يترقب المستثمرون والأفراد الراغبون في اقتناء عقارات جديدة بفارغ الصبر ما ستكشفه الأيام القادمة من مؤشرات تتعلق بأسعار العقارات في العام المقبل، واتجاهات الأسعار، وأبرز المناطق الجاذبة للاستثمار العقاري، وما إذا كانت هناك فرص جديدة، أم أن الفرص ستظل محصورة في العواصم والمدن المعروفة سواء في القارة الأوروبية أو غيرها.
ورغم حالة الترقب تلك، إلا أن هناك ما يشبه التفاؤل بين المستثمرين العقاريين بالعام الجديد، وسط احتمال نجاح اللقاحات في محاصرة جائحة كورونا، أو على الأقل فك الإغلاق الاقتصادي والعزلة الاجتماعية في العديد من المدن الكبرى، وبداية عودة الحياة تدريجياً إلى طبيعتها. وتعد شقة البنتهاوس في لندن التي بيعت في بداية الشهر الجاري بمبلغ 140 مليون جنيه إسترليني من الحالات الاستثنائية في سوق العقارات البريطانية.
حتى الآن تبدو سوق العقارات في الجزر المعزولة في الكاريبي والأرياف البريطانية والأميركية قد استفادت من الجائحة، إذ رفعت الجائحة من الطلب والأسعار من قبل الأثرياء الباحثين عن العزلة بعيداً عن ازدحام المدن.
لكن العقارات في معظم دول العالم خسرت الكثير من الطلب خلال فترة الإغلاق في الربع الثاني من العام الجاري 2020، وربما ستخسر كذلك خلال الشهور المقبلة بسبب تجدد الإغلاق على خلفية الموجة الثانية من الوباء.
في هذا الشأن، يشير مسح أجرته شركة “نايت فرانك” العقارية العالمية المتخصصة في العقارات الفاخرة، إلى أن الطلب العقاري سيعود ببطء في المدن الكبرى في العالم خلال العام المقبل، وأن الأسعار ربما سترتفع في المتوسط بين 2% و4% في العديد من المدن التي تعتبر مراكز الجذب العقاري مثل لندن ونيويورك وسنغافورة.
ووفق المسح الذي أجرته الوكالة اللندنية وشمل 22 مدينة في العالم، فإن الطلب وأسعار العقارات الفاخرة بمدينتي شنغهاي بالصين ومدينة ” كيب تاون” بجنوب أفريقيا، ستشهد أكبر الارتفاعات وبنسبة تقدر بنحو 5%، بينما ستشهد معظم المدن الأخرى ارتفاعاً متواضعاً بنسبة 2%، وبعضها سترتفع الأسعار فيها بنسبة 3.5% و4.0%.
ويشير المسح الذي صدر نهاية الأسبوع الماضي، إلى أن أسعار العقارات الفاخرة حافظت على مستوياتها خلال العام الجاري في معظم مدن العالم على الرغم من الضربات الموجعة التي تلقتها من جائحة كورونا، عدا الاستثناءات القليلة في صفقات العقارات الفاخرة جداً التي نفذت في فترة الإغلاق.
في سنغافورة التي تعد عاصمة العقارات الفاخرة في آسيا، خسرت العقارات موجة المشترين الأثرياء من الصين وإندونيسيا والولايات المتحدة، إذ نفذ هؤلاء الأثرياء صفقات ضخمة خلال الأعوام الماضية رفعت الأسعار بالسوق.
فالملياردير البريطاني جيمس دايسون باع شقة بنتهاوس في حي “والاش ريزدينس” الراقي في سنغافورة لمستثمر أندونيسي بمبلغ 46 مليون دولار، بينما اشتراها العام الماضي بسعر 54 مليون دولار. أي أنه باعها بخسارة 8 ملايين دولار.
ويقول وكلاء عقارات بسنغافورة إن الشقق التي يفوق سعرها 3.5 ملايين دولار تتحرك ببطء. ولكن من المتوقع أن تستفيد سنغافورة خلال العام المقبل من هجرة أثرياء هونغ كونغ في حال واصلت الصين قبضتها الأمنية على الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي.
وفي لندن خسرت المدينة المشترين من مناطق الخليج والسعودية بسبب تدهور أسعار النفط، والقبضة الأمنية، إضافة إلى جائحة كورونا، ولكن الطلب من الشرق الأقصى ظل قوياً.
ويتوقع المسح أن تستفيد العقارات الفاخرة في لندن من إعفاءات “رسوم الدمغة” على المساكن التي يفوق سعرها 500 الف جنيه إسترليني “أي حوالى 666.4 ألف دولار” .
وكانت الحكومة البريطانية قد ألغت رسوم الدمغة في بداية العام الجاري ضمن خطوات دعم الاقتصاد وتشجيع الصفقات العقارية. وتتوقع الوكالة أن ترتفع أسعار المساكن الفاخرة في لندن بنسبة 4% خلال العام المقبل.
وقال رئيس وحدة أبحاث العقارات اللندنية بـ”نايت فرانك”، توم بيلإن في تعليقه على مستقبل المساكن البريطانية، ” العقارات في لندن ستستفيد إلى جانب إعفاءات رسوم الدمغة كذلك من موجة الطلب العالمي بسبب المرونة المتوقعة في إجراءات العزل الاجتماعي وقيود السفر في العام المقبل”.
على صعيد بريطانيا، يقول مصرف هاليفاكس المتخصص في القروض العقارية ببريطانيا، في تقرير حديث أن أسعار المساكن البريطانية ارتفعت في المتوسط بنسبة 7.5% في أكتوبر/ تشرين الأول مستفيدة من عودة الطلب بعد العزل والإغلاق الاقتصادي في الربع الثاني من العام.
ويقول المدير التنفيذي بمصرف هاليفاكس، راسل غاللي، إن الطلب على المساكن الكبيرة يقود السوق العقارية “. كما يتوقع غاللي أن يحافظ النشاط العقاري في بريطانيا على استقرار الأسعار في العام المقبل.
لكن وكالة زوبلا العقارية اللندنية تتوقع أن تسجل مبيعات المساكن البريطانية انخفاضاً بنسبة 15% بنهاية العام الجاري مقارنة بالمبيعات التي نفذت في العام 2019.
وعلى الرغم من أن لندن ستخرج نهائياً من عضوية الاتحاد الأوروبي وتصبح دولة مستقلة من حيث الإجراءات الاستثمارية والتجارية والهجرة، إلا أن أحياء لندن الفاخرة مثل ماي فير وبلغرافيا وتشيلسي لا تزال تسحر الأثرياء من أنحاء العالم الذين يرغبون في عنوان مميز لهم ولأعمالهم التجارية.
ووفق خبراء استثماريون، فإن مستقبل عقارات بريطانيا سيعتمد على قدرتها على بناء شراكات تجارية ناجحة بعد الخروج النهائي من عضوية الاتحاد الأوروبي وكذلك على نوعية الفضاء التجاري وقدرة حي المال اللندني على التأقلم مع أوروبا.
وحتى الآن خسرت لندن العديد من الوحدات المصرفية الأجنبية التي كانت تنعش القطاع الفاخر في وسط لندن.
على صعيد المدن الأميركية والكندية، يتوقع مسح نايت فرانك، ارتفاع الطلب والأسعار على مساكن مدينتي ميامي وفانكوفر. وتوقع المسح ارتفاع الأسعار والطلب بنسبة 3% في فانكوفر و4% في ميامي.
ولاحظ خبراء عقاريون أن المدن الأميركية الكبرى عانت خلال العام الجاري من هجرة الأثرياء بسبب الاضطرابات العرقية، ومخاوف الفوضى السياسية التي ستعقب الانتخابات الأميركية، وكذلك بحث الأثرياء عن الاختباء في المناطق المعزولة وجزر بعيداً عن جائحة كورونا وتفشيها السريع في المدن المزدحمة بالسكان.
وفي كاليفورنيا، تضررت عقارات مدينتي سان فرانسيكسو ولوس أنجليس، من الضرائب المرتفعة، حيث هرب بعض الأثرياء إلى الولايات ذات الضرائب المنخفضة على الثروة. وشهدت العقارات الفاخرة جداً تراجعا ملحوظاً. وعدا عقارات هوليوود التي تجذب الأثرياء بسبب نجوم السينما، فإن العقارات الفاخرة سجلت انخفاضاً.
وعلى الرغم من تراجع الأسعار والطلب في مدينة نيويورك، إلا أن ريف نيويورك سجل ارتفاعاً في الطلب والأسعار خاصة في مناطق مثل هامبتون الراقية وقطاع مساكن “تاون هاوسس” في حي بروكلين.
كما انتعشت أسعار المنازل الكبيرة التي يتراوح سعرها بين 5 و9.9 ملايين دولار في بروكلين. وربما يكون بحث بعض مدراء الاستثمار في “وول ستريت” عن شراء عقار سكني كبير يوفر السكن وتوجد به مساحة واسعة لمكتب، كان وراء انتعاش سوق المنازل. أما بقية القطاعات السكنية في المدينة فقد ظلت خارج دائرة الطلب العقاري، خاصة الشقق في حي مانهاتن.
وفي أوروبا حافظت مدينة موناكو التي تعد إلى حد بعيد مدينة المليارديرات على جاذبيتها العقارية بسبب موقعها المطل على البحر المتوسط وما تملكه من أدوات ترفيه للأثرياء.
ويتوقع مسح نايت فرانك أن ترتفع الأسعار بالإمارة الغنية بنسبة 3% خلال العام المقبل، إذ إن الأسعار أصلاً مرتفعة في هذه المدينة، كما أن المساحات المتاحة للتوسع العمراني محدودة جداً.
ولكن التقرير يقول إن العديد من المشترين الأجانب الذين أعربوا عن رغباتهم في الشراء لم يتمكنوا من السفر بسبب كوابح جائحة كورونا. وفي باريس تتوقع تقارير عقارية أن ترتفع أسعار المساكن بنسبة 3% خلال العام المقبل. لكن في الغالب الأعم فإن أسعار العقارات الفاخرة في العام المقبل ستعتمد على السيطرة على جائحة كورونا وعودة النشاط الاقتصادي للنمو.
أما على صعيد المساكن والشقق العادية، فإن المدن الأوروبية ستظل متأثرة بارتفاع نسبة البطالة وتراجع الدخول، وكذلك إحجام المصارف التجارية ومؤسسات الإقراض العقاري عن منح تمويلات لأصحاب الدخل المحدود وأفراد الطبقة الوسطى. وتطالب المؤسسات المالية المشترين بمقدم دفع كبير يفوق 20% في لندن والعديد من الدول الأوروبية.