طابورٌ بنكهة “ذهبية” حقيقةٌ وليس شعاراً فهذه المرّة طابور اللبنانيين هذا هو لشراء الذهب. فالمتاجر مليئة بالمواطنين الذين يتهافتون لشراء المعدن الأصفر والمعروف عنه أنه لا يفقد قيمته على مرّ السنين كما أن الكثيرين يلجأون الى مراقبة الأسعار لحظةً بلحظة حتى باتت الشغل الشاغل للكثيرين.
وبالرغم من كل الأزمات التي عصفت في “بلاد الأرز” صمدت التجارة في هذا المعدن وان كان بتفاوتٍ بين اللبنانيين. وهنا يُطرح السؤال، لماذا هذا الارتفاع الجنونيّ والقياسي التاريخي في أسعار الذهب؟
توازياً، أكد الخبير الاقتصادي والاستراتيجي البروفيسور جاسم عجاقة في حديث خاص لموقع جريدة “الجمهورية” أن الذهب يُعتبر ملاذاً آمناً كما يعرف الجميع وعندما يكون هناك غموض في الاسواق المالية وفترة من عدم اليقين تلقائياً نشهد هروباً نحو الملاذ الآمن.
أضاف: “السبب الثاني للارتفاع الكبير هو ضعف الدولار لأن الذهب “مقوّم” اي تسعيرته بالدولار الأميركي وعندما يتراجع الأخير يرتفع حينها الذهب وكل الأصول المقوّمة تلقائياً.
أما السبب الثالث لطفرة الذهب هذه، فهو برأي عجاقة، ارتفاع في مستويات الدين الاميركي مما يضعف الدولار أكثر فأكثر والمستثمرون في هذه الحال يشعرون بالقلق ويهربون نحو الذهب.
وأردف عجاقة: “نشهد اعادة تموضع في الحرب التجارية واعادة توزيع لتوازن القوى في العالم الاقتصادي مما يزيد عدم اليقين في الأسواق”.
ويشير عجاقة الى السبب الأخير والاساسي ألا وهو استمرار المصارف المركزية بشراء الذهب بكميات هائلة وعلى رأسها المصرف المركزي الصيني.
ورداً على سؤال حول ما اذا كان الذهب سيستمر في هذا الارتفاع وعن النصيحة التي يُسديها للمستثمرين، قال عجاقة: “سيستمر في الصعود طبعاً ولم يتغير شيء واذا قرر المستثمرون الشراء بواسطة عقود لا يجب عليهم التغافل عن وضع Stop-Loss Orders تفادياً لتداعيات كارثية قد تنجم عن امكانية انخفاضه من جديد”.
أما الكلمة المفتاح الآتية من علم المال التي وجهها عجاقة للمستثمرين فهي في حال وجود مخاطر فالتنويع هو الأساس.
“وسيلة لتحصين الأموال وحفظ قيمتها”
في السياق، لفت صاحب متجر ذهب في زغرتا السيد رشيد صوطو في مداخلة عبر “الجمهورية” الى أنه نلاحظ فعلاً إقبالاً ملحوظاً من المواطنين على شراء الذهب، لكن الطلب يتركّز بشكل أساسي على الأونصات والليرات الذهبية أكثر من المجوهرات المعدّة لليوميات.
وقال صوطو: “المواطنون يتوجّهون نحو الذهب كوسيلة لتحصين أموالهم وحفظ قيمتها، خصوصاً في ظلّ تقلّبات سعر الدولار وعدم استقرار الأسواق.
واعتبر صوطو أن الارتفاع الحالي بأسعار الذهب ناتج عن عدة عوامل عالمية أثّرت بشكل مباشر على السوق من أبرزها:
* تراجع قوّة الدولار الأميركي نتيجة سياسات مالية وتغيّرات اقتصادية عالمية.
* التضخّم (Inflation) الذي يدفع المستثمرين والأفراد للّجوء إلى الذهب كملاذ آمن.
* سياسة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (The Fed)، فمع تخفيض معدلات الفائدة مؤخراً، أصبح الذهب أكثر جاذبية مقارنة بالودائع أو السندات.
* إضافة إلى التوتّرات الجيوسياسية في أكثر من منطقة بالعالم، ما يعزّز الطلب على الأصول الآمنة مثل الذهب.
“لهجة الحرب”
وفي جولة على الأسواق استوقفنا رجلاً ستّينياً فقال لـ”الجمهورية”: “البشرية تخاف من حرب عالمية وتلجأ الى الاستثمار في هذا المعدن وهذه لهجة العالم كله من امكانية اندلاعها حتى المواد الغذائية يتمّ تخزينها فالصين وأميركا يختلفان على زعامة العالم”.
وتابع: “عندما كنت طفلاً باعت جارتنا 50 ليرة ذهب والليرة الواحدة بلغ سعرها 5 ليرات اي بما يوازي 3 دولار واليوم أفكر مندهشاً بأن ليرة الذهب يتجاوز سعرها الـ900 دولار”.
صفوة القول، هل الاستثمار في الذهب سيبقى ملاذاً آمناً للبنانيين في وقتٍ انعدم فيه كل ما هو آمن في يومياتهم وماذا تخبئ الأيام المقبلة؟



