صراع التجاري يتصاعد بين أميركا والصين وسط محاولات لاستئناف المفاوضات

قالت وزارة التجارة الصينية، إنّ الصين والولايات المتحدة اتفقتا على إجراء محادثات تجارية “في الأيام المقبلة” لتقييم التقدم المحرز في اتفاق “المرحلة 1” التجاري، بعد مرور ستة أشهر على إبرامه، في يناير/ كانون الثاني الماضي.

يأتي ذلك، فيما يشهد التنافس بين الولايات المتحدة والصين للهيمنة على التجارة العالمية تصعيداً متسارعاً في هذه الآونة، وهو تصعيد اشتدت سخونته في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يتطلع إلى الفوز بولاية ثانية، بعد وصوله إلى البيت الأبيض قبل نحو أربع سنوات.

ويرى المراقبون أنّ الولايات المتحدة باتت الآن، تضع على رأس أولوياتها الاستراتيجية، احتواء صعود القوة الصينية بكل الوسائل، باعتباره يشكل تهديداً لأمنها القومي.

واندلعت الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة منذ نحو عامين، وسبّبت تباطؤ الاقتصاد العالمي.

وقد فاقمت جائحة كورونا “كوفيد – 19” من حدة الصراع التجاري بين عملاقي الاقتصاد العالمي بعد أن فتح اتفاق الجانبين، في مطلع العام الجاري، على تعديل الميزان التجاري بينهما الذي يميل إلى مصلحة الصين، حيث تعهدت الأخيرة بشراء سلع أميركية المنشأ بقيمة 200 مليار دولار خلال السنتين المقبلتين، غير أن تعثر تنفيذ الاتفاق مع توقف المبادلات التجارية على المستوى العالمي، ألغى ما اعتبره المراقبون هدنة في الحرب التجارية بينهما، وفي ضوء ذلك استأنف الرئيس الأميركي مساعيه للضغط على الشركات الصينية التي بدأها بشركة “هواوي” في 2018.

وذكرت مصادر مطلعة أنّ إدارة ترامب ستعلن تشديداً إضافياً للقيود على شركة “هواوي” بهدف تضييق الخناق على وصولها إلى الرقاقات المتاحة تجارياً من دون ترخيص خاص، ومن ضمنها الرقاقات التي تصنعها الشركات الأجنبية التي طُوِّرَت أو أُنتِجَت باستخدام برامج أو تكنولوجيا أميركية.

وقال ويلبر روس، وزير التجارة الأميركي، في بيان: “عملت هواوي والشركات التابعة لها من خلال أطراف خارجية لتسخير التكنولوجيا الأميركية بطريقة تقوض الأمن القومي الأميركي ومصالح السياسة الخارجية”.

وتأتي هذه الخطوة بعد يوم واحد من إعلان الرئيس الأميركي عزمه على بحث حظر شركة “علي بابا ” الصينية العملاقة للتجارة الإلكترونية، ولسبب قد يقترب من سبب ضغطه لتصفية أعمال شركة “بايت دانس” المشغّلة لتطبيق “تيك توك”، وهو مخاوف بشأن سلامة البيانات الشخصية لمستخدميه.

وأيضاً على غرار شركة “هواوي” حيث وضعتها وزارة التجارة الأميركية في العام الماضي على قائمة الكيانات المحظورة بسبب ما وصفته الوزارة بالمخاوف الأمنية.

ومن البديهي القول إن هذه الأسباب هي مجرد قمة الجبل الجليدي الضخم الذي يخفي تحته المخاوف الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية التي تراكمت خلال العقدين الماضيين بين الجانبين.

ومنذ بدأت الصين والولايات المتحدة الأميركية التبادل الدبلوماسي عام 1979، ظلت علاقاتهما السياسية متذبذبة يحددها الدعم الأميركي لتايوان ووجودها العسكري في بحر الصين الجنوبي وفي القارة الآسيوية عموماً، غير أن علاقاتهما الاقتصادية والتجارية لم تتأثر.

وبدأ نجم الاقتصاد الصيني بالصعود منذ نحو ثلاثة عقود بتأييد أميركي يفسره المحللون بأن واشنطن كانت تأمل تقارب نموذجيهما الاقتصاديين وتكاملهما أو استنساخ النموذجين الياباني والكوري الجنوبي.

ودعمت واشنطن انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، وصارت الصين المورد الأول في العالم للأسواق الأميركية، وظل الأمر كذلك حتى يناير/ كانون الثاني من عام 2018، ثم تراجعت في 2019 إلى المركز الثالث عندما بدأ التحول الاستراتيجي الأميركي نحو الصين بسلسلة من تبادل كل من بكين وواشنطن فرض العقوبات التجارية.

وفي ضوء تصاعد الصراع التجاري بين البلدين أو ما يوصف بأنه حرب باردة جديدة، قد يفتح أفق احتمالات تطوره من حرب تجارية إلى مواجهة عسكرية بينهما حذر منها تقرير أعدته وزارة أمن الدولة الصينية في شهر إبريل/ نيسان الماضي التي نصحت بالاستعداد للسيناريو الأسوأ، وهو المواجهة العسكرية.

