عصابات تزوير عملات بقدرات بدائية تنشط في لبنان

لا يوجد أمكنة كثيرة في لبنان يستطيع فيها أحد الشبان الدخول إلى مطعم ودفع مئة دولار مزورة، ويتم اكتشاف أمره، لكنه بدل أن يختبىء خوفاً من القانون، يحضر مجدداً إلى المكان مدججاً برفاق مسلحين لتهديد صاحب المطعم، ثم يعود كزبون وكأن شيئاً لم يكن.

هذا يحدث على أطراف الضاحية، حيث يروي مصدر مطّلع على الرواية ما حصل عبر “المدن”، مشيراً إلى أنه تم اكتشاف هوية الشاب الذي دفع الأموال المزورة، بواسطة كاميرات المراقبة، وتم التواصل معه بشأنها. فما كان منه إلا المجيء إلى المكان مرة ثانية، وعند مواجهته بالواقعة تعامل مع الموضوع باستخفاف واستهزاء. بل وما إن خرج من المطعم حتى عاد وبرفقته مجموعة من المسلحين، ليمارسوا التخويف بحق المطعم وصاحبه والعاملين فيه.

لماذا يقوم هذا الشاب بفعل مماثل؟ يجيب المصدر “الفوضى وغياب القانون والدولة السائبة تؤدي إلى هذا الواقع وأكثر”. فهذا الشاب يعلم بأن أحداً لن يطاله، وأن بإمكانه التجول بأموال مزوّرة وترهيب المواطنين، وأصحاب المصالح.

ماكينات الطباعة البسيطة

يُعتبر التزوير عملاً صعباً، يبدأ من اختيار نوعية الأوراق التي يمكن أن تكون نوعيتها قريبة من الدولار أو الليرة. وهذه الأوراق، حسب المصادر، تُباع بشكل طبيعي في الشركات العاملة في هذا المجال، لكنها تختلف بشكل جذري عن أوراق الدولار التي يدخل القطن في صلب تكوينها، ومن ثم يُصار إلى تأمين “الكليشيه”، وهي الصورة التي يُطبع على أساسها. كليشيه فئة 20 دولاراً على سبيل المثال، كون تركيز المزورين عادة ما يكون على أوراق الفئات الصغيرة لعدم جذب الانتباه. ومن بعدها تبدأ الطباعة على الماكينات على مرحتلين، المرحلة الأولى الطباعة باللون الأسود، ومن ثم إدخال اللون الأخضر، الذي يجب أن يكون خليطاً من عدة ألوان للوصول إلى درجة اللون المطلوبة.

هذا النوع من التزوير يُعتبر بدائياً، وهو الرائج في لبنان، تقول المصادر، مشيرة إلى أن الأوراق المزورة ليست كلها “صنع في لبنان”، بل يأتي بعضها عبر الحدود البرية من سوريا، مشيرة إلى أن كشف هذا النوع من الأوراق المزورة سهل، لكن يتطلب تركيزاً وانتباهاً، حتى ولو كانت الفئات المتداولة صغيرة كفئة العشرة والعشرين دولاراً، كونها أصبحت قيمتها كبيرة اليوم مقارنة مع الليرة اللبنانية.

صرافة الشوارع ملعب الأوراق المزوّرة

بظل وهن الدولة تُصبح حياة المجرمين سهلة، والمزوّرون جزء من عالم الإجرام هذا. وفي الآونة الأخيرة -حسب معلومات “المدن”- عادت ظاهرة انتشار الأموال المزورة. في الجنوب، تحديداً في قرية كفررمان، تمكّنت شرطة البلدية من إلقاء القبض على عصابة ترويج عملات مزوّرة، تبين أن أبطالها من غير اللبنانيين، يحملون أوراقاً مزورة من فئة مئة دولار.

وحسب مصادر أمنية مطّلعة، فإن هذه العصابة التي ضُبط بحوزتها ما يزيد عن 1800 دولار أميركي مزوّر، كانت تنشط في البلدة ومحيطها وصولاً إلى النبطية. وكانت تعمد إلى استعمال الأوراق المزورة بعمليات شراء صغيرة، من دون صرفها لدى الصرّافين الذين يمكنهم اكتشاف التزوير بسهولة. ووقع ضحيتها أكثر من صاحب محل، في المنطقة.

وتضيف المصادر عبر “المدن”: “التزوير المعتمد لدى هذه العصابة هو بدائي إلى حدّ ما، إذ لا يوجد صعوبة بكشفه من قبل من يمتلك عين ثاقبة. وهذا التزوير لا يكلّف مالاَ كثيراً، ويمكن القيام به من قبل أحد “فنّيي” التزوير، علماً أن تزوير الدولار باحترافية يمكن اعتباره أمراً صعباً جداً، لا يمكن للهواة القيام به، ويحتاج إلى ماكينات خاصة ثمينة”.

في هذا السياق، تُشير المصادر الأمنية إلى أن عصابات التزوير ليست عصابات ضخمة كعصابات المخدرات. ومن يعمل بالتزوير يحاول إما العمل منفرداً أو ضمن مجموعة صغيرة من الأشخاص لمنع تسرب الأوراق المزورة بكثرة في مناطق معينة، مما يسهّل ضبطهم. لذلك فإن أغلب الاعتقالات التي حصلت في السنتين الأخيرتين تضم عصابات من 3 أو 4 أشخاص فقط يعتمدون على التزوير البسيط غير المعقد، والذي يمكن ضبطه بالعين المجردة من دون الحاجة إلى خبراء.

وتكشف المصادر أن تمرير العملات المزورة، خصوصاً العملة اللبنانية، يتم من خلال عمليات الصرافة والتبادل المالي التي تحصل في الشوارع أو في المحلات غير المرخصة. إذ يكفي تمرير بضع أوراق مزورة من فئة 100 ألف ليرة ضمن رزمة تضم 10 ملايين ليرة على سبيل المثال، مشيرة إلى أن هذا الأمر يحصل. وتتبع مصدر الأوراق المزورة بهذه الحالة ليس سهلاً، خصوصاً أن المتعرض للتزوير قد لا يكتشف المسألة، وقد ينتقل النقد المزور من يد صراف شارع إلى آخر في دورة لا تنتهي.

سبل الوقاية السريعة

تكشف المصادر الأمنية أنه منذ انتشار الورقة المزورة من فئة مئة ألف ليرة، بدا واضحاً من شكلها أنها مزورة، لذلك ما على المواطن سوى التنبه، خصوصاً أن عدد الأوراق في التعامل المالي أصبح أكبر بكثير بعد انخفاض قيمة الليرة. مشيرة إلى أن أفضل سبل الوقاية هو التعامل مع صرافين موثوقين عند تصريف المال، والتدقيق في النقد بحال كان التعامل عادياً في الشارع أو السوق، كاشفة أن المرحلة الثانية البسيطة من الوقاية تكمن بالبحث عن ما يُعرف بـ”أدوات الأمان” في الدولار من فئة 5 حتى 100، وأبرزها على الإطلاق “الشريط البلاستيكي الذي يمتد على طول الورقة من أعلى إلى أسفل، والعلامة المائية التي تظهر في الضوء بشكل واضح، وملمس الورق”.

مصدرالمدن - محمد علوش
المادة السابقةتحويلات المغتربين إلى لبنان تتجاوز 6 مليارات دولار سنوياً
المقالة القادمةقصة تلوّث المياه: مئات ملايين الدولارات صُرِفَت لنُصاب بالأمراض!