ينظر الكثير من المحللين وخبراء الطاقة في العالم بعين التشكيك في ما إذا كانت شركات النفط العالمية ستعمل على تقديم مساهمة في هذه الظروف التي يمر بها العالم من أجل مواجهة أزمة الطاقة. ورغم أن كبرى شركات الطاقة في العالم جنت أرباحا طائلة هي الأعلى منذ سنوات، لكن المحللين يقولون إنهم يستبعدون أن تنفق هذه الكيانات تلك الأموال على جلب إمدادات جديدة إلى الأسواق من النفط والغاز الطبيعي لمواجهة النقص في أوروبا والصين خلال هذا الشتاء.
وأكدت شركات إكسون موبيل وشل وشيفرون في الفترة الأخيرة أنها ستنفق غالبية أرباحها غير المتوقعة على عمليات إعادة شراء الأسهم وتوزيعات الأرباح، وسيرتفع الإنفاق الرأسمالي في العام المقبل. لكن هذه الزيادات تأتي من قاعدة منخفضة بشكل استثنائي لعام 2021 وضمن الأطر التي تم وضعها قبل الارتفاع الأخير في أسعار الوقود الأحفوري.
ويرى خبراء أنه تغيير تدريجي عن الارتفاعات السابقة في أسعار الطاقة، كما حدث في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما زاد نشاط شركات النفط الصخري الناشئة في الولايات المتحدة وارتفعت المخاوف بشأن نقص الوقود الأحفوري، ما أدى إلى زيادة هائلة في الإنفاق الرأسمالي.
وانتهى ازدهار فائض الإنتاج وانعدام التحكم بالتكاليف بشكل مؤلم لصناعة النفط العالمية، في ظل فائض كبير في الإنتاج وانعدام التحكم بالتكاليف. ومع ذلك، فإن هذه المرة يبدو أن شركات النفط الكبرى راضية بجني الأموال وتسليمها إلى المساهمين الذين سئموا من ضعف العائدات على مدار العقد الماضي ويشعرون بالقلق بشأن المخاطر المناخية الكبيرة التي تتعرض لها الشركات.
ونسبت وكالة بلومبرغ إلى ستيوارت غليكمان المحلل في سي.أف.آر.أي ريسيرشو ومقرها نيويورك قوله “لم يمض وقت طويل على دهشتهم بسبب انهيار الأسعار، لذا ليس من المستغرب أنهم يبتعدون عن الإنفاق الرأسمالي”. وأضاف “يبدو الأمر كما لو أنهم عالقون بين مجموعتين متطرفتين، حشد من مناصري الاستثمارات البيئية والاجتماعية والحوكمة، والمساهمين المتعطشين للتدفق النقدي”. ويمكن لشركات الإنتاج إرضاء المجموعتين من خلال عدم تكثيف الإنفاق على الوقود الأحفوري. لكن هذا نذير سيء للمستهلكين الذين يطالبون بالمزيد من الإمدادات.
وتتنافس أوروبا وآسيا حاليا على الغاز الطبيعي، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية، بينما طلبت الولايات المتحدة والهند من تحالف أوبك+ إنتاج المزيد من النفط. ودعت الصين الشركات المملوكة للدولة إلى تأمين إمدادات الطاقة بأي ثمن.
وربما شركة شيفرون أفضل مثال على ابتعاد شركة عن مركز الإنتاج، فقد حققت الشركة العملاقة ومقرها كاليفورنيا أكبر تدفق نقدي حر في تاريخها البالغ 142 عاما خلال الربع الثالث من 2021، لكنها تعتزم الحفاظ على الإنفاق الرأسمالي عند نسبة 20 في المئة وأدنى من مستويات ما قبل كوفيد العام المقبل مع زيادة عمليات إعادة شراء الأسهم.
وستكون ميزانية الشركة الرأسمالية لعام 2022 عند الحد الأدنى لنطاقها الذي يتراوح بين 15 مليار دولار و17 مليار دولار، وفقا لما قاله المدير المالي بيير بريبر، أي أقل بحوالي 60 في المئة من مستويات 2014. وأشار بريبر الجمعة الماضي في مؤتمر عبر الهاتف مع المحللين إلى أنه “مع مرور الوقت، ستعود الغالبية العظمى من الفائض النقدي إلى المساهمين على شكل توزيعات أرباح أعلى وإعادة شراء للأسهم”. وحتى إكسون، التي كانت حتى العام الماضي تشبه الطفل الذي تظهر صورته على الملصقات لمضاعفتها إنتاج الوقود الأحفوري، باتت الآن أكثر تحفظاً في ما يتعلق بأموالها.
وأعلنت شركة الطاقة العملاقة التي تتخذ من تكساس مقرا لها عن إعادة شراء مفاجئة للأسهم الجمعة الماضي وتجميد إنفاق سنوي طويل الأجل في نطاق منخفض عند حوالي 20 مليار دولار، في تخفيض بأكثر من 30 في المئة عما قبل الوباء. وفضلا عن ذلك، ستخصص الشركة قرابة 15 في المئة من ميزانيتها للاستثمارات منخفضة الكربون وهو ابتعاد كبير عن استراتيجيتها السابقة بعد أشهر فقط من إقناع المستثمر الناشط إينجين 1 للمستثمرين باستبدال ربع أعضاء مجلس إدارتها. وقال الرئيس التنفيذي دارين وودز إن الإنفاق على الطاقة النظيفة يوفر “خيارات ويبني المرونة في خططنا”.
أما شل، التي تواجه ضغوطاً من مستثمر نشط بعد أن كشفت شركة ثيرد بوينت العائدة لدان لويب الأسبوع الماضي أنها استحوذت على حصة في الشركة، فإنها تبدو أكثر إحجاماً عن الإنفاق على أعمالها النفطية التقليدية. وسيخصص أقل من نصف إنفاقها الرأسمالي للنفط، مع توجيه الجزء الأكبر منه إلى الغاز ومصادر الطاقة المتجددة والطاقة. وقال بن فان بيردن الرئيس التنفيذي لشركة شل “لن نضاعف إنتاجنا من الوقود الأحفوري”.