بصريح العبارة وعلى الملأ، سمع الممسكون بمنظومة الحكم في لبنان توبيخاً صريحاً ومباشراً من وفد صندوق النقد الدولي الذي أنهى أمس مشاوراته مع كافة الأطراف المعنية بالأزمة بعد اجتماعات ماراتونية دامت نحو اسبوعين. وعقد رئيس البعثة ارنستو راميريز ريغو مؤتمراً صحافياً تحدث فيه عن البطء الشديد في تنفيذ الشروط المسبقة الخاصة بالاتفاق الذي عقد مع لبنان في نيسان الماضي.
لم تكن لهجة الوفد ورئيسه مواربة، بل استخدمت الكلمات المناسبة لعل وعسى تفيق المنظومة من انكارها للأزمة الكارثية التي تدخل عامها الرابع بلا أدنى حل. وكان واضحاً من كلامه أن استمرار السلطة في سياسة الانكار وترقيع الحلول بلا اصلاحات جذرية يعني أنها ستدخل لبنان في دهاليز لا نهاية لها، ومما قاله مسؤولو الصندوق إن “لبنان حالياً عند مفترق طرق خطير، وبدون اصلاحات سريعة ستغرق البلاد في أزمة لا نهاية لها”، مع الاشارة الى استمرار هبوط سعر الليرة وتفاقم التضخم وتسارع مخاطر وتيرة الدولرة وتزايد الهجرة.. وكل ذلك على حسابات فئات جديدة من المجتمع لا تشمل الفقراء فقط بل شرائح الدخل المتوسط أيضاً.
وعن الاصلاحات التي يتحدث عنها المسؤولون اللبنانيون، أكد الصندوق ان تعديل قانون السرية المصرفية الذي أقر ليس صالحاً ، وأن صيغة الكابيتال كونترول المطروحة لا تلبي متطلبات الصندوق ، وغمز الصندوق من قناة مجلس النواب الذي عليه ان يحرز تقدماً أكبر في اقرار التشريعات المطلوبة.
إلى ذلك شددت البعثة على ضرورة الاسراع في الاعتراف بالخسائر الهائلة وتوزيعها بحيث تتم حماية صغار المودعين وتحميل المصارف وكبار المودعين خسائر.
وعن استخدام اصول الدولة لاطفاء الخسائر ورد ودائع لا سيما لكبار المودعين، أكد رئيس البعثة ان ما سمعه يشكل مصدر قلق كبير للصندوق، متسائلاً عن العدالة في ذلك وما اذا كان اللبنانيون يريدون اطفاء خسائر اليوم على حساب كل الأجيال المقبلة، فضلاً عن أسئلة خاصة باستدامة الدين العام ومركز مديونية القطاع العام غير القادر على الاستمرار.
وطلبت البعثة تحركاً فورياً وعاجلاً وحاسماً في ظل التآكل المستمر لاحتياطات العملة الأجنبية، واستمرار تحمل صغار المودعين خسائر فادحة عبر الهيركات القسري، وتعدد اسعار الصرف التي تخلق تشوهات ضارة وتضغط على احتياطات العملات وتحقق الريع لفئات دون أخرى.
وعن المصارف تكرر القول انها فاقدة للسيولة والملاءة والحاجة ماسة لتقييم البنوك تمهيداً لاعادة هيكلتها انما قانون السرية لا يسمح بذلك كما يجب، وينبغي تعديله للضرورة.
تزامناً، أرجأ رئيس مجلس النواب نبيه بري موعد انعقاد هيئة مكتب المجلس ريثما يتم تحضير الأرضية اللازمة لجدول أعمال تشريعي يسنّ “مشاريع واقتراحات قوانين” بعد أن يكون “التيار الوطني الحر” قد أمّن غطاء الميثاقية المسيحية لهدف الثنائي “التشريعي” في ظل الفراغ الرئاسي، وفق ما نقلت مصادر مطلعة على أجواء الاتصالات الجارية في هذا الإطار، مشيرةً إلى اتفاقات حصلت بين الجانبين “لتمرير بعض القوانين وتطيير الانتخابات البلدية”.
بدوره، وبعد التنسيق مع بري، دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مجلس الوزراء إلى الانعقاد في جلسة صباحية يوم الإثنين المقبل، “ببند وحيد يتعلّق بعرض وزير المال الوضعَين المالي والنقدي وانعكاساتهما على القطاعات المختلفة لا سيما على رواتب وأجور وتعويضات العاملين والمتقاعدين في القطاع العام إضافة إلى عرض الانعكاسات على المستخدمين والعاملين الخاضعين لقانون العمل”
وإذ ترمي الجلسة إلى تخدير الشارع المطلبي بـ”إبرة بنج” حكومية في وريد المتقاعدين والعاملين في القطاع العام، لم يُخف ميقاتي بعد لقاء بري “واقع المالية العامة” الصعب، مشدداً على أنّ عمليات الترقيع لن توصل إلى أي مكان ما لم يتم الإسراع في إطلاق “ورشة طوارئ سريعة لإنقاذ البلد”، وقال: “لا نستطيع أن نبقى على ما هي عليه الاوضاع راهناً، اليوم نحن أمام ثلاثة خيارات: إمّا الاتفاق مع صندوق النقد، أو أن نتّفق مع بعضنا البعض أو ألّا نتّفق بتاتاً، وبدا واضحاً أنّنا اخترنا الخيار الاسوأ، وهو ألّا نتّفق بتاتاً”.