تحتاج أوجيرو إلى تحوّل سريع، إذ إنها ليست مجرّد شركة تشغّل شبكة الهاتف الثابت وتقوم بصيانتها، بل هي المصدر الأساسي لاستجرار الإنترنت من الخارج وتوزيعه في لبنان. في رأي عماد كريدية، إن خدمة الصوت تنتهي، وحتى الأولوية لم تعد في إدارة استجرار الإنترنت وتوزيعه، بل في تقديم خدمات المحتوى بواسطة الإنترنت، أي كل ما يمكن تسميته داتا. خدمات الداتا هي الأساس الذي يجب أن يبنى عليه تحوّل أوجيرو، إذ يجب أن يكون لديها ترخيص هاتف خلوي وأن يكون لديها المرونة القانونية والإدارية للتجارة وتسعير الخدمات والمنافسة في السوق وتقدم خدمات متنوّعة صارت شبكات الهاتف الخلوي تقدّمها مثل التحويلات المالية البسيطة وتسديد الفواتير وبثّ المحتوى… ما يريده كريدية يسعى إليه القطاع الخاص الذي يواصل ممارساته في شراء الإنترنت من الدولة وبيعها عبر الشبكات غير الشرعية، أي من دون التصريح عن المشتركين للدولة ومن دون تسديد الرسوم المتوجبة عليهم، إضافة إلى أنه يحصل على أسعار ترددات وتراخيص «متنوّعة» أقل ما يقال فيها إنها مدعومة
عُينتَ في 2017 رئيساً لهيئة أوجيرو وبدأت تنفيذ خطة تحوّلت إلى أزمة توظيف سياسي، ثم حصل الانهيار النقدي والمصرفي. ما هي القيود التي يفرضها هذا المسار على الهيئة لجهة القدرة على الاستمرار وإمكانات التطوير؟
– دخلت عام 2017 إلى هذه المؤسسة. لم يحصل تسلم وتسليم. بعد جردة مالية وفنية بواقع المؤسسة والإمكانات المتاحة، تبيّن أن للمؤسسة استقلالية مالية وحرية تصرّف نسبية، ثم قدّمت لوزير الاتصالات جمال الجراح خطّة العمل في آذار وضمنتها مشاريع ضرورية لتطوير القطاع ولتجديد القوّة البشرية بعدما بلغ معدل الأعمار 54 سنة، أي كان مرتفعاً نسبة إلى معدلات الأعمار في شركات التكنولوجيا بين 25 سنة و29 سنة. أقرّ بأنها كانت سذاجة سياسية لظني أن هذا الإطار هو الطبيعي، إنما بفعل الممارسات السياسية، أُخذت الخطّة ضمن مسار مختلف، لكن رغم الضغوطات الضخمة والتدخلات في المناقصات والمشتريات وغيرها، طبّقنا خطّة التغيير التكنولوجي. وخلال عامي 2017 و2018، كانت أرقام أوجيرو تتقدّم، فزادت المداخيل ونسب الأرباح. لولا ما قمنا به في 2017 و2018، لما استطاعت الشبكة اللبنانية الصمود في الأزمة المالية والنقدية وجائحة كورونا حتى اليوم. أنجزنا عملاً، ودفعنا ثمناً.
قبل عام 2019 غيّرنا «العقل التكنولوجي المدبّر» لهيئة أوجيرو (the Core). كما أجرينا تحديثاً لبوابات الإنترنت الخاصة بأوجيرو والتي ترتبط بها كلّ المؤسسات في لبنان. استقبلنا الإنترنت من الخارج وبدأ تنفيذ شبكة الألياف الضوئية لتوزيع الإنترنت بفاعلية كبيرة. أصبح لدينا 222 ألف وحدة سكنية جاهزة للربط بالألياف الضوئية لا ينقصها سوى استثمارات بسيطة لإتمامه. جدّدنا التكنولوجيا في أوجيرو، لأن الخدمة لم تعد تقتصر على الهاتف فقط، بل أصبحت الداتا هي الأساس، فالارتقاء بمستوى الشبكة يتطلب إنهاء الشبكة النحاسية التي انتهى عمرها الافتراضي. في المحصلة استثمرنا بـ300 مليون دولار على قاعدة أن التطور التكنولوجي سريع ويقود الحاجات الاستهلاكية. عندما عُيّنت في 2017 كان استجرار الإنترنت من الخارج يبلغ 80 جيغا، بينما يبلغ اليوم 1200 جيغا.