ومن رؤية اقتصادية، فإن النفقات العسكرية الأميركية تثقل كاهل الموازنة السنوية لواشنطن بما يفوق كثيراً حجم النفقات العسكرية الصينية. وذكر تقرير لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري” بشأن عام 2019، وصدر يوم 27 إبريل/ نيسان الماضي، أنّ الولايات المتحدة زادت نفقاتها العسكرية بنسبة 5.3% إلى 732 مليار دولار مقارنة بعام 2018، وهو ما يمثل 38% من مجموع الإنفاق العالمي، تتبعها الصين بـ 261 مليار دولار، بزيادة قدرها 5.1% على أساس سنوي.

وأوضح التقرير أن الصين “أعلنت سعيها إلى التنافس مع الولايات المتحدة كقوة عسكرية عظمى”، ولا تزال النفقات الأميركية هي الأعلى في العالم وتوازي تقريباً مجموع نفقات الدول التالية (الصين، الهند، فرنسا، روسيا، بريطانيا، ألمانيا واليابان).

ووفقاً للمراقبين، فإنّ قسماً كبيراً من النفقات العسكرية الأميركية يذهب إلى الوجود العسكري الأميركي في مختلف أنحاء العالم، وقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أكثر من مرة أنه يسعى إلى خفض أو تعويض هذه النفقات، سواء بتقليص الانتشار العسكري، أو بتحميلها على كاهل الدول المستضيفة.

وتمددت الاستثمارات الصينية الخارجية، وبخاصة في القارتين الآسيوية والأفريقية، دون أن يرافقها إنفاق عسكري يذكر، ولم تتواجد الصين عسكرياً إلا في وقت متأخر عندما أقامت في عام 2015 قاعدة بحرية في جيبوتي التي تشرف على ممر باب المندب الاستراتيجي. وكانت سابع دولة تنشئ قاعدة عسكرية في جيبوتي وبلغت تكلفة بنائها 590 مليون دولار.

غير أن الصين لم تحصر وجودها هناك عسكرياً فقط، فقد ضخت استثمارات كبيرة في مشاريع البنية التحتية هناك، كالمطارات الدولية وخطوط السكك الحديدية التي تمتد إلى إثيوبيا غير الساحلية، وعلى سبيل المثال أنشأت خط السكة الحديد الكهربائي الإثيوبي الجيبوتي بقيمة 4 مليارات دولار، وموّلت شبكة أنابيب مياه تزيد قيمتها على 300 مليون دولار لنقل مياه الشرب من إثيوبيا إلى جيبوتي، كذلك أنفقت بكين مئات الملايين من الدولارات لتحويل ميناء جيبوتي إلى أكبر ميناء في المنطقة.

وتُعَدّ القاعدة العسكرية الصينية مصدر دخل مهم لجيبوتي، تدفع الصين 100 مليون دولار سنوياً حتى عام 2026 كإيجار، وهو مبلغ يفوق بكثير ما تدفعه الولايات المتحدة وفرنسا.

وفي سياق متصل، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ، في يونيو/ حزيران الماضي، أن بكين ستلغي ديون بلدان أفريقيا، التي تشمل قروض حكومية دون فوائد مستحقة الدفع بحلول نهاية عام 2020.

وجاء هذا القرار خلال مؤتمر “القمة الاستثنائية الصينية الأفريقية” للتضامن في مواجهة وباء كورونا “كوفيد-19” عبر تقنية الإتصال المرئي.

وبحسب بيانات مبادرة البحوث الصينية الأفريقية لدى جامعة “جونز هوبكنز” الأميركية، فإنّ إجمالي القروض التي حصلت عليها البلدان الأفريقية من الحكومة والبنوك الصينية، بلغ قرابة 143 مليار دولار، خلال الفترة بين عامي 2000 2017.

يُشار إلى أن الصين توصف عادة بأنها محرك هائل للنمو الاقتصادي العالمي، ومنذ الأزمة المالية العالمية في 2008-2009 ولغاية العام الماضي، ساهمت الصين بنسبة 42 بالمائة في إجمالي النمو الاقتصادي العالمي.

وفي عام 2019 وحده، أضاف النمو في الصين إلى الاقتصاد العالمي مبلغاً يعادل الناتج المحلي الإجمالي لسويسرا أو ما يزيد على 700 مليار دولار أميركي، كذلك فإن تزايد الطلب الكلي في الصين كان له تأثير داعم كبير امتد إلى أسعار السلع الأساسية والأسواق الناشئة والاقتصادات المفتوحة الأخرى.

وحسب تقرير صدر في مايو/ أيار الماضي، فإن حجم الانتعاش الاقتصادي ومداه في فترة ما بعد “كوفيد-19 ” سيعتمد إلى حد كبير على الأداء الاقتصادي للصين، وبالتالي يراقب المستثمرون وصانعو السياسات باستمرار علامات القوة أو الضعف الصادرة عن هذا العملاق الآسيوي، وهذا بدوره يطرح السؤالين الآتيين: مع تجاوز الصين لذروة انتشار الوباء وشروعها في إلغاء تدابير التباعد الاجتماعي الشاملة، كيف يسير أداء اقتصادها؟ وماذا يمكن أن نتوقع في المرحلة القادمة؟

مصدرالعربي الجديد
المادة السابقةمصرف لبنان يتلاعب بمصير طلاب الخارج.. “والدولار الطلابي” مستبعد
المقالة القادمةتسريبات تكشف عن هاتف الفئة S القادم من سامسونغ