سوريا حاصرت الاقتصاد اللبناني بـ 42 اتفاقاً

قد تنعكس التطوّرات السوريّة على لبنان أمنيّاً وسياسيّاً، إلّا أنَّ التأثير الأكبر قد يكون اقتصادياً، سيّما أنّ حوالى 42 اتفاقية قائمة بين البلديْن. فماذا سيكون مصيرها؟ يرى اقتصاديّون مُطلعون أنّ هذه الاتفاقيّات كانت تخدم سوريا أكثر ممّا تخدم لبنان لذلك فإنّ المطلوب اليوم، في حال إعادة تفعيلها، سلسلة من الإجراءات تضمن مصالح الاقتصاد اللبناني.

يؤكد الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة لـ “نداء الوطن”، أنّ “الاتفاق الاقتصادي اللبناني السوري الذي وُقّع عام 1950، وتلاه 25 اتفاقاً اقتصادياً – اجتماعياً، ربط الاقتصاديْن اللبناني والسوري بشكلٍ عضوي. بغض النظر عمّن هو الرابح على الورق في هذه الاتفاقيّة، فإنّ سوريا كانت الرابح الأكبر بمعظمه لأنّ اقتصادها أكبر بالمُطلق، وأيضاً بسبب استخدام هذه الاتفاقيّات بشكل سيئ جدّاً، وأحد الأمثلة “بلد المنشأ” الذي كان يستخدم للتهرّب من الضرائب. عندما انهارت دولة القانون في لبنان أصبح التهريب يتمّ بشكل مفضوح ومن دون حدود”.

“فاتورة الاقتصاد اللبناني كبيرة”

يعتبر عجاقة أنّ “الاقتصاد اللبناني دفع فاتورة كبيرة جداً نتيجة العديد من هذه المعاهدات، خاصّة في فترة الحرب السورية، من العام 2011 وحتى العام 2024. وينصّ مثلاً الاتفاق الاقتصادي اللبناني – السوري المُوقّع عام 1952 بأنه يسمح باستيراد المنتجات الزراعيّة والحيوانيّة من بلد المنشأ (لبنان أو سوريا) من دون دفع الضرائب، وكذلك الأمر بالنسبة للإنتاج الصناعي. هذه المعاهدة، تنصّ مثلاً في التبادل الزراعي على أنّه “تُعفى من الرسوم الجمركيّة ومن إجازات الاستيراد والتصدير المنتجات الزراعيّة والحيوانيّة المُدرجة في الجدول رقم 1 من هذا الاتفاق. واللائحة طويلة تشمل ما لا يقلّ عن 100 صنف من خيول وحمير وبغال وأبقار وحملان ودواجن وطيور ولحوم وحليب وزيتون وبصل… أكثر من 100 صنف تدخل في الاتجّاهيْن بدون رسوم جمركية. هذه الأمور تحصل عادة بين دول لديها مصلحة مشتركة، إنما في حالة لبنان فإنّ سوريا بلد زراعي بامتياز بالدرجة الأولى، ولبنان بالتالي خاسر بشكلٍ أو بآخر في الميزان التجاري. البعض يقول إنّ هذا الحديث غير صحيح وإنّ الميزان التجاري للبنان بين عاميْ 2011 و2024 كان رابحاً. هذا الأمر صحيح لأنّ المنتجات كانت مهرّبة بسبب العقوبات على سوريا، إذ كانوا يستوردون البضائع عبر لبنان ويرسلونها إلى سوريا، ويتمّ تسجيلها على أنها تصدير لكنها في الحقيقة عمليات تهريب”.

ضرورة السّيطرة على الحدود

ويُشدّد عجاقة على أنّ “المطلوب اليوم السيطرة على الحدود وإلّا سنكون أمام مشكلة كبيرة جدّاً. سوريا المنفذ البرّي الوحيد للبنان باتجّاه الدول الخليجيّة والعراق والأردن وحتى سوريا. ولذلك من الضروري إقامة علاقات “نظيفة” بين البلدين، لأنها لم تكن كذلك حتى الآن. بغض النظر عن الأرقام، والتي هي غير صحيحة. يُمكن الحصول على الأرقام بدقّة من موقع الجمارك الإلكتروني، حول حجم التصدير والاستيراد بين لبنان وسوريا، لكن الإشكاليّة ليست هنا بل إنّ الأرقام لا تعكس الحقيقة لأن معظمها تهريب. يتحدّثون عن مئات الملايين من الدولارات بين الاستيراد والتصدير لكنّ هذا الأمر غير صحيح، الحقيقة هي مليارات الدولارات، والسبب أن التهرّيب لا يمرّ عبر الجمارك، لأنه لو مرّت البضائع عبرها لتمّ تسجيلها”.

