سلامة يعد ميقاتي بـ«تهدئة» سوق القطع: ضخّ مليار دولار قبل الانتخابات

ما فعله مصرف لبنان منذ فتح «كوتا» إمداد المصارف بالدولار على مصراعيها ولغاية اليوم، لا يعدّ سوى تبذير للدولارات لتقديم الدعم السياسي لرئيس الحكومة وسائر قوى السلطة. يتردّد أن الحاكم رياض سلامة، وعد الرئيس نجيب ميقاتي، بأن يعمل على تهدئة سوق القطع من خلال ضخّ مليار دولار في السوق خلال الأشهر الأربعة المقبلة، أي لفترة ما قبل الانتخابات النيابية. ويتوقع سلامة أنه من خلال ضخّ هذا المبلغ سيكون قادراً على سحب كمية كبيرة من الليرات المتداولة في السوق، وأن يكون قادراً على خفض سعر الصرف.

حالياً، الاقتصاد في حالة «كوما» واستمرارية حياته تقتصر على الإمداد بالغذاء والهواء الاصطناعي. فالدورة الاقتصادية التي كانت قائمة على السوق المالية وعلى المضاربات العقارية، لم تعد قائمة، ومعها تقلّص الناتج المحلي الإجمالي بكل أركانه الأساسية من خدمات وإنتاج واستهلاك، أي حجم الاقتصاد، من 55 مليار دولار إلى 21.8 مليار دولار بحسب البنك الدولي. العمل الوحيد الرائج حالياً هو المضاربة على العملة. وهو عمل يتغذّى على الليرات المتوافرة في السوق والتي بلغت في منتصف كانون الثاني الجاري نحو 45.7 تريليون ليرة مقارنة مع 30.9 تريليون ليرة في نهاية 2020، و10.5 تريليون ليرة في نهاية 2019، أي أن كمية الليرة زادت في 2020 بقيمة 20.4 تريليون ليرة، وبقيمة 14.8 تريليون ليرة في 2021 مع 15 يوماً من عام 2022. كمية هائلة من الليرات.

يعتقد سلامة أن امتصاص الليرات من السوق مقابل ضخّ الدولارات سيعيد التوازن إلى سعر الليرة مقابل الدولار. فماذا يعني بذلك؟ إذا كان مصرف لبنان قادراً على سحب كل هذه الليرات من السوق وهو يعتقد أنها السبب في زيادة الطلب على الدولار، فلم ضخّها أصلاً. هذه جريمة. وإذا كان يعتقد أنه قادر على امتصاص كمية كبيرة من الليرات في وقت قصير، فهو واهم لأن سيكون مضطراً عندها إلى زيادة نزف الاحتياطات، أو سيعمد إلى شراء الدولارات من السوق مجدداً.

ويضاف إلى ذلك، أن نظرية امتصاص الليرات تفترض أن هناك كمية زائدة في السوق يجب سحبها وسيمتصّها مصرف لبنان وسيخزنها في خزنته الهائلة الحجم. إنما في الواقع، مصرف لبنان بحاجة أن يضخّ الليرات لتغطية الرواتب والأجور للقطاعين العام والخاص، وأن يغطّي أيضاً كل متطلبات الدولة. إذا افترضنا أن المصارف ستتنازل عن سيولتها بالليرة لتغطية الرواتب والأجور للقطاعين بدلاً من شراء الدولارات على سعر المنصّة وتحقيق أرباح من عمليات المضاربة! ويتعزّز هذا الأمر من خلال ما قام به مصرف لبنان أخيراً عندما قرّر خفض «كوتا» إمداد المصارف بالليرات بنسبة تفوق 60%، فهل هو قادر على تجفيف الليرات من السوق؟ أصلاً هل عمليات المضاربة الجارية على قدم وساق حالياً ستتيح له امتصاص كتلة نقدية كبيرة؟

نعم في الفترة الأولى، ولا سيما في ظل الفرق الكبير بين سعر «صيرفة» وسعر السوق الحرّة يمكن القول إنه قادر على الامتصاص. في الواقع، ثمة إجابة على هذه الأسئلة تستعيد ما حصل في 2016. آنذاك كان الحاكم ينفّذ ما أسماه «هندسات» هي أقرب إلى مفهوم «السعدنات» الرائج حالياً، وهذه «الهندسات» استمرّت لتصبح منحى يزيد أسعار الفائدة بتقدّم الوقت، وصولاً إلى بداية الانهيار في مطلع 2019. اليوم، وبتكرّر هذه العمليات، يصبح من الضروري البحث عما سيحصل تالياً. فمن مؤشرات الانهيار ارتفاع أسعار الفائدة على الدولار إلى 25% وربما أكثر في بعض العمليات، ومن مؤشّر استمرار الانهيار تدخّل ظرفي بعد سنتين ونصف على الانهيار، عندما تضاعف سعر الدولار 22 مرّة ليبلغ 34 ألف ليرة، ثم خفضه إلى 16 ضعفاً ليبلغ 24 ألف ليرة. هذا كل ما يقدر عليه مصرف لبنان الآن، تماماً كما حصل يوم تلك «الهندسات» التي كانت كل ما يقدر عليه في ذلك الوقت. المسألة متعلقة بالوقت فقط. العقل الذي يدير هذه العمليات هو نفسه العقل المقامر الجاهل بالاقتصاد.

مصدرجريدة الأخبار - محمد وهبة
المادة السابقةارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى قرابة 25300 ليرة
المقالة القادمةأيّ بيئة في موازنة عام 2022؟