زاد الوباء في إقناع الحكومات بالحاجة الملحة إلى الاعتماد على التكنولوجيا لتسيير القطاعات الحيوية في ظل وجود الوباء الذي سيتواصل إلى أشهر ما يعني أن التكنولوجيا ستعيد تشكيل مستقبل الاقتصاد والعمل بحيث يكون التطوير والتحديث التكنولوجي علامة فارقة بعيدا عن الثروات الطبيعية التقليدية التي سادت طيلة عقود.
وتسببت جائحة كوفيد – 19 في عرقلة الاقتصاد العالمي حتى وصل أثرها إلى حياتنا اليومية، ومن المتوقع أن تستمر هذه الجائحة في ذلك لمزيد من الوقت. كما أثّر تراجع النشاط الاقتصادي على الشركات العاملة في جميع القطاعات.
وأصبحت العديد من المؤسسات تواجه تحديات حقيقية في تحقيق الإيرادات أو تنويعها وفي خفض التكاليف. أو حتى القدرة على الصمود بشكل عام في ظل هذه الظروف الاستثنائية، ما أدى كذلك إلى ارتفاع حاد في مستويات البطالة.
وانخفض عدد ساعات العمل على مستوى العالم إحصائيا بنسبة 4.5 في المئة خلال الربع الأول من عام 2020، ما يعني تلاشي نحو 130 مليون وظيفة بدوام كامل.
وجعل التباطؤ الاقتصادي في العرض والطلب نحو 52 في المئة من المدراء الماليين في منطقة الشرق الأوسط و59 في المئة من المدراء الماليين في دولة الإمارات العربية المتحدة يتوقعون حدوث تغييرات جذرية في كيفية إدارة عملية التوظيف والموارد البشرية بمؤسساتهم التي قد تشتمل على الإيقاف المؤقت عن العمل أو حتى تسريح الموظفين بشكل نهائي نتيجة التباطؤ في قطاع الأعمال في المنطقة.
وإلى جانب نقص الإنتاجية وبطء نسق الأعمال فقد أظهرت الجائحة أزمة تتمثل في فجوات حادة في المهارات التشغيلية بين الأفراد في بيئة العمل ما يدعو إلى تسريع تطوير مهارات الموظفين وصقلها.
لا حاجة للتنقل إلى العمل
يمكن القول إن جائحة كورونا اختزلت عشر سنوات على الأقل في عمر التحول الرقمي حيث إن ما نلحظه من مسابقة الدول للزمن لوضع أسس هذا الانتقال رهيبة جاءت في دقائق ضائعة وأرغمت الجميع على تكريسها على الأقل لتسيير بعض الأعمال والمعاملات اليومية داخل الإدارات والمؤسسات.
كشفت تقارير حديثة صادرة عن موقع أي.أم.تي تكنولوجي ريفيو أن الجائحة أكدت في إطار تأثيرها الكامن على الشركات الحاجة الملحة إلى المرونة، بالإضافة إلى السرعة في القدرة على التكيف والتحول باتجاه اقتصاد رقمي جديد سيهيمن على بيئة العمل.
وأحدثت تجربة العمل عن بُعد تغييرا هائلا في طريقة تواصلنا مع بعضنا البعض، بما في ذلك طريقة تواصلنا وتعاملنا مع العملاء. ولكن عملية التحول الرقمي الكلي للشركات لا تزال في حاجة إلى تطوير مهارات تقنية عالية يجب على الموظفين مواكبتها وبسرعة.
وسعت عديد الدول إلى الاستثمار بأقصى درجة في التكنولوجيات لتلبية حاجيات الناس وفق شروط الحظر والتباعد الاجتماعي في محاولة لتدارك أخطاء التلكؤ والتأخر الماضية ولضمان استمرارية القطاعات الحياتية مع تواصل خطر الوباء.
وتشمل هذه المهارات تطوير كفاءاتهم الفنية في التقنيات الناشئة، مثل تحليل البيانات والتعبير عنها بصريا، والتعلم الآلي والذكاء الاصطناعي. وبالرغم من أن 75 في المئة من الموظفين في دول مجلس التعاون الخليجي يعتقدون أن الروبوتات ستحل محل البشر وتسرق وظائفهم، إلا أن هؤلاء الذين تم تطوير مهاراتهم يعدون الأقل قلقا.
علاوة على ذلك، فإن 96 في المئة من الموظفين على استعداد تام لتعلم مهارات جديدة، أو حتى إعادة التدريب بالكامل لتحسين فرص توظيفهم في المستقبل. ولذلك فهناك ضرورة قصوى وأهمية عاجلة لتجهيز الموظفين بالمهارات اللازمة للتكيف مع هذه البيئة الرقمية الجديدة والنجاح فيها.
كما أتاح اعتماد أسلوب العمل عن بعد عالما من الإمكانيات غير المحدودة؛ فالتقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والواقع المعزز تدفع إلى حدود جديدة في الابتكار، ولاسيما في مجالات العمل والتعلم. كما أن أولوية رفع مهارات الموظفين وسد الفجوات الفنية من خلال منصات التعلم الافتراضية والرقمية، ستصبح واقعا لا بد منه،
ويعني ذلك أن المؤسسات لن تحتاج إلى الاستثمار في البنية التحتية والخدمات اللوجستية اللازمة للتدريب المباشر. علاوة على ذلك، فإن هذه التقنيات الحديثة قد دفعت المؤسسات إلى إعادة النظر في الحاجة إلى مقر فعلي للعمل.
وتبعا لذلك نطرح تساؤلات هل ستقلّص المؤسسات مساحة مكاتبها أم هل ستغلقها بالكامل وهل ستعتمد على المكاتب الافتراضية؟ الوقت وحده جدير بحل هذا اللغز.
مهد النجاح الهائل الذي حققته عملية العمل عن بعد الطريقَ أمام اعتماد استراتيجيات بديلة للتوظيف واستقطاب المواهب؛ حيث تتطلع المؤسسات في الوقت الحالي إلى بناء بيئة افتراضية لإجراء عملية التوظيف بأكملها.
سرعة إنجاز المهام
باتت المؤسسات قادرة على تقليص دورة التوظيف بشكل كبير، ويعود ذلك الفضل إلى علم البيانات وهندسة المعلومات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي حيث سيتم في غضون دقائق إنجازُ معاملات كانت تستغرق عدة أيام أو أسابيع. وذلك عن طريق تنفيذ عملية
فحص مؤتمتة بالكامل للسيرة الذاتية. بالإضافة إلى استخدام تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز لتحسين عملية الإلحاق بالخدمة
عن طريق الجولات الافتراضية لمكان العمل، وبالتالي لم يعد الأمر يتطلب وجودَ الموظفين الجدد شخصيا. يتطلع رجال الأعمال في المستقبل إلى توظيف أفضل الخبراء من خارج البلاد دون الحاجة إلى إحضارهم من أوطانهم بصفة دائمة؛ حيث إن هذا سيوفر الكثير من التكاليف على الشركة.
يعتقد المدراء الماليون في الشرق الأوسط أن كلا من العمل المرن 76 في المئة والاستثمارات التكنولوجية 47 في المئة سيعزز شركاتهم على المدى الطويل، ولا يمكن إنكار أن التكنولوجيا ستلعب دورا رئيسيا فيما نمضي قدما. بالرغم من تطلُّع المؤسسات إلى الاستفادة من هذه الفرصة لزيادة إنتاجية القوى العاملة ورفع كفاءتها نتيجة العمل عن بعد.
ولكن لا يخفي هذا الشكل الجديد للعمل العديد من الآثار السلبية ولاسيما الاجتماعية ففِرَق العمل ستنعزل عن بعضها البعض بسبب قلة التفاعل والتواصل بين أعضاء الفريق الواحد، والموظفون الذين يعملون حصريا عن بُعد قد يشعرون بالانفصال والعزلة عن بقية زملائهم.
كما أن ثقافة العمل المؤسسية ستصبح معرضة للخطر، ويجب على قادة قطاع الأعمال الحفاظ على مستويات التواصل الصحية بين الموظفين، من خلال إنشاء قنوات الاتصال المباشرة وتشجيع التواصل عبر الشبكات الاجتماعية.
ولذلك يتعين على الشركات إعادة ضبط استراتيجياتها وسياساتها الحالية المرتبطة بالقوى العاملة، واستيعاب التغييرات لبناء بيئة عمل مرنة وديناميكية، وأن تسعى جاهدة إلى إنشائها باستخدام المنصات الحديثة والتقنيات الرقمية المتقدمة.
وعلى الحكومات وضع السياسات الخاصة بالموارد البشرية وإعادة هيكلة القوى العاملة، من أجل تيسير المرحلة الانتقالية ونجاحها،بالإضافة إلى القيام بعمل المبادرات الهادفة إلى رفع الكفاءات وتهيئتها للتكيف مع الوضع الجديد المتغير بشكل مستمر.
طوق نجاة الاقتصاد
أشمل وأبعد من مستقبل العمل ذهب سي بي غورناني، المدير التنفيذي لشركة تيك ماهيندرا، وهي المزود الرائد للخدمات وحلول التحول الرقمي والاستشارات وإعادة هندسة الأعمال في الهند إلى كيف ستقود التكنولوجيات خطط إنعاش الاقتصاد.
وقال غورناني في حوار مع موقع إيكنوميك تايم الهندي “إذا لم تكن هنالك موجة جديدة قوية، سننتظر حتى يُكتشف اللقاح. وفي الأثناء، سيزداد الإنفاق العالمي على تكنولوجيا المعلومات”.
وشدد أن “التكنولوجيا ستقود خطط الإنعاش الاقتصادي، ورغم أن قطاعات التصنيع، والسفر، والخدمات اللوجستية، لها دور كبير إلا أن عليها أن تعيد اختراع نفسها لتكون جاهزة للمستقبل وتساعد العملاء على التعامل مع عالم ما بعد الوباء”.
وكشف المدير التنفيذي “نشهد تزايدا لطلبات من قطاعات مثل الاتصالات والرعاية الصحية والمنتجات الصيدلانية والإعلام والترفيه والتعليم الإلكتروني. وهذا هو الجانب الإيجابي بالإضافة إلى نمو الاقتصاد الرقمي”.
وأضاف “هنالك حاجة كبيرة إلى الرقمنة في جل القطاعات. والجميع يريدون اليوم المشاركة في الاقتصاد الرقمي. إذ يعدّ الضغط أكبر لغير المتصلين بالإنترنت. لذلك، يمكنني القول إن التكنولوجيا والخدمات عبر الإنترنت لعبت دورا حاسما أثناء الإغلاق وبطرق عديدة”.
وأكد “خلال الربع القادم من السنة الحالية سيعتمد كل شيء التكنولوجيا لأن تقنيات العصر الجديدة ستكون محركات التغيير في نمو شركات الاتصالات. وكيفية تحقيقها للإيرادات بعد استجابة هذه القطاعات للتنمية الاقتصادية”.
وأشار غورناني إلى أن “العمل الآن على خطة تركز على النطاق الجغرافي وعروض الخدمة وبعض رهاناتنا الكبيرة مثل شبكة الجيل الخامس التي يبقى تطويرها بطيئا. ولكنني ملتزم بأننا نفهم التحديات. وسنتبع مسارا من الحلول المترابطة والمتباينة في نفس الوقت”.
وتابع “نحتاج إلى اختيار عدد قليل من المناطق الجغرافية للعمل بشكل مربح بما يتوافق مع سياسات العمل المحلية. لذلك، نحن ندرك الحاجة إلى التحول والتطور. نحن واضحون ونعرف الاتجاه الذي يجب أن نسير فيه. لكننا نحتاج إلى السرعة”.
ويعمل اليوم نحو 93 في المئة من الموظفين من المنزل، ويرجع ذلك إلى سياسات تقييدية وأكثر صرامة. لذلك، وحتى ديسمبر، لن تتغير النسب بشكل كبير. وقبل معظم العملاء بفكرة تحوّل العمل من المنزل إلى واقع جديد. وتكمن النتيجة الإيجابية لكل هذا في أن معظمنا أصبح أكثر وعيا بشأن أمن البيانات والأمن السيبراني.
وفي المستقبل، سيبقى من 25 إلى 30 في المئة من العمال في منازلهم. وسيقرر البعض الذهاب إلى المكتب، للتفاعل مع الناس، وإجراء محادثات مباشرة. وقد يرغب البعض في العودة إلى العمل حوالي يومين في الأسبوع. ولكن الوضع الطبيعي الجديد لن يتغيّر بسرعة.
وتفيد كافة هذه المؤشرات أن التكنولوجيا ستصبح خلال تواصل هذه الأزمة وحتى بعدها أساس حياتنا الاقتصادية والاجتماعية فهي التي ستحدد تطور المجتمعات وستكون مقياسا لنجاح الحكومات في التغلب على الوباء وتحقيق رفاهية الاقتصاد رغم هذا الظرف باستثمارها في مواردها وخبراتها التكنولوجية.
ويبرهن رهان حكومات عديدة في العالم على تسريع عملية التحول الرقمي أن أزمة الجائحة كانت درسا قاسيا على البلدان التي تأخرت في وضع أسس التحول الرقمي لتجد نفسها مع ظهور الوباء تحاول بكل قوتها تدارك أخطاء الماضي لكسب التحديات المستقبلية خصوصا وأن التكنولوجيا هي التي ستحدد حكم البقاء فهي التي ستضمن سيرورة كل المرافق الحياتية.
المصدر: العرب اللندنية