بعد الأزمة نُسفت كل إمكانات التطوير وبات القطاع يعاني من أزمة تشغيل تفاقمت مع انكشاف الكثير من الثغرات في العلاقة بين الدولة والهيئة. كيف تتموضع أوجيرو داخل الدولة؟
– عندما اختار الرئيس الراحل رفيق الحريري، أوجيرو، كان هدفه إدارة القطاع من مؤسّسة لا تكبّلها البيروقراطية، لذا أُنشأت الهيئة لتُعنى بأمور الفوترة بموجب عقد مع وزارة الاتصالات. وبمرور الوقت، زادت مهماتها بموجب مراسيم لتصبح معنية بالتشغيل والصيانة. في الأساس، كانت مهمة أوجيرو إدارة مرحلة مؤقتة حتى صدور قانون الاتصالات الذي أُقرّ في 2002 (القانون 431) والذي يكرّس تحويلها إلى «ليبان تيليكوم» كمشغّل ثالث (بعد شركتي الخلوي) تنتقل إليه موجودات وزارة الاتصالات. للأسف، استمرت الحالة المسماة أوجيرو، وهو وضع شاذ. ففيما تقوم الهيئة بالتشغيل والصيانة على شبكة الاتصالات، تنافس القطاع الخاص على سوق التجزئة في الإنترنت والحزم. علاقة هجينة. أيضاً لديها كيان مستقل، إنما تحت سلطة وزير وصاية، ولا يحقّ لها تحقيق مدخول ذاتي لذا تعتمد على موازنة تشغيل وصيانة وإنشاء وتجهيز بموجب عقود مع وزارة الاتصالات. لا مداخيل لأوجيرو سوى عبر الموازنة التي يوافق عليها وزير الاتصالات ويصوّت عليها بقانون الموازنة العامة. الأنكى، في عام 2018، صدر مرسوم يعطي أوجيرو حقّ الجباية والتطوير فزاد حجم أوجيرو بإمكانات مادية بسيطة. وفي قانون موازنة عام 2019، ألغيت الموازنات الملحقة بما فيها موازنة أوجيرو، فعادت الهيئة إلى المسار البيروقراطي وصار تمويلها أمام عائق اسمه الموازنة. في الواقع، لدينا مفهوم خطأ عن قطاع الاتصالات، فـ«هم» يدركون معنى الواردات المالية، إنما لا يعرفون أن زيادة الاستثمار هو الرابط الأساسي لزيادة الواردات. ما يحصل هو أنهم يريدون دائماً حصّة من الإيرادات خارج أي إدراك للعلاقة بين الاستثمار والنمو. الاستثمار في القطاع ينعكس نموّاً اقتصادياً ونموّاً في الإيرادات أيضاً. هناك عائق ثانٍ يتعلق بالقوانين والأنظمة التي تجعل من الوقت لا قيمة له. نحن الآن في أيلول 2024 ولم نقبض موازنتنا المقرّة، فكيف لقطاع حيوي أن يستمر بلا تمويل، بل يطلب منه رغم إقرار الموازنة أن ينتظر موافقة وزارة المالية على كل فاتورة لاستردادها!
ألا يعدّ هذا الأمر تملّصاً من الرقابة، وإلا ما الهدف من التعقيدات المالية؟
– أبداً، الأجهزة الرقابية موجودة وتقوم بعملها إلى جانب وزارة الوصاية. نحن ضدّ التفلّت من الرقابة. ولا أعرف الهدف من هذه التعقيدات، إنما أعرف عن انعكاساتها. حالياً، هناك قطاع خاص خارج القيود المفروضة على القطاع العام سواء بالإنفاق أو بآليات التلزيم، لكن لديه تراخيص ومراسيم تسمح له بالترابط والمرور واستخدام الترددات والشبكات. لذا، هو يعمل ويتطور أسرع، وعينه على زبائننا ومداخيلنا.
