حتى ما قبل الاعتداء الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية الأسبوع الماضي، لم تشهد الصيدليات زحمة على الدواء، وكان الاكتفاء بعبوة واحدة من الدواء أو عبوتين هو الغالب. استقرار لم تغيّره عشرة أشهر من الحرب. لكن، بعد اعتداء الضاحية، انقلبت عادات الناس بين تلك الليلة وضحاها. ورغم أن المشهد لم يلامس حدّ الهلع، إلا أن أصحاب الصيدليات لاحظوا في الأيام الأخيرة ارتفاع الطلب على بعض الأصناف بين 30% و40%، ولا سيما أدوية الأمراض المزمنة، خشية تطور الأوضاع بما ينعكس على استمرارية علاجاتهم. من هنا، يتفهّم عدد كبير من الصيادلة هواجس هؤلاء ويلبّون طلباتهم، «على أن لا تتعدّى الكمية المطلوبة شهرين إلى ثلاثة أشهر كحدّ أقصى»، وفق أحد الصيادلة.والأمر نفسه ينطبق على العائلات التي تضمّ رضّعاً، إذ شهد الأسبوع الأخير فورة في الطلب على الحليب والحفاضات خوفاً من انقطاعهما، خصوصاً مع «السوابق» التي عاشها هؤلاء في الأزمات التي مرّت. واللافت أن بعض من لجأوا إلى شراء الحليب «كانوا يشترون ما هو متوفّر وليس نوعاً بعينه، خشية انقطاع السلعة في حال تأزّم الوضع».
مع ذلك، ليس هناك هلع بعد، ولا تهافت، وما يفعله هؤلاء هو «شراء كمية تكفي لشهرين أو ثلاثة أشهر كحدّ أقصى، ولم تصل إلى المستويات التي بلغتها في الأزمات السابقة، حيث كانت أقل فترة تخزين تبلغ 6 أشهر». ويفسّر الصيادلة ذلك بتأقلم الناس مع الأوضاع الأمنية السائدة منذ أشهر من جهة وباستعادة سوق الدواء بعضاً من عافيته، حيث باتت غالبية الأصناف متوافرة بعد رفع الدعم، ومع وفرة البدائل الوطنية. أما بعض الأصناف التي لا تزال تشهد نقصاً، فالتوجه لدى الصيادلة هو إلى تقنين تسليمها، بحيث تُعطى لكل مريض عبوة واحدة بغضّ النظر عما يحتاج إليه للإفساح في المجال أمام مرضى آخرين، «خصوصاً أن المستوردين وأصحاب المستودعات يسلمّوننا كميات محدودة منها»، يقول أحد الصيادلة. وهذا ما ينعكس أيضاً على بعض أصناف حليب الأطفال، وتحديداً التي تحتوي تركيبة خاصة، حيث يُعطى الصيادلة منها «كوتا» محدّدة، بغضّ النظر عن حجم كل صيدلية أو حاجة زبائنها، ولذلك أيضاً، يعمد الصيادلة إلى تقنين صرفها.
الطلب من قبل مستهلكي الأدوية انعكس طلباً أيضاً لدى الصيادلة من المستوردين وأصحاب المستودعات، وتحديداً على الأصناف «النافدة». ودفع هذا الأمر عدداً غير قليل من الشركات إلى تغيير صيغة التعامل مع أصحاب الصيدليات، إذ لم تعد الشركات تعطي فترة سماح قبل تسديد الفواتير، وبات الدفع عند التسليم شرطاً بعد الاعتداء الأخير، وهو ما توقّعه الصيادلة أصلاً وما اعتادوه مع كل محنة.
طلب حسب المناطق
يختلف مشهد السوق من منطقة إلى أخرى. ففي المناطق الساخنة وتلك المعرّضة للاعتداءات، يزداد الطلب على أصناف معيّنة من الأدوية والحليب بشكل لافت، فيما يختلف الأمر في المناطق البعيدة عن الاعتداءات، حيث تُعزى زيادة الطلب في هذه الفترة من كل عام إلى تهافت المغتربين لشراء بعض أصناف الأدوية بكميات تصل إلى حدود 6 أشهر قبل مغادرتهم. أما في المناطق النائية، فلا طلب على الدواء كما في مناطق أخرى، بسبب طبيعة السوق هناك والمستوى الاجتماعي والمعيشي، إذ دفعت الأزمة الاقتصادية معظم الناس هناك إلى الإقبال على مراكز الرعاية الصحية الأولية والمستوصفات، فيما قاصدو الصيدليات من «المرتاحين» حصراً وفق أحد الصيادلة في منطقة البقاع الشمالي.