خلال شهر آذار المقبل، ستصل إلى العاصمة بيروت بعثة من صندوق النقد الدولي، لاجراء جولة لقاءات وفقاً للمادة الرابعة من اتفاقية تأسيس الصندوق، وذلك جرياً على العادة السنوية، إذ يقوم الفريق بزيارة البلد العضو ويجمع معلومات اقتصادية ومالية ونقدية، ويجري نقاشات مع المسؤولين الرسميين حول التطورات الحاصلة من سنة الى أخرى. وستكون مناسبة أيضاً لتقييم التقدم الحاصل على صعيد تنفيذ الاصلاحات الواردة في الاتفاق الذي وقعه لبنان مع الصندوق على مستوى الموظفين. فذلك التنفيذ بطيء جداً، وسيسعى فريق الصندوق للوقوف من كثب على العراقيل واسباب التأخير. ومن المرتقب أن ينتج عن جولة بعثة الصندوق المقبلة، بيان ختاميّ يلخّص ما توصّلت إليه البعثة في زيارتها.
نواب في واشنطن
على صعيد متصل، تشير مصادر مواكبة لزيارة الوفد النيابي الأخيرة إلى واشنطن، إلى أنّ رأي الصندوق بات واضحاً منذ اللحظة في العديد من الملفّات التي ستتناولها جولة شهر آذار المقبل. مع الإشارة إلى أنّ وفداً نيابيّاً مؤلّفاً من نائب رئيس مجلس النوّاب الياس بو صعب والنوّاب نعمة افرام وياسين ياسين ومارك ضو، عقد خلال الأسبوع الماضي جولة من اللقاءات مع مسؤولي صندوق النقد والبنك الدولي، ما سمح بتلمّس توجهات هؤلاء المسؤولين تجاه أبرز الملفّات التي ستتناولها جولة بعثة صندوق النقد المقبلة.
الأداء الحكومي والنيابي غير جدّي
يقول ياسين لـ»نداء الوطن»: «ما سمعناه بالمباشر من رئيس بعثة الصندوق إلى لبنان إرنستو راميريز ريغو، إن الصندوق مستاء وغير راض عن الأداء الحكومي والنيابي لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة، لعدم تنفيذ أيّ منها. وشدد ريغو أن على الحكومة صياغة عدد من القوانين، لتقديمها للبرلمان لدراستها وإقرارها. وعلى مصرف لبنان أن يقوم بدوره في تنفيذ الاصلاحات».
ينقل ياسين عن ريغو قوله أيضاً إن «الصندوق يريد مساعدة لبنان على إستعادة الثقة. وهذا أمر لن يتحقق إلا عبر الانتقال من الاتفاق المبدئي نحو إتفاق نهائي، وذلك عبر تنفيذ شروط وتهيئة أرضية للتعاون، والانطلاق بين الحكومة اللبنانية وإدارة صندوق النقد، للسير في البرنامج الانقاذي للبنان». وشدد ريغو على أن «هذه الارضية تتضمن تنفيذ 8 إصلاحات، منها إقرار الكابيتال كونترول وتعديل قانون السرية المصرفية وإعادة هيكلة المالية العامة، وإقرار قانون التوازن المالي الذي ينص على معالجة ملف الودائع ورأسمال مصرف لبنان».
كما طالب رئيس البعثة أن «تكون موازنة كل من العامين 2022 و2023 موازنة طارئة وليست عادية. بالاضافة إلى التدقيق في ميزانيات 13 مصرفاً لبنانياً، وإعادة هيكلة المصارف. وأن يتحقق الإستقرار السياسي، أي إنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة أصيلة. بينما اليوم لبنان في حالة فراغ على كل الصعد».
يضيف النائب ياسين في حوار مع «نداء الوطن»: «حين سألت أحد المسؤولين ماذا نفّذ لبنان من هذه الاصلاحات؟ أجابني: لا شيء».
تحايل على القوانين المطلوبة
في تفاصيل ملاحظات الصندوق على الأداء اللبناني، يلفت ياسين إلى أنه «خلال نقاشاته مع الفريق المختص بالحلول، إعتبر هذا الفريق أن موازنة 2022 تعتريها مشاكل عديدة، فهي لا تعالج قضية الأمن الاجتماعي للبنانيين والطبقات الفقيرة. وأيضاً هناك مشاكل في المالية العامة ومؤسسات الدولة مثل كهرباء لبنان والمرفأ والاتصالات. إذ لم يتم إلى الآن تشكيل هيئة ناظمة للكهرباء لأسباب طائفية، وتغيب خطة الجباية عن الخطة المقدمة لإصلاح «كهرباء لبنان». أي أنه تم رفع التعرفة من دون أي خطة للجباية، وهذا يعني أن مؤسسة الكهرباء لن تكون قادرة على الاستمرار».
يسجل الفريق، بحسب ياسين، بأن «هناك مشكلة في الحوكمة والشفافية في طريقة (اعداد ومحاولة اقرار) القوانين الاصلاحية التي يطالب بها الصندوق، ومنها قانون السرية المصرفية على سبيل المثال. فالقانون الذي أوصى به الصندوق مختلف عن القانون الذي أقره البرلمان اللبناني. وأحد الاخطاء الموجودة فيه هو ربط طلب رفع السرية المصرفية بهيئة تابعة لمصرف لبنان لها القرار الاخير بقبول الطلب أو رفضه».
التسوية السياسية ليست بديلاً
يشدد ياسين على أن «لا خطة ثانية للصندوق تجاه لبنان. فالمطلوب تنفيذ الاصلاحات المتفق عليها للإنتقال إلى المرحلة الثانية. ففي الوقت الحالي، لبنان بالنسبة للصندوق هو بلد مفلس»، مؤكداً أنه «بحسب لقاءاته مع مسؤولي صندوق النقد والبنك الدولي وأعضاء الكونغرس، أعلنوا صراحة بأن صبرهم قد نفد من التلكؤ الحاصل. لبنان يملك فرصة حالية لإنقاذ نفسه، لكن في المرحلة المقبلة قد يفقدها. بعد أن يصل إلى مرحلة متقدمة من الانهيار والانكار وإدارة الظهر لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة».
ويرى أنه في تلك المرحلة المتوجس منها «فإن المجتمع الدولي وصندوق النقد لن يدعمانا إلا بتأمين القمح ربما. فلبنان مفلس والطريقة الوحيدة للخروج من هذه الحالة هو تنفيذ الاصلاحات. نحن نعاني من إنهيار القطاع المصرفي ومن خسائر كبيرة في مصرف لبنان، ولدينا مشكلة مع حاملي سندات اليوروبوند». معبراً عن أسفه من أن «المسؤولين السياسيين لا يزالون يراهنون، على تسوية سياسية لحل المشكلة الاقتصادية والمالية. ويرهنون أنفسهم للخارج لحل المشكلة تماماً كما حصل في بداية التسعينات، وهذا أمر لا يُصلح بلداً، ولا يرجع أموال الناس».
محصلة الزيارة بحسب ياسين، هي «أن لا خيارات إلا بتنفيذ الاصلاحات، أو نتحول إلى بلد ينتظر حصصاً تموينية من الخارج لنبقى على قيد الحياة. الخلل الاقتصادي والمالي موجود: علينا إصلاحه بأنفسنا، والادارة الاميركية تقول لنا ساعدوا أنفسكم كي نساعدكم».