تعاني القطاعات الاقتصادية من النزيف المتزايد في مقوّمات الصمود الذي تتمسّك به حتى الرمق الأخير. وأبرزها على الإطلاق قطاعا الزراعة والصناعة، عامودا الاقتصاد وديمومة إنتاجه… لكن عراقيل جمّة تقضّ مضاجع الصناعيين والمزارعين في ظل أعتى أزمة مالية واقتصادية عالمية إنما أشدّها في لبنان حيث الانهيار النقدي يصيب عمق الاقتصاد وعصبه.
فالصناعة اللبنانية على رغم تعويلها الأساس على التصدير كون السوق اللبنانية لا تشكّل القسم الأكبر من إنتاجها. يبقى للصادرات الصناعية الفضل في صمودها واستمراريّتها وتوسّعها”.
إنما للمشكلات التي تواجهها الصناعة الوطنيّة أوجهٌ عديدة، تتظهّر على سبيل المثال لا الحصر، في:
– تراجع سوق الاستهلاك بنسبة 50% على الأقل.
– انخفاض القيمة النقدية للسوق حيث خفّضت المصانع أسعار منتجاتها.
– استمرار المضاربة على البضائع اللبنانية عبر تعزيز الاستيراد، على رغم أن الصناعة اللبنانية أخذت مكاناً كبيراً من الاستيراد في الفترة الأخيرة.
– تفشّي الاقتصاد غير الشرعي الذي يمثّل 70% من مجمل الاقتصاد الوطني. فمراكز الجمارك في مرفأ بيروت تراقب المواد الأوّليّة للصناعة وبعض المنتجات، والسيارات والآليات. أما ما تبقى فيدخل في نطاق “الاقتصاد غير الشرعي” الذي لا ي الرتهرّب من تسديد الرسوم الجمركية وضريبة الـTVA وغيرها…
فالصناعة الوطنية تواجه من جهة مضاربة الاقتصاد غير الشرعي، ومن جهة أخرى تتحمّل عبء الضرائب والرسوم الجمركية المفروضة عليها، من دون أن توفّر الدولة لها أي حوافز.
لذلك وجُب التأكيد أنه لو تم ضبط “الاقتصاد غير الشرعي” عبر أجهزة الدولة المعنية، لكان لبنان حقق ازدهاراً لافتاً في قطاعيه الصناعي والتجاري على السواء.
الزراعة ليست في أفضل حال
أما القطاع الزراعي فله شؤونه وشجونه.. فلبنان يستورد أكثر من 70% من احتياجات السوق المحلية، بعدما كان يستورد في السابق مناصفة 50% مقابل 50%. كما أن حجم التصدير يتدنّى اليوم إلى أقل قيمة له منذ عشرات السنوات، وأصبح لا يتعدّى الـ250 ألف طن في العام 2023، بعدما كان يسجّل 550 ألف طن.
ولهذا الواقع عوامله، أبرزها الضريبة المرتفعة على الشاحنات اللبنانية التي تمرّ عبر الحدود السورية إلى الأردن والعراق وغيرهما… وهذه الضريبة معمول بها منذ العام 2015 تفرضها سوريا على الشاحنات المحمّلة بالإنتاج اللبناني، حيث تدفع الشاحنة التي تمرّ عبر الأراضي السورية إلى العراق ضريبة بقيمة 5 آلاف دولار، وإلى الأردن ذهاباً وإياباً بـ1500 دولار.
وشكّلت هذه المشكلة كانت المادة الدسمة على طاولة المباحثات اللبنانية -السورية في الاجتماع الأخير الذي عُقد في دمشق والذي جمَع ممثلي القطاع الزراعي من لبنان وسوريا وشارك في جزء منه وزيرا الزراعة اللبناني والسوري، حيث طالب الجانب اللبناني بإلغاء هذه الضرائب المرتفعة المفروضة على الشاحنات اللبنانية… وكان هناك وعد بحل هذه المشكلة لكن حتى الآن لم يُترجم على أرض الواقع.
وهذه الأزمة تُضاف مشكلات عديدة يواجها القطاع الزراعي، وأبرزها:
– ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي، الأمر الذي يرفع من كلفة الإنتاج لأن مشتريات المستلزمات الزراعية مدولرة بالكامل، فيما المزارع اللبناني لا يزال يبيع منتجاته بالليرة اللبنانية.
– إقفال السوق السعودية أمام المنتجات اللبنانية منذ ثلاث سنوات، بعدما كانت أكبر مستورد للإنتاج اللبناني من بين عشر دول منذ عشرات السنين.
– إقفال المملكة العربية السعودية حركة الترانزيت في وجه الشاحنات اللبنانية، ومنعتها من المرور برّاً عبر أراضيها للتوجّه إلى الكويت ودبي والبحرين، الأمر الذي يُعيق عملية التصدير.
هذه الوقائع بأرقامها، تستدعي جهوداً حثيثة من قِبَل الدولة اللبنانية لإراحة هذين القطاعين على أهميّتهما، حفاظاً على ما تبقى من الإنتاج ومن الموظفين والعمال، كي تبقى الصناعة والزراعة راسختين في حاضر لبنان ومستقبله، كما هما في تاريخه. لكن إن لم يجهد أركانها لانتخاب رئيس للجمهورية، فهل سيفعلون لإنقاذ هذين القطاعين؟!