مع أنّ «تلزيم البريد»، خطة وزارة الإتصالات «الطارئة» لتأمين الإتصالات عبر شبكة الأقمار الإصطناعية starlink، والإنترنت غير الشرعي، كانت أبرز المواضيع التي وضعت على جدول أعمال لجنة الإتصالات والإعلام النيابية التي انعقدت أمس برئاسة النائب ابرهيم الموسوي وحضور وزير الإتصالات جوني القرم، إلا أنّ تلزيم البريد والجدل الذي أثاره وزير الإتصالات بإصراره على تخطي قرارات الهيئات الرقابية برفضه، بقي نجم الجلسة، والطبق الأدسم على طاولتها.
مقابل اصرار القرم على توقيع عقد تشغيل البريد مع تحالف شركتي ميريت إنفست ش. م. ل. اللبنانية و Colis Privé France، تمسكت هيئة الشراء العام ورئيسها الدكتور جان العلية بملاحظاتها التي إرتكز عليها ديوان المحاسبة في رفض الصفقة. وقد شكل حضور العلية الجلسة، مؤشراً على كون هذا الملف سيستغرق الوقت الأطول من النقاشات.
أجواء الجلسة على رغم حضور القرم والعلية مجدداً في مواجهة مباشرة، وصفت بالهادئة، خصوصاً أنّ كل الكلام الذي قيل في الجلسة بات متداولاً بشكل علني. وعليه كان «صداماً ناعماً» كما وصف بين الرجلين، كرّر خلاله القرم إتهاماته السابقة للعلية، وإنما بهدوء هذه المرة، ووضع المجلس أمام هواجسه من المخاطر التي سيرتبها إلغاء الصفقة، وتمسك بذرائعه السابقة التي اعتبر أنها تمنح التلزيم قانونيته، حتى بعد أن سجّل ديوان المحاسبة رفضاً ثالثاً لها عبر مذكرة وجهها لوزير الإتصالات يوم الإثنين الماضي.
في المقابل أصرّ العلية على ما ورد في كتبه الصادرة حول الصفقة، بدءاً من مرحلة الإعداد لدفتر الشروط وحتى إتمام الصفقة، حاصراً رده بالأمور الإجرائية التي رافقت عملية التلزيم.
إلا أنّ كشف الأمور توسع هذه المرة، للحديث عن إتصال تلقاه العلية من الملحق الإقتصادي في السفارة المصرية الذي أعرب عن رغبة شركة بريد مصر بالمشاركة في المزايدة وطلبه بالتالي إطالة المهل كي يتسنى لها ذلك، مشيراً إلى أنّ السفارة لم تسجل إعتراضاً لاحقاً حتى لا يؤدي ذلك لإساءة العلاقات مع الدولة اللبنانية.
كما كان رد مباشر من العلية على سؤال كرره القرم مؤخراً وخلال الجلسة، حول السبب الذي جعل الهيئة ترفض نتائج جلسة التلزيم الثانية بوضوح، مقابل عدم إظهار أي موقف في تقريرها حول نتائج المزايدة الثالثة. فأشار العلية كما نقل عن مشاركين بالجلسة، بأنّ المزايدة الثانية كانت فضيحة، لأنها تتعلق بإنجاح شركة تقول هي عن نفسها أنّها لا تملك الخبرة، بينما لجنة المزايدة أعطتها علامة 17 على الخبرة. وتمنى العلية أن يخضع هذا الأمر لتحقيق إداري على الأقل. بينما أوضح أنّ هيئة الشراء إكتفت في المزايدة الثانية بتقرير وصفي لم تُغفل فيه نقطة بالملف، وتركت القرار للقضاء ولديوان المحاسبة، بعدما تبيّن من الناحية الشكلية، أنّ العرض مطابق لدفتر الشروط ولكن الخلل هو في المسار الإجرائي.
ساعة لمداخلة القرم
مع أن مداخلة القرم حول القطاع إستغرقت نحو ساعة تقريباً، لا يبدو أنّ حججه نجحت بإقناع جميع أعضاء اللجنة ورئيسها إبرهيم الموسوي. فخرج الأخير بعد الجلسة ليصرّح بأن هذا الملف حوله التباس، معلناً أنّ كتلته ستعرب عن موقفها من هذه الصفقة في مجلس الوزراء.
هذا في وقت كانت معلومات قد تحدثت عن إيعاز كتلة الوفاء للمقاومة لوزرائها في الحكومة برفض صفقة البريد خلال جلسة مجلس الوزراء التي تعطل نصابها يوم الثلثاء الماضي. فيما أعرب عضو اللجنة النائب ياسين ياسين عن قناعته بكون صفقة البريد مخالفة لقانون الشراء العام وللمادة 89 من الدستور خصوصاً أنّ أي تلزيم لمورد عام يجب أن يتم بموجب قانون في المجلس النيابي.
وفي إتصال مع «نداء الوطن» أوضح ياسين أن المبدأ العام في أي عملية تلزيم هو إجراء دراسات مسبقة للجدوى القانونية والمالية والفنية، وبالتالي إحترام القوانين والقرارات الصادرة عن الهيئات الرقابية، كاشفاً عن توصيات للجنة في موضوع البريد نصت على ضرورة «الإلتزام بقرارات الهيئات الرقابية، ودعوة الوزير لتأسيس شركة عامة بأسرع وقت حتى تنقل إدارة البريد إليها. وفي حال الإصرار على تلزيم القطاع، الإسراع بإعداد دراسة شاملة، ثم إعداد دفتر شروط جديد بحسب توصيات الهيئات الرقابية، وإطلاق مزايدة عالمية».
