يعنّ على بال الحكومة الحالية رفع “الدولار الجمركي”، تماماً كما عنّ على بال الحكومة السابقة لتحقيق إيرادات سريعة بهدف تعزيز رواتب القطاع العام المتآكلة وبدل النقل… إلا أن هذا “الموّال” الذي سيرفع احتساب الرسم الجمركي من السعر الرسمي أي 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد الى مستويات عالية قد تصل إلى 12 ألف ليرة أو أكثر لتكون قريبة من سعر دولار “منصّة صيرفة” والذي بلغ أمس 18000 ليرة مع القفزات التي يحققها الدولار في السوق السوداء، سيكون له تداعيات وخيمة على الإقتصاد عموماً والمواطن خصوصاً.
ويرى رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شمّاس خلال حديث مع “نداء الوطن” أنّ تخفيض النفقات يبقى أفضل من زيادة الواردات”، موضحاً أن “النتيجة المحاسبية هي نفسها، لكن الإنعكاس على الإقتصاد اذا ما تمّ رفع دولار الرسم الجمركي، يختلف كلياً للأسباب التالية:
أولاً، يجب مراعاة إتفاقيات لبنان الخارجية في المبادلات التجارية، ولبنان منذ أكثر من 20 سنة متّجه صوب تخفيض التعرفات الجمركية باعتبار أن هذا الخيار جيّد، بحيث تسمى الرسوم الجمركية ضريبة رجعية، وهي ليست ضريبة حديثة أو محفّزة للنشاط الإقتصادي.
ثانياً، ستزيد الأسعار الإستهلاكية بشكل كبير. اذ ستحصل هناك تراكمات في كل حلقة من السلسلة التجارية وبالتالي سيصل السعر النهائي الى المستهلك بشكل مضاعف.
ثالثاً، خلافاً للضريبة على القيمة المضافة التي يمكن للبناني غير المقيم اي المغترب الذي يزور بلده أو حتى السائح إسترجاعها، فإن التعرفة الجمركية لا يمكن استعادتها، وستصبح جزءًا لا يتجزّأ من التكلفة التي يتكبدها المقيم وغير المقيم على حدّ سواء.
رابعاً، ستزيد بنية الأكلاف في لبنان بشكل كبير، وخاصة اذا لم يتمّ استثناء المواد الأولية الضرورية للصناعة. فالمنطق يقول انه يجب استثناؤها واذا لم يحصل ذلك، فيكون هذا الأمر مدخلاً الى عدد كبير من السلع الصناعية”.
وشدّد شمّاس على أنه “كنتيجة لرفع سعر دولار التعرفة الجمركية، يبقى الخوف أن يصبح لها مفعول سلبي على الإستهلاك لغير المقيمين، وبالتالي يصبح لبنان منفّراً للسياحة التجارية وهي نقطة أساسية جداً”. فالدولة التي تسعى الى تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، “تعطي عند رفع سعر الدولار الجمركي مساعدات مالية بيمينها وتسحبها بيسارها، وتكون بذلك أدخلت الإقتصاد بدوامة في غاية الخطورة سأطلق عليها تسمية “التضخم الحلزوني” la spirale inflationniste ما سيفاقم الوضع ويضرب القدرة الشرائية أكثر”.
ومن وجهة نظر شماس فإنه “بدل رفع الدولة التعرفات الجمركية، يجب أن تسعى الى توسيع قاعدة المكلّفين باعتبار أنه يوجد مكلّفون مكتومون، فضلاً عن توسيع الصحن الضرائبي. والأهم اذا رفعت التعرفات الجمركية ولم يتم لجم التهريب تكون الدولة بذلك تعطي الأفضلية والأولوية للمهرّبين على حساب التجار الشرعيين، فتتوسع مساحة الإقتصاد الرمادي ويتراجع الإقتصاد الأبيض”.
محاذير عديدة سيواجهها البلد اذا ما أقدمت الحكومة على رفع الدولار الجمركي، ومن هنا يشدد شماس على وجوب التوقف عند هذه المحاذير، ودرس تداعياتها باعتبار أن “التدابير المتسرّعة والأحادية يمكن أن يكون لها مفعول عكسي وتؤذي الإقتصاد أكثر من العودة بالفائدة على المجتمع”.