ينتظر اللبنانيون انتهاء مجلس الوزراء من مناقشة قانون الفجوة المالية، ليحال اذا تم اقراره إلى مجلس النواب لمناقشته ودرسه، ولكن حتى الوصول إلى هذه المرحلة يبدو أن الحكومة تتعاطى معه على قاعدة “الاستعجال”، ليس لإيجاد الحلول بل بمزاعم تقديم صورة على أنها تقوم بإصلاحات، في عام حسّاس جداً يُنتظر أن تجري فيه الانتخابات النيابية.
في مشروع القانون عدّة نقاط تهمّ المودعين، أبرزها ما سمي بالأصول غير المنتظمة، وهي تتضمن الودائع التي حولت من الليرة إلى الدولار. وهنا تشير المتخصصة في الشؤون المصرفية الدكتورة سابين الكيك إلى أنهم “استخدموا في السابق تعبير “أصول غير مشروعة” واليوم استبدلوها “بالأصول غير المنتظمة”، لافتة إلى أن “كلمة أصول تعني تقييما ماليا ماديا له ملكية، أما كلمة غير منتظمة فهي نسبة لماذا؟ فليخبرونا ما هو المنتظم لنعرف ما هو غير المنتظم، في حينها لم يكن هناك غير منتظم سوى الأموال غير المشروعة. إذ لم يكن من قوانين تمنع مثلاً تحويل الوديعة من ليرة إلى دولار أو حتى تحويل الأموال إلى الخارج”، وتضيف: “في القانون الحالي صنّفوا كلّ الفئات بنفس المستوى، وبالتالي أصبح الشخص الذي تقاضى تعويضه ووضعه في المصرف يعادل الشخص الذي بيّض الأموال ووضعها في المصارف”.
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي ميشال فياض أن “التعامل مع ما يُسمى بالقروض المتعثرة، ولا سيما الودائع المحولة من الليرة اللبنانية إلى الدولار، يعدّ نقطةً حاسمة. فقد قام العديد من المودعين بهذه التحويلات للحفاظ على القيمة الحقيقية لمدّخراتهم في مواجهة الانهيار النقدي، وليس لأغراض المضاربة”، معتبراً أنّ “مساواة هذه المعاملات بشكل منهجي بالديون غير المشروعة أو الأرباح غير المستحقّة يُثير قضية خطيرة تتعلق بالعدالة الاقتصادية، إذ يجب التمييز بوضوح بين التحويلات الانتهازيّة التي أعقبت الأزمة، وتلك التي نتجت عن سلوك وقائي مشروع”.
هنا تعود الدكتورة الكيك لتسأل “رقم المئة الف دولار في القانون من أين استوحوه؟، حتى جاءوا وقالوا التحويلات ما فوق المئة الف دولار إلى الخارج نقوم باستردادها بينما ما هو أدنى من مئة ألف مسموح تحويلها؟! من حوّل وديعته التي تفوق المئة الف دولار من الليرة إلى الدولار تعدّ أصولا غير منتظمة حتى لو كانت مئة وخمس آلاف دولار، بينما من حوّل أقلّ من مئة الف دولار تُعد أصولا منتظمة”، وتضيف: “في موضوع “الشيكات” المصرفية لماذا أصبحت أصولاً غير منتظمة، أليس مصرف لبنان هو من كان يصدّرها”؟.
“لم أفهم ما الهدف من هذا القانون، هل هو اعادة الودائع، اعادة الانتظام المالي، تحديد الفجوة المالية ومعالجتها… ماذا يريدون”؟ هنا تشير الكيك إلى أنه “إذا كان الهدف فعلاً معالجة الفجوة المالية فعلى الأقل يجب تحديد أرقام الخسائر، وبعد مرور 6 سنوات على الأزمة لم يتم تحديد أي رقم اطلاقا”، وتضيف: “خطة لازارد في السابق حدّدت أرقاماً للخسائر في ذاك الوقت، ومن بعدها لم نسمع بأيّ رقم ولا بأي قانون”، وتسأل: “هل أعادوا تقييم المصارف”؟ مشيرة إلى أنه “لا يوجد لا محاسبة ولا مساءلة”.
كما تشير إلى “ربط تنفيذ قانون اعادة هيكلة المصارف باقرار قانون الفجوة المالية، ومع ذلك نرى أن القانونين لا ينسجمان أو بالأحرى لا يتطابقان”، لافتة إلى أن “كلاًّ من القانونين يضع تقييماً للمصارف مختلفاً عن الآخر. ولا بد من السؤال هنا عن تقرير “الفاريز اند مارسال” أين هو؟ لماذا لم يتم أخذ أي شيء منه بعين الاعتبار”؟. أما فياض فيشير إلى أن “هذا المشروع يوفّر أساساً للنقاش بعد سنوات من الجمود، لكنه لن يكون عادلاً أو مستداماً دون توضيح المسؤوليات، ومراجعة شاملة مسبقة، وضمانات صريحة للمودعين الذين تصرفوا بحسن نية”.
إذاً، لا يزال النقاش قائماً بموضوع قانون الفجوة المالية، ويبدو أن الحكومة تسير بإتجاه اقراره على قاعدة “عملنا لي علينا” تجاه المجتمع الدولي، لا ايجاد حلّ فعلي للأزمة المالية…



