يكثر الحديث بين الحين والآخر عن درس عمليات دمج بين المصارف، واستحواذ بعضها على مصارف متعثرة، حتى أن البعض يرمي أسماء مصارف، منها الراغبة بالاستحواذ وأخرى مرغوب بها. ومن الأسماء التي يجري التداول بها بنك البحر المتوسط، بنك لبنان والخليج، بنك عودة، سيدروس بنك وسواها.
فما صحة الحديث عن عمليات دمج مصرفي راهناً؟ وهل يمكن أن تشكّل تلك العمليات مخرجاً لأزمة المصارف الطامحة للدمج؟
مصارف متهالكة
عادة ما تستند عمليات الدمج المصرفي إلى قواعد ومعايير شبه ثابتة، عنوانها عجