آفاق التحسن الاقتصادي في روسيا على نجاح جهودها لاستبدال وارداتها بمنتجات محلية. غير أن أي استبدال من هذا القبيل سيكون بطيئاً حتماً، نظراً لاعتماد روسيا الكبير على السلع الأجنبية قبل الحرب.

مصدرنداء الوطن
المادة السابقةبعد “دولرة” الأسعار: نعيش في لبنان… وليس في أميركا
المقالة القادمةتعميم لمصرف لبنان حول السحوبات النقدية