“علاقات نظيفة”

ويُردف قائلاً: “نطالب بعلاقات “نظيفة” بين لبنان وسوريا، من خلال: أوّلاً، السيطرة على الحدود والإبقاء على المعابر الشرعية، وثانياً، تشكيل لجنة وزاريّة مُشتركة، تُحافظ على مصلحة البلديْن، وأنْ يكون هناك اتفاق واضح يُنظمّ الممرّ للصادرات اللبنانية إلى الدول الخليجيّة والعربية، كما ينظمّ العمالة بين لبنان وسوريا، ويضبط التهريب بكل أنواعه. وهنا نتحدث عن عصابات لبنانيّة وسورية لأنّه لا يُمكن لأي منهما العمل بشكلٍ منفرد دون مساعدة الآخر، وهذه تحتاج إلى وضع حدّ لها كي تكون العلاقة نظيفة”.

“مراقبة بعض الشاحنات”

يتابع: “كما أنّ بعض القرى الواقعة في عمق الأراضي السورية ليس لها مدخل من لبنان ويُمكن للمواطنين إدخال وإخراج البضائع عبرها وكأنهم موجودون في لبنان. الشاحنات تدخل وتخرج بين البلديْن ولا يمكن معرفة طبيعة حمولتها، وهذه أيضاً يجب مراقبتها وايجاد حلّ لها، كشقّ طريق مثلاً في الاراضي اللبنانية. وغالباً ما تكون الحجة لعدم إنجاز هذا المشروع بأن المنطقة وعرة وجبلية، وهي حجة غير مُقنعة لأننا نتحدّث على صعيد دولة، فإذا لم تستطع تغطية كل أراضي الدولة فهذه مشكلة”.

تحسين العلاقات الاقتصاديّة

ويرى عجاقة أنّ “المطلوب تحسين العلاقات الاقتصادية وضبط الحدود. منذ العام 1975 حتى اليوم كانت هناك هيمنة سورية واضحة على لبنان، لذلك كل الاتفاقيات التي عُقدت سواء في المجال الاقتصادي أو غيره لم تكن كلها لصالح لبنان، ولذلك فإنّ المطلوب من الحكومتيْن اللبنانيّة والسوريّة إعادة درس هذه الاتفاقيات من أجل إعادة التوازن. لا نطلب هيْمنة الجانب اللبناني على السوري بل إعادة التوازن لأنّ كل الاتفاقيّات والمعاهدات التي تمّ توقيعها بين البلديْن منذ الخمسينات حتى اليوم كانت بمعظمها لصالح سوريا. يكفي أن ننظر مثلاً إلى كيفيّة توزيع مياه نهر العاصي عام 1994. النهر ينبع من لبنان ويتجه نحو سوريا، لا يحقّ للبنان حتى بناء جسر عليه بموجب هذه الاتفاقيّة. وبالتالي على لبنان أنْ يُعيد النظر في طبيعة الاتفاقيّة، لأنها تحتاج إلى إعادة دراسة في المطلق. أعتقد أنّ الإمكانيّة قد تكون مُتاحة اليوم مع النظام الجديد في سوريا والذي يُظهر إشارات إيجابيّة على التغييرات. لذلك فإنّ إعادة دراسة الاتفاقيّات أمر مُحبّذ لأنها ستُعيد إلى لبنان بعضاً من التوازن مع سوريا”.

معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق

كما يُذكّر عجاقة بأنّه “في الثاني والعشرين من أيار 1991، وقّع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، والرئيس اللبناني الياس الهراوي على معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بين لبنان وسوريا، والتي نصّت على الروابط الأخويّة المميزة التي تربط البلديْن والتي تستمدّ قوّتها من جذور القرب والتاريخ والانتماء الواحد والمصير المشترك والمصالح المشتركة.

واتفّق البلدان في المعاهدة على أنْ يعملا على تحقيق أعلى درجات التعاون والتنسيق بينهما في جميع المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة والثقافيّة وغيرها، بما يحقّق مصلحة البلديْن الشقيقيْن في إطار سيادة واستقلال كل منهما، وبما يُمكّن البلدان من استخدام طاقتهما السياسية والاقتصادية والأمنية لتوفير الازدهار والاستقرار ولضمان أمنهما القومي والوطني وتوسيع وتعزيز مصالحهما المشتركة، تأكيداً لعلاقات الأخوّة وضماناً لمصيرهما المشترك.

