عندما وضعت حكومة الرئيس حسان دياب خطة اقتصادية ومالية اصلاحية وبدأت مفاوضات على اساسها مع صندوق النقد الدولي، تدخلت لجنة المال والموازنة لإدخال تعديلات على الخطة. يومها، اتُهمت اللجنة بأنها تبنّت وجهة نظر البنك المركزي والمصارف لناحية حجم الخسائر المالية والفجوات المالية في القطاع المصرفي. واعتبر المشككون ان السلطة التشريعية ساهمت في إحباط خطة الاصلاح، التي لو تمّ السير بها، برأي هؤلاء، بغض النظر عن ايجابياتها وسلبياتها، لكان لبنان اليوم على خطى النهوض وليس على باب «جهنّم» كما هو حالياً.
المفارقة اليوم ان السلطة التشريعية التي اتُّهمت آنذاك بالتحالف مع القيّمين على القطاع المصرفي من أجل إحباط خطة الحكومة الاصلاحية، بدت امس وكأنها فسخت تحالفها مع المصارف، وسارعت بنشاط وزخم الى اقرار اقتراح قانون كابيتال كونترول بعد ان عجزت عن إقراره منذ بداية الأزمة في 2019 لأسباب مختلفة، «مُستفَزّة» مصرف لبنان الذي أصدر قانونه الخاص بالكابيتال كونترول.
ورغم ان المعطيات والمعلومات والعوائق التي حالت في السابق دون انجاز لجنة المال والموازنة دراسة اقتراح القانون، ما زالت على حالها، إلا ان اللجنة أقرّت امس اقتراح القانون مشدّدة على ان القانون أعلى من أي تعميم يصدر عن مصرف لبنان، وأحالت الى لجنة الادارة والعدل، التي باشرت فورا في مناقشته، مع العلم انه ما زالت أمام هذا الاقتراح مراحل ليجتازها في اللجان المشتركة في حال حصول خلاف في الرأي بين لجنتي المال والعدل، وفي الهيئة العامة لمجلس النواب، حيث بقيت بنود عدّة عالقة يجب الحسم فيها هناك في ضوء المعطيات المُطالب مصرف لبنان بتقديمها قبل الجلسة العامة للمجلس النيابي.
وتعليقاً على الاحداث والقرارات العشوائية التي تم اتخاذها في لبنان، اعتبر مسؤول مالي دولي، ان أزمة لبنان ستُستخدم في مناهج الدراسات العليا في الاقتصاد، كدراسة بحث (case study) تحت عنوان «كيف يدمّر الحكّام وصانعو السياسات السيئة والفاسدون، الأمم وثروة الوطن».
وقال: «كان لبنان يملك القدرة على أن يكون اقتصادا ناشئا نابضا بالحيوية، خصوصا في مجالات تكنولوجيا المعلومات، التعليم، المصارف، الطب، السياحة….. بدلاً من ذلك، أدار حكّامه الاقتصاد كما لو كان متجراً في «بازار».
وفيما أبدى المسؤول المالي خشيته من أن يتسارع الانهيار الاقتصادي بشكل كبير في الفترة المقبلة، رأى انه «حتى لو حصلت معجزة ما، وتم تشكيل حكومة، سيستغرق الامر وقتا طويلاً قبل أن يتمكنوا من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج تعديل، نظرا إلى التشوهات الكبيرة التي أحدثوها على نطاق واسع في الاقتصاد.
وختم: «لسوء الحظ، يبدو أن مزيدا من البؤس سيلحق بالسكان قبل التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي».