كلفة الحد الأدنى للمنزل: الحطب 600 – 1000 دولار… و1100 دولار للمازوت
فقراء بين كلفتين: التدفئة وأمراض الشتاء… ومدارس تعاني الأمرّين لتوفير الدعم
عودة لاستخدام جفت الزيتون والأغصان وما تيسّر من وسائل كان عفّا عليها الزمن
تهريب مازوت سوري إلى البقاع… الغاز ملاذ البيارتة وتعديات على غابات عكار
ليس تفصيلاً أن يبلغ سعر طن الحطب في عكار، ونحن على أبواب الشتاء، 4 ملايين ليرة لبنانية في الوقت الذي يُباع في قرى الجنوب بـ5 ملايين، وفي البقاع بين 7 و10 ملايين ليرة. في حين يحتاج أي منزل في القرى التي يزيد إرتفاعها عن 400 متر إلى 6 أطنان حطب على الاقل. أي ما بين 24 مليوناً الى 60 مليون ليرة حسب المنطقة وكمية الاستهلاك. أما إذا كانت التدفئة بالصوبا على المازوت فالحاجة هي على الاقل إلى طن مازوت في الموسم، أي نحو 1100 دولار أميركي عدّاً ونقداً، ما يعادل 44 مليون ليرة لبنانية. هذه المبالغ التي تعتبرها معظم العائلات الللبنانية طائلة، في ظل الانهيار الذي نعيشه، ولا مفر من تأمينها بالنسبة للعائلات التي يأتيها الدعم المالي من أبنائها المغتربين خصوصاً. أما الفقراء من اللبنانيين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، أو الذين ينتظرون مواسم الزراعة لكي يتمكنوا من تأمين ما يأكلونه فقد إستغنوا عن التدفئة بالمازوت والغاز كلياً هذا العام، ويحاولون تدبير أمرهم بما تيسر، أي من أغصان أشجارهم التي قاموا بتشحيلها، و»جفت الزيتون» بعد عصر مواسمهم، وإذا نفد مخزونهم سيشترون الحطب إذا توفرت الاموال.
كيف يتدبر الجنوبيون الأمر؟
هذه الخلاصة هي حصيلة قصص جمعتها «نداء الوطن» في أكثر من قرية من عكار إلى الجنوب. حيث روى الاهالي، كيف أنهم إستبدلوا هذا العام «صوبا المازوت» بالحطب، لأنهم لم يعد بمقدورهم شراء المازوت بسبب إرتفاع أسعاره، وكيف يحاولون التحايل على الظروف القاسية، بما تيسر من أغصان الشجر يجدونها في حواكيرهم.
إذ يروي حسن صبرا من بلدة القنطرة الجنوبية، لـ»نداء الوطن» أنه «يفرح كطفل صغير، حين يعطيه أحد زبائن المعصرة التي يعمل فيها «جفت الزيتون» لكي يستعمله لتدفئة ولديه في موسم البرد القادم. ويخبر عن حرصه على كل الاغصان والحطب التي جمعها من تشحيل أشجاره حول المنزل»، لافتاً إلى أنه «بات يتعامل معها كأنها جواهر، وقد جمع نحو طن ما بين حطب وجفت زيتون، وسيشتري طن حطب كي يتمكن من تأمين التدفئة المطلوبة لعائلته، حتى شهر كانون الثاني المقبل، خصوصاً أن أطفاله صغار السن، وعرضة للمرض من البرد أكثر من الكبار، وإذا توافرت الاموال لديه سيشتري طناً آخر لاحقاً».
يجزم صبرا بأن معظم سكان القرى في الجنوب قرروا الاتكال على الحطب للتدفئة هذا العام، والجميع إعتمدوا السيناريو ذاته أي تجميع جفت الزيتون من مواسمهم، وأغصان الاشجار من أرضهم، ولا يلجأون إلى شراء الحطب إلا إذا كانوا مضطرين بسبب ضيق أحوالهم، او يتلقون المساعدات من أبنائهم.
هذه الرواية يدعمها الحاج مصطفى رمال (صاحب معصرة في بلدة عديسة الجنوبية)، إذ يقول لـ»نداء الوطن»: «في السنوات السابقة كان نصف زبائننا يتركون جفت الزيتون، الذي ينتج عن عصر مواسهم، وكنا نحتار ماذا نفعل به، فنقوم بوضعه في قوالب (على شكل حطب) وتجفيفه وتوزيعه على معارفنا، أما هذا العام فـ90% من زبائننا، طالبوا بالجفت لإستعماله للتدفئة حتى بعض الميسورين منهم، لأن سعر طن حطب السنديان في قرى مرجعيون 125 دولاراً، و70 دولاراً لليمون. وهي مبالغ طائلة بالنسبة لسكان القرى، الذين يعتمدون على زراعة التبغ والقمح والزعتر للمعيشة».
