«ماركات» وأسماء وأشكال وألوان وروائح مختلفة من موادّ التنظيف والصابون والمطهّرات غزت الأسواق في الأشهر الأخيرة، غالبيتها العظمى لم يسمع بها أحد قبل أشهر. انهيار القدرة الشرائية دفع كثيرين إلى البحث عن بدائل لمواد التنظيف والسوائل التي اعتادوا استعمالها سابقاً، بعدما باتت هذه خارج استطاعة كثيرين للوصول إليها. انتشار «كورونا» و«حمّى التعقيم» التي رافقته ساهما في ازدهار هذه «الصناعة» التي باتت مورد عيش كثيرين، خصوصاً أنها لا تحتاج إلى تقنيات عالية. هكذا تنتشر معامل بدائية لـ«طبخ» هذه المواد في الجنوب والبقاع وجبل لبنان، وداخل المخيمات الفلسطينية في بيروت. مواد وسوائل بأسماء وهمية أو بلا أسماء، وهي في الحالتين بلا مواصفات ومقاييس، تُطرح في المحالّ التجارية أو تُباع «أونلاين»، وتشهد إقبالاً كبيراً من دون الالتفات إلى نوعيتها وطريقة تصنيعها وتركيبتها وما إذا كانت تتسبّب بأضرار صحية أو مادية. فيما أكّد المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر لـ«الأخبار» أن هذه السنة «شهدت إقبالاً غير مسبوق على تسجيل علامات تجارية جديدة في وزارة الاقتصاد، خصوصاً من المعقّمات والمنظّفات».
سائل جلي بعطر الليمون أو التفاح، صابون سائل، كلور، مطهّرات بعطر الصنوبر أو اللافندر متعددة الاستعمالات للمساحات والأرضيات، شامبو بحجم عائلي، معطّرات، مساحيق بودرة للغسيل… كل ما يمكن تخيّله من أدوات التنظيف بات يُصنّع يدوياً. خالد يوسف، أحد هؤلاء الذين امتهنوا «صناعة» مواد التنظيف مع بداية ارتفاع أسعار السلع، واعتمد لمُنتَجاته اسمين تجاريين، يؤكّد لـ«الأخبار» أنه حاز شهادة صناعية من وزارة الصناعة، مقراً بأنه ليس كيميائياً، ولكن «يمكن لأيّ كان أن يتعلم التركيبة من اليوتيوب ويطبقها… وببعض الممارسة يصبح خبيراً».
سعيد كنج الذي أجرى دراسة بهدف افتتاح معمل لصناعة التنظيفات، لفت إلى أن «مشكلة غالبية المنتجات المطروحة في السوق لا تكمن في المواد الخام التي يحتاج إليها المنتج لأنها هي نفسها في كل المنتجات، وإنما في نسبة تركيز هذه المواد في المنتج». وأوضح أن هذه النسب «دون المستوى في معظم هذه المنتجات ما يجعل السلعة غير ذات جودة. إذ يعمد كثيرون إلى استبدال بعض المواد الخام النشطة الأساسية التي يكون المنظّف من دونها بلا فعّالية، بكميات كبيرة من الملح المخصّص للتصنيع، وهو رخيص الثمن إذ لا يتجاوز سعر الكيلو منه 600 ليرة، تضاف إليه مواد لزجة وعطرية، ما يؤدي إلى تلف الغسالات والثياب». وأشار كنج إلى أن المواد الأساسية الخام المستخدمة في التصنيع هي كلوريد الأمونيوم، سميسول، ببورات الصوديوم، سلفونيت، غليسرين، مواد صبغية، صودا كاوية، كلوروكسيلينول، وأنواع من الزيوت، وهي تُستورد من مصر وسوريا والسعودية والصين وأندونيسيا، فيما تُستورد المواد العطرية من الهند.
وإلى المنظّفات والسوائل التي لا «ترغي» ولا تنظف، يعمد بعض من يعملون في هذا «الكار» إلى تزوير علامات تجارية معروفة. إذ يعمدون إلى شراء العبوات المستعملة لهذه «الماركات» ويعيدون تعبئتها بمواد مصنّعة وتباع للزبون كـ«عروضات خاصة»، بأسعار تقترب من سعر المنتج الأصلي.
مديرة مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية (ليبنور)، لانا درغام، حذّرت من أن عدم التزام هذه الصناعات بالمواصفات «يشكّل خطورة على الإنسان، خصوصاً مع وجود مواد مثل سولفايتس وغيره من الكيميائيات التي تؤثر في الجهاز التنفسي ناهيك بالتلوث الذي تلحقه بالطبيعة». ولفتت إلى أن المؤسسة «حدّدت مواصفات ومعايير لصناعة المنظّفات والمعقّمات تضمّنت الشروط الكيميائية والميكروبيولوجية بما يحافظ على صحة الإنسان والسلامة العامة والبيئة، وهذه المواصفات صدرت بموجب مرسوم له صفة الإلزام القانوني ويفترض أن تراقبه الوزارات المعنية، كل بإطار صلاحياتها». درغام نبّهت من أن «غياب الرقابة سيجعل دائرة الفلتان تتسع»، مشدّدة خصوصاً على ضرورة الرقابة على مستويين: سواء منح تراخيص التصنيع من وزارة الصناعة، وفي ضبط الأسواق ومراقبتها من وزارة الاقتصاد».
ولأن «لبنان من أنشط الدول على مستوى الأمراض السرطانية، وهذه السلع قد تزيد من هذه الأمراض»، حذّر رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو من «شراء هذه الغالونات من دون الالتفات إلى العلامة التجارية والمعايير ومكان التصنيع». وأشار إلى أنه «في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها البلد فإن مجالات الاسترزاق ستزيد، وهي لا تقتصر على مواد التنظيف وإنما حتى على مستوى الصناعات الغذائية. فيما وزارة الاقتصاد منشغلة بمهمة دعم الغذاء والدواء والمحروقات ومراقبة أكثر من 22 ألف نقطة بيع». انطلاقاً من ذلك، ينبغي وفق برو، «وقف الدعم ومنح بطاقات للفقراء ما يساعد وزارة الاقتصاد على التفرغ لمهمتها الأساس في مراقبة البضائع الموجودة ونوعيتها ووقف كل ما هو غير مرخّص لما قد يحمل من مخاطر على الصحة العامة». الوزارة التي دهمت قبل أسبوع مصانع لمواد تنظيف في الشمال تقرّ، على لسان مديرها العام، أنها «مش لاقطة السوق حتى الآن»، وأنها تعتمد اليوم على الشكاوى التي تردها من المواطنين، ولفت أبو حيدر إلى أنه رفع كتاباً إلى نقابة أصحاب السوبرماركت ومحال البيع «لتزويد الوزارة بمعلومات حول السلع المنتجة محلياً والتي تُعرض في السوق للمرة الأولى، من أجل أخذ عينات وفحصها على نفقة المُصنّع». علماً أن غالبية هذه المواد تُباع في المحال الصغيرة غير المنتسبة إلى النقابة، وخصوصاً في الأحياء والضواحي الشعبية.