أسعار هذه التراخيص والمراسيم تصدر بمراسيم في مجلس الوزراء، فهل يحصل القطاع الخاص على أسعار مدعومة؟
– يتم تسعير استعمال الترددات، وهي أصول نادرة، بملايين الدولارات في الخارج. في رأيي، التسعيرات في لبنان أقلّ بكثير من اللازم، وهو ما يعطي أفضلية لمقدّمي الخدمات الذين يستعملون التردّدات. فهم لا يدفعون المبالغ المناسبة بينما لديهم نسب أرباح مرتفعة. والأمر نفسه بالنسبة إلى التراخيص، إذ إن حصّة الدولة تكاد تكون صفراً، بينما هم يستعملون ما تعود حصريته للدولة بلا بدل عادل. كما أن كلّ الشركات حصلت على حقّ استخدام اللاسلكي في الأماكن غير المغطاة، بينما تتواجد الوزارة في غالبية المناطق؛ فما السبب لإبقاء هذه التراخيص واستعمال الترددات، علماً بأن الكوابل موجودة؟ لدينا ممتلكات لا تستفيد منها الدولة بالقدر المطلوب، أما بخصوص حجّة الشركات الخاصة لرفض زيادة الأسعار في أنها ستنعكس على أسعار البيع للمشتركين، فمن الواجب السؤال عن السلطات الرقابية في كبح الأسعار ومراقبتها عبر وزارة الاقتصاد، وحتى سحب تراخيص غير الملتزمين. الواقع، أن الدولة اللبنانية تضع التسعيرات بملء إرادتها وتحدّد بمراسيم تصدر عن مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الاتصالات. والقطاع الخاص لديه بيروقراطية أقلّ إلى جانب حرية خلق الباقات. وفي المناطق التي نقدم فيها الخدمة، نحن نشكّل منافسة شرسة، إنما يأخذ القطاع الخاص مجده في المناطق التي لا تتواجد فيها الشبكة بالفعالية اللازمة، عندها يعرض باقاته بسعر أعلى.
ثمة ظاهرة تتعلق بوجود مشتركين لا يصرّح عنهم القطاع الخاص، وهي ما يعتقد أنها جزء أساسي من أرباحه وقدراته التنافسية. ووزارة الاتصالات عبر أوجيرو، هي المستورد للإنترنت وهي من يقوم بتوزيعه، فهل يظهر لديكم الفرق بوضوح بين الإنترنت المصرّح عنه وما لا تصرّح عنه الشركات الخاصة؟
– أوجيرو ترى كلّ شيء. ونحن نرى كمية الحزم المستهلكة والمصرح عنها وأعداد المشتركين المصرح عنهم، كما غير المصرح عنهم. للتاريخ، أصدرت القاضية زينب حمود عام 2017 عن الإنترنت غير الشرعي، واستندت إلى المعلومات التي وضعتها في تصرفها الهيئة، لظاهرة الإنترنت غير الشرعي، وكيفية إدارة الشركات المرخصة لهذا القطاع، ومنها الشركات السبع الخاصة الموزعة للإنترنت. عدم إدارة الملف بشكل جيد، دفع الشركات الخاصة إلى العمل مع شبكة من الموزّعين للمتاجرة بالحزم وإعادة توزيعها. في إمكان أوجيرو إيقاف الإنترنت غير الشرعي بكبسة زر، لكن القصاص سيقع على 700 ألف مشترك يمثّلون الفرق بين العدد المصرّح عنه وغير المصرّح عنه. إذ يصل عدد المشتركين المصرّح عنهم إلى 470 ألفاً بينما هناك 900 ألف يحصلون على الإنترنت عبر شبكات مخالفة للقانون. ما يُقال عن أنّ حصّة الدولة السوقية تبلغ 70%، غير دقيق إذ إنها تبلغ 26% بعد احتساب السوق غير الشرعية.
إذاً، الشركات تستخدم خطوط أوجيرو لبيع إنترنت من دون التصريح عن المشتركين؟ هل لديهم حماية سياسية؟
– نعم، يحدث ذلك. في حال أرادت الدولة المنافسة، عليها زيادة إنفاقها الاستثماري، ورفع المستوى التكنولوجي، وإصدار مراسيم أسعار بمرونة كافية. أما بشأن شبكة المصالح المتعلقة بالشبكات غير الشرعية، فيمكن قول الآتي: إذا قطعنا الكوابل المخالفة، وصادرنا آلاف الكيلومترات من الألياف الضوئية المخالفة، لن يمرّ الليل عليها قبل إعادة تركيبها مجدداً. أوجيرو لا يمكنها الحلول محلّ الأجهزة الأمنية. فتح شباك في حمام يستنفر مقرّات، بينما هناك آلاف الكيلومترات من الألياف الضوئية المخالفة الممدودة. على سبيل المثال، أحد رؤساء البلديات أعطى تصريحاً لموزّعي الإنترنت في نطاق بلديته لمدّ كوابل تحت غطاء عجز الدولة عن إعطاء الخدمات.
هل تعتقد أن هناك خللاً في سياسة الحكومة تجاه قطاع الاتصالات؟
لا وجود لسياسة اتصالات في لبنان. تجرأت على وضع خريطة طريق، فـ«أكلت قتلة شمالاً ويميناً». القطاع يعمل وفقاً لردود الفعل، علماً أنه ليس من مسؤولية المشغّل أن يرسم إستراتيجيات. ما هي إستراتيجية التحوّل الرقمي؟ ما هي إستراتيجيتنا تجاه الـ5g؟ لا يمكن أن يقوم أي تحوّل رقمي من دون بنية تحتية. حالياً نشتري الجلال قبل الحمار.
ما هو دور أوجيرو بعدما صارت خدمة الهاتف ثانوية مقابل أولوية الداتا التي يتم تضمينها خدمات الوساطة الإلكترونية المالية في بعض دول العالم؟
– أوجيرو لم تعد شركة تلفونات، بل أصبحت شركة تعطي خدمة الإنترنت مضافاً إليها الهاتف. عصر الهاتف الأرضي ينتهي تدريجياً. يجب أن تحصل أوجيرو على رخصة خلوي. الهواتف الخلوية أصبحت أساسية، والمعاملات اليومية عليها. في كينيا مثلاً، 65% من المعاملات المالية تمر عبر شركة هواتف، في الصين هناك wechat. الخدمة الصوتية في انحدار. السنترالات الكلاسيكية تختفي. المحتوى أصبح أهم من الإنترنت. هذا هو الاتجاه. جهاز الهاتف (الخلوي) صار أبعد من الإنترنت. شركتا «ألفا» و«تاتش» لديهما هذه المشكلة أيضاً. فأي شركة تريد الاستمرار عليها أن تتحول، وتقبل بالتكنولوجيا الجديدة وتتبناها. نحن متأخرون كشركات معلومات.
من رفض «الكابل السيادي»؟
ترتبط قبرص بالعالم عبر 13 كابلاً بحرياً رغم أنّ عدد سكانها أقل من عدد سكان لبنان. لكن لبنان يعتمد على كابلي IMEWE وقدموس 1 الذي سيتحوّل إلى قدموس 2. إنما سبق أن قدّمت في 2017، لوزير الاتصالات، مشروع «الكابل السيادي» الذي لا يمرّ بقبرص، بل يصل مباشرة إلى إيطاليا وفرنسا وسواهما، وإلى جانب ذلك طرحت فكرة ربط لبنان بالخليج عبر الكوابل الأرضية عبر سوريا والأردن من خلال شبكة اسمها JADI… وبالتالي لا يُستخدم الكابل كسلاح ضدنا سواء في التنقيب عن النفط مع قبرص، أو في المشكلات مع مصر، أو حتى في تهديدات العدو. كانت الكلفة تصل إلى 70 مليون دولار. فالعدو إذا أراد قطعنا عن العالم، يمكنه قصّ الكابل الحالي في أيّ نقطة. توقف مشروع الكابل السيادي لأنه لم يعد من الضروريات، علماً بأننا تفاوضنا مع شركتين عربيتين لتنفيذه، ثم توقف الحديث فيه نهائياً في السياسة بسبب سوريا، فضلاً عن قانون قيصر.