بعد عام ونصف عام على استيراد نحو 5 آلاف طن من القمح الفاسد نتيجة احتوائه على «تكتل متعفّن»، وفق ما بيّنت فحوصات وزارة الزراعة، ما دفع وزير الزراعة عباس الحاج حسن إلى طلب احتجاز الشحنة، لم تتوقف محاولات الشركة المستوردة، «شبارق ش. م. ل.»، للالتفاف على القانون، وسط شبهات حول تدخلات ووساطات من أجل الإفراج عن الشحنة وتوزيعها على المطاحن.ويبدو واضحاً أن الملف لم يعد يتعلق بنتائج الفحوصات وبمدى مطابقة الشحنة للمواصفات بقدر ما دخل في النفق نفسه الذي تسلكه كل قضايا الفساد. فقد سجّلت هذه الشحنة رقماً قياسياً في العينات التي أُخذت منها لفحصها في مختبرات مختلفة، فضلاً عن إجماع خبراء على أن مدة التخزين منذ وصولها إلى المرفأ في شباط 2023 كافية لجعل القمح غير صالح للاستهلاك مهما كانت ظروف تخزينه. وبالتالي السؤال الرئيسي اليوم هو حول مدى نجاح مساعي صاحب الشركة ووساطاته وضغوطاته على القضاء والوزراء لإخراج القمح ومن سيكون صاحب القرار النهائي في هذا الملف.
واللافت تنصّل مسؤولين في الدولة من دورهم الرقابي في الحفاظ على السلامة الغذائية للمواطنين. فبعد طلب رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل هيلانة اسكندر من وزير الاقتصاد أمين سلام، الشهر الماضي، تكليف مصلحة حماية المستهلك بمعاينة القمح مرة أخرى، وصدور نتائج متضاربة باعتبار العيّنة المأخوذة من الصوامع في مرفأ بيروت «ملوّثة وتحتوي على الحشرات» فيما تلك المأخوذة من مخازن الشركة «مطابقة للمواصفات»، عادت الأمور إلى المربع الأول، مع رفع وزير الاقتصاد تقريراً «حيادياً» إلى اسكندر لم يتخذ فيه أي موقف واضح. وبحسب المصادر، فقد اعتبر سلام أن الحسم في المسألة ليس من مسؤوليته، مكتفياً برفع ما خلص إليه مختبر البحوث الصناعية، رغم أنه، بعد تلقيه النتائج من المختبر، أعاد تكليف اثنين من خبراء سلامة الغذاء للتدقيق فيها، خلصا إلى حدوث خطأ في طريقة سحب العينات وعدم وضوح آلية معالجتها. عندها، لاحظ مدير مصلحة المستهلك أن ثمة شحنة لم تؤخذ عينة منها، فأعاد تكليف مراقبين بتكرار الفحص. وعلمت «الأخبار» أن النتيجة جاءت كما سابقتها باعتبار الشحنة في المرفأ «ملوّثة» والشحنة المخزّنة لدى الشركة «مطابقة»، وهو ما تضمّنه التقرير النهائي الذي تسلّمته القاضية اسكندر، وقالت لـ«الأخبار» إنها ستحيل النتيجة إلى وزير الزراعة ليتخذ قراراً بشأنها، فهي ليست «مخوّلة بإصدار أي حكم بالنيابة عن الوزارة». وبالتالي، عادت الكرة إلى ملعب وزير الزراعة الذي يفترض أن يقرر ما إذا كان سيتحمّل مسؤولية إدخال 5500 طن من القمح المستورد منذ عام ونصف عام وتوزيعها على المطاحن أم سيتمسك بقراره بالحجز على الشحنة.
تجدر الإشارة إلى أن صاحب الشركة سبق له أن اعترض على قرار الحاج حسن وعلى نتيجة فحص مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية، أي مختبر وزارة الزراعة الرسمي، لدى قاضي الأمور المستعجلة في المتن الشمالي رالف كركبي الذي عيّن خبيراً أصدر تقريراً في أيلول 2023 بأن الشحنة صالحة للاستهلاك، رغم رفض مسؤولي المختبر تسلّم العينة من الخبير بسبب تسوّسها وخوفاً من انتشار السوس في المختبر. فلم يحل دون إصدار القاضي قراراً بالسماح لشركة «شبارق» بتوزيع القمح في السوق نتيجة ما اعتبره «انقضاء مهلة اعتراض الدولة ممثّلة بهيئة القضايا على القرار الصادر عن المحكمة».