من المجلس إلى الحكومة
هذا في وقت تحدثت المعلومات عن أن الكتل النيابية المتمثلة في لجنة الإتصالات حسمت قرراها بعد إستماع ممثليها إلى القرم والعلية، بعدم تصويت وزرائها لمشروع عقد تلزيم الخدمات البريدية في جلسة مجلس الوزراء التي ستُعقد اليوم.
وكان اجتماع لجنة الإتصالات وفقاً للمعلومات قد تطرق من خارج جدول الأعمال لتفاصيل صفقة جديدة تعد لها وزارة الإتصالات، وتتعلق بخدمة المحفظة الإلكترونية ومحاولات ترسية عقدها بالتراضي على شركة تتمتع بمونوبول في السوق اللبناني وهي شركة «سيول»، تبين أنها تأسست قبل شهرين فقط في لبنان، وهي تقدم خدمات مشابهة في قبرص. ولفت خلال الجلسة تصريح القرم بأنه حصل على إستشارة بأن هذه الصفقة غير خاضعة لقانون الشراء العام. ولما سئل من قبل أحد النواب عن الجهة التي قدمت له الإستشارة، أجاب بأنها شركة «سيول» نفسها، أي الشركة التي ترغب بالتعاقد مع شركتي الإتصالات.
وكان العلية أوضح خلال الإجتماع أنه إلتقى ممثلين عن شركة «ألفا» طرحوا هذا الملف عليه، فكان استفسار من قبل العلية حول الأسباب التي تحول دون تقديم شركتي الإتصالات هذه الخدمة مباشرة، ولما تبيّن أنّ العوائق هي في عدم توفر الكادر البشري بالإضافة إلى الحاجة لترخيص من مصرف لبنان، توجهت الهيئة بكتب إلى وزارة الإتصالات ولكل من شركتي الإتصال تؤكد خضوع هذا الموضوع لقانون الشراء، وتوصي بعدم إتخاذ أي خطوة قبل الإجابة الخطية على الطلب، وقد شددت الهيئة على وجوب إجراء دراسة مسبقة للسوق، وبالتالي أوصت بوقف أي إجراء تمت المباشرة به سابقاً.
هذا الأمر يبدو أنه أزعج النائب في اللجنة سيزار أبي خليل، الذي اعتبر أنّ الدراسة لا يمكن أن تطلب في وضع مونوبول، منتقداً ما اعتبره تدخلاً للقضاء في عمل الوزارات. إلا أنّ العلية أصر في الجلسة على أنه بسبب وضع المونوبول تطلبت الدراسة لمعرفة المداخيل الحقيقية التي يمكن ان تحصّل لمصلحة الخزينة. في وقت أعرب النائب ياسين عن شكوكه بكون الشركة التي باشرت الخدمة في قبرص قد فعلت ذلك من خلال مشغلي الإتصالات، متحدثاً عن خطورة هذا الأمر على أصول الدولة وعلى داتا الناس التي يجب حمايتها.
واستهلاك البريد للجزء الأكبر من النقاش لم يسمح في المقابل بالتوسع في النقاشات حول طلب الوزير بترخيص تأمين الإنترنت عبر نظام ستارلينك، والإنترنت غير الشرعي. غير أنّ النائب ياسين سجل ملاحظته حول «ستارلينك»، معرباً عن تحفظه على طريقة عرض هذا الموضوع على مجلس الوزراء، حيث كان يجب أن يطرح تحت عنوان خدمات إنترنت طارئة وليس موقتة.
التشكيك بالهيئات
وأبعد من النقاشات التي دارت في لجنة الإتصالات والإعلام، كانت البلبلة التي بدأ يتسبب بها موضوع تلزيم البريد، من خلال المحاولات الجارية لتخطي قرار ديوان المحاسبة الذي سجل رفضه للصفقة ثلاث مرات حتى الآن، والدخول في مواجهات شخصية مع هيئة الشراء العام ورئيسها. وهذا ما إعتبرته مصادر قانونية أنه «يعكس توجهاً لدى البعض للتشكيك بالهيئات الرقابية ليبيح لنفسه إتخاذ القرارات بدلا عنها»، خصوصاً أنّ الأمر تكرر خلال فترات كثيرة ليشمل أكثر من وزير ووزارة.
وإذا كان هذا الأمر يتطلب كشف خلفيات تحفظ بعض الوزراء وحتى النواب على عمل الهيئات الرقابية، والعلاقة التي تربط هؤلاء بالجهات التي تحاول ترسية العقود عليها، فاللافت أمس أيضاً كان تصريح رئيس لجنة الإدارة والعدل جورج عدوان، حول ما يجري في صفقة البريد تحديداً، مشيراً إلى «أننا نتابع بدقة العمل الذي يقوم به ديوان المحاسبة، وهو يقوم به على أكمل وجه»، مشدداً على أنه «عند صدور ملاحظات ديوان المحاسبة وقراراته لا يسمح لأي وزير ولا حتى لمجلس الوزراء تجاوزها، أيا كانت الأسباب. وإلا نكون أمام ضرب كل العملية الإصلاحية». ولذلك توجه إلى وزير الإتصالات والحكومة بألا يتجاوزوا إطلاقاً هذه القرارات والملاحظات.