لا غنى عن المازوت في البقاع
في قرى البقاع الصورة مشابهة، لكن سعر طن الحطب قد يصل في بعض القرى إلى 10 ملايين ليرة، وكثير من الاهالي إستغنوا عن صوبا المازوت، واشتروا مكانها صوبا الحطب. أما في قرى البقاع الشمالي، فتأمين الحطب والمازوت لا يقتصر على الاراضي اللبنانية، بل السورية أيضاً كما يقول أحد سكان بلدة شعث لـ»نداء الوطن»، بسبب القرب الجغرافي بين الجانبين ( طن الحطب بـ5 ملايين ليرة)، وتهريب المازوت السوري خلال شهر أيلول الماضي إلى القرى اللبنانية، أي قبل الارتفاع الاخير للمحروقات في سوريا، سمح لسكان البلدات بشراء المازوت بسعر أقل، وتوفير القليل من الدولارات، وهذا أفضل من لا شيء على حد تعبيره.
في مدينة بعلبك، تُخبر مديرة متوسطة بعلبك الجديدة الثانية-الرسمية جمانة عواضة «نداء الوطن»، أن همّ تأمين التدفئة لا يقتصر على الأهالي والمنازل، بل أيضاً على المدارس الرسمية، التي لا يمكن تسيير العام الدراسي فيها من دون التدفئة، بسبب البرد القارس»، وتقول: «في مدرستي التي تضم 500 طالب، لا زال لدينا القليل من المازوت من العام الماضي، بدأنا بإستعماله ونحاول الاتصال بالهيئات المانحة والجهات المسؤولة والمنطقة التربوية والبلدية لتأمين المازوت، وإلى الآن لم نلق جواباً». موضحة أن «المدرسة تحتوي على 30 صوبا يتم تشغيلها يومياً، وكل صوبا تحتاج إلى 5 ليترات، أي اننا بحاجة إلى 150 ليتراً يومياً للتدفئة، لأن المنطقة باردة والاطفال غالباً ما يمرضون إذا بقوا من دون تدفئة».
تشرح عواضة أن «الناس في بعلبك يشترون الحطب والمازوت للتدفئة إذا كان أحد أفراد عائلتهم من المغتربين، فيمدهم بالدعم اللازم، خصوصاً انه لا يمكن الاكتفاء بصوبا واحدة في المنزل. أما الموظفون الذين يقبضون بالليرة اللبنانية، فإلى الآن لم يؤمنوا مونتهم للتدفئة، بسبب الأسعار المرتفعة للحطب»، لافتة إلى أنها «إشترت 2 طن من الحطب (لأن أولادها من المغتربين ويدعمونها) بـ7 ملايين و500 ألف ليرة للطن الواحد. في حين أن أصدقاء لها يقولون أن الاسعار زادت ووصلت بين 9 و10 ملايين ليرة (خشب سنديان)، في حين أن طن المازوت يزيد على 1000 دولار، وهذا يكاد يكفي العائلة في حين أنها تحتاج إلى حطب، بين 2 و 3 أطنان في الموسم على الاقل».
الحطب هو الأساس في عكار
في أكروم – عكار يشير يوسف دياب لـ»نداء الوطن»، إلى أن المزارعين في بلدته يؤمنون نصف ما يحتاجون إليه من حطب، من تشحيل حقولهم من الزيتون واللوز والمشمش وجفت الزيتون. ويشترون الباقي من الحطابين التجار، الذين غالباً ما يحرقون الاحراج للإستفادة منها»، شارحاً أن «العائلات تحتاج إلى 6 أطنان من الحطب بسبب البرد القارس وإرتفاع بلدتهم عن سطح البحر، ويبلغ سعر الطن 100 دولار، أي يكلفهم موسم الشتاء نحو 600 دولار، في حين أن كلفة المازوت 1200 دولار، وبالتالي يبقى الحطب أرخص وصحياً أفضل».
في قرى عكار الاخرى يشرح المزارع رستم طعوم لـ»نداء الوطن» أن «سعر طن الحطب في عكار 4 ملايين ليرة، والحاجة الى الحطب للتدفئة يكون بحسب الإرتفاع. في بلدان الساحل تحتاج العائلة نحو 4 أطنان، وفي الوسط بين 400 و700 متر تحتاج إلى نحو 7 أطنان، وما فوق ما يزيد عن 10 أطنان».
يضيف: «كل الحطب الذي يُباع في عكار تم قطعه من الاحراج بطريقة غير شرعية، ولا سيما حرج القبيات الذي إحترق العام الماضي بشكل مقصود (500 هكتار من الاشجار المعمرة). وهذا الحرج موجود بين أكروم وعندقت والقبيات وبيت جعفر وهو كبير جداً. فمنذ إحتراقه ترتاد إليه الناس للتحطيب إما للإستعمال الشخصي او التجارة، وهذه الفوضى منتشرة أكثر كلما ازداد إرتفاع البلدات عن سطح البحر، مما يزيد التعدي على الغابات».