المجلس الأعلى السوري ـــ اللبناني

لتحقيق أهداف المعاهدة، انبثق عنها المجلس الأعلى السوري ـــ اللبناني الذي يتخذ من دمشق مقرّاً له ويترأس أمانته العامة منذ 1993 السيد نصري خوري، ويتكوّن من: رئيسي الجمهورية في كل من الدولتين المتعاقدتيْن، ورئيس مجلس الشعب، ورئيس مجلس الوزراء ونائب رئيس مجلس الوزراء في سوريا، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء ونائب رئيس مجلس الوزراء في لبنان. ومن مهمّات المجلس وضع السياسة العامة للتنسيق والتعاون بين الدولتين في مختلف المجالات والإشراف على تنفيذها. وقرارات المجلس الأعلى إلزاميّة ونافذة المفعول في إطار النظم الدستوريّة في كل من البلديْن. كما يُحدّد المجلس المواضيع التي يحقّ للجان المختصّة اتّخاذ قرارات فيها تكتسب الصفة التنفيذيّة مجرّد صدورها، وذلك وفقاً للنظم والأصول الدستوريّة في كل من البلديْن أو في ما لا يتعارض مع هذه النظم والأصول.

42 اتفاقيّة

انبثق عن معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق، 42 اتفاقية، وهي: معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق، التعاون والتنسيق الاقتصادي والاجتماعي، اتفاق تنظيم انتقال الأشخاص ونقل البضائع، اتفاق بشأن أوجه التنسيق والتعاون في المجال الزراعي، اتفاق يتعلق بتوزيع مياه نهر العاصي النابعة في الأراضي اللبنانية، ملحق لاتفاق توزيع مياه نهر العاصي النابعة في الأراضي اللبنانية، اتفاقية ثنائية في مجال العمل، إتفاقية من أجل تجنّب ازدواج التكليف الضريبي ومنع التهرب الضريبي في ما يتعلّق بالضرائب على الدخل، بروتوكول ملحق باتفاقية تجنب ازدواج التكليف الضريبي ومنع التهرب الضريبي في ما يتعلق بالضرائب على الدخل (لم يُبرم بعد)، اتفاقية إنشاء مكاتب حدودية مشتركة، محضر اجتماع حول إطلاق حرية تبادل المنتجات الصناعية الوطنية المنشأ، محضر اجتماع حول آليّة تنفيذ إطلاق حرية تبادل المنتجات الصناعية الوطنية المنشأ، اتفاق حول الملاحة البحريّة التجاريّة، اتفاقية ثنائيّة في مجال الشؤون الاجتماعيّة، اتفاقية المبادئ التنفيذيّة لمشروع نقل وبيع الغاز الجافّ بين سوريا ولبنان، اتفاق لإقامة خدمات جوية بين إقليميهما وما وراءهما، اتفاقية بيع الغاز مع محضر اجتماع اللجنة المشتركة للنفط والغاز، اتفاقية من أجل اقتسام مياه حوض النهر الكبير الجنوبي، اتفاقية من أجل اقتسام مياه حوض النهر الكبير الجنوبي وبناء سدّ مشترك على المجرى الرئيسي للنهر، اتفاق تعاون بين وزارتيْ العدل، اتفاق حول التعاون الإداري المُتبادل في القضايا الجمركية، اتفاق ثنائي حول تبادل الحوالات البريدية الفورية، اتفاق لتبادل بعانث البريد العاجل الدولي (EMS)، النظام التنفيذي لاتفاقية البريد العاجل الدولي (EMS)، اتفاقية تعاون في المجال الزراعي (لم تُبرم بعد)، اتفاقية تعاون في مجال وقاية النبات والحجر الصحي النباتي والمُبيدات الزراعية (لم تُبرم بعد)، اتفاقية تعاون في مجال الصحة الحيوانية والحجر الصحي البيطري، اتفاقية حول توحيد قواعد ترخيص واستيراد الأدوية واللقاحات البيطريّة (لم تُبرم بعد)، اتفاق خاص بالتعليم العالي والبحث العلمي (لم يُبرم بعد)، اتفاق تعاون وتنسيق في مجال التربية (لم يُبرم بعد)، اتفاقية للتشجيع والحماية المُتبادلة للاستثمارات، اتفاق حول الملاحة البحريّة التجاريّة (لم يُبرم بعد)، اتفاق تعاون لمكافحة المخدرات بين وزارتيْ الداخلية، واتفاق تعاون في مجال السياحة.

مصدرنداء الوطن - رماح هاشم
المادة السابقةحمية: الطرقات الجبلية ستبقى مفتوحة أمام المواطنين والسياح
المقالة القادمةشقير: لإعادة النظر في معاهدة الأخوّة