ويختم: «المازوت تم إلغاؤه بشكل عام من قاموس المشتريات، فصفيحة المازوت سعرها مليون ليرة، وتكفي العائلة 3 أيام على الاكثر، في حين أن طن الحطب بـ4 ملايين ويكفيها 15 يوماً وربما أكثر إذا تم إستعمال جفت الزيتون معها والذي يتم بيعه في عكار (جفت الزيتون) بالطن، لكن تختلف الاسعار من بلدة لأخرى لكنها تقارب سعر الحطب».
الغاز ملاذ البيارتة
في بيروت، الغاز والكهرباء هما أساس التدفئة، وبما أن كهرباء الدولة غائبة بشكل شبه دائم، مقابل إرتفاع أسعار الاشتراك بالمولدّات الخاصة، من المرجّح أن يبقى الغاز الخيار الأنسب لمعظم العائلات. ويبلغ سعر قارورة الغاز 450 ألف ليرة، وهي تكفي 5 أيام على الاكثر في أيام البرد القاسية، ما يوازي 8 قوارير شهرياً، أي ستكون الكلفة ما يقارب 3 ملايين ونصف شهرياً، هذا عدا الطبخ واحتمال تسخين المياه على الغاز بسبب انقطاع الكهرباء.
ترى فاطمة نعيم (60 عاماً) لـ»نداء الوطن» أن فاتورة التدفئة، مهما بلغ إرتفاعها تبقى أرخص من فاتورة الاستشفاء، إذ كلفة أدوية الزكام العادي مع زيارة الطبيب لن تقل عن مليون ليرة. لذلك تفضل دفع ثمن قارورة الغاز على أن تمرض وتشعر بالآلام، خصوصاً أنها وزوجها يتقدمان في السن، ولم يعودا قادرين على تحمل البرد كما في أيام الشباب».
الأسعار بحسب دولار السوق السوداء
على ضفة التجار والمستوردين، يشرح عضو نقابة اصحاب محطات المحروقات جورج براكس لـ»نداء الوطن» أنه «الى الآن لم نلاحظ إرتفاعاً ملحوظاً بالطلب على شراء المازوت، لأن الطقس لا يزال مقبولاً حتى في المناطق الجبلية. أما مناطق البقاع الشمالي فأغلب المازوت الذي يشتريه الاهالي من سوريا، بسبب فارق الاسعار والتداخل الجغرافي بين القرى اللبنانية والسورية». مشيراً إلى أنه «في الايام المقبلة سيزداد الطلب على المازوت، لأن الناس سيبدأون بالتموين وهم يتأخرون في هذه الخطوة، بسبب الاسعار المرتفعة ( 1100 دولار لطن المازوت)».
يضيف: «إرتفاع الاسعار اكثر على المستوى الدولي إلى الآن غير متوقع. وفي لبنان، إرتفاع اسعار المازوت يرتبط بإرتفاع سعر الدولار في السوق السوداء، وهذا عامل إضافي وعلينا أن نترقب لنعرف التطورات أكثر، أما الغاز فبات مستعملاً في المناطق الجبلية، ولكن سعر القارورة وصل إلى نصف سعر المازوت، لكنها لا تكفي للتدفئة لنفس عدد الايام، ولذلك كلفة التدفئة بين الغاز والمازوت هي نفسها».
التحطيب بطريقة جائرة
يؤكد وزير الزراعة في حكومة تصريف الاعمال عباس الحاج حسن لـ»نداء الوطن»، أن «عمليات القطع للحطب كانت تتم بطريقة جائرة ومؤلمة جداً، وحتى تاريخه سطّرت الوزارة ما يقارب 1400 محضر ضبط بحق المعتدين، وهو رقم كبير لكن لا يكفي، لأن المحاضر غالباً ما تبقى من دون تنفيذ، بسبب الشلل الحاصل في الجسم القضائي، وهذا ما إنعكس سلباً على القطاع الحرجي والغابات».
يضيف: «السؤال الأهم هل تستطيع وزارة الزراعة لوحدها، بإمكانياتها (من دون مأموري أحراج ) ان تقوم بواجباتها؟ بالطبع لا، هي تعمل بـ30% من طاقتها، لكننا تعاونا مع البلديات لمساعدتنا على تخفيف التعديات قدر الامكان»، موضحاً أنه «في الشق القانوني عملنا على توسيع صلاحيات المصالح، والمراكز في ما يتعلق بتسهيل الاذونات والتراخيص للتشحيل، ولكن ذلك لا يلغي أن الازمة كبيرة، وتحتاج إلى تضافر جهود».
ويختم: «نحضّر، كوزارة زراعة، لمشروع قانون في مجلس النواب، لتحديث قانون الغابات بشكل عام، وأنا مع تشديد العقوبات على المعتدين على الأشجار لتكون رادعاً لكل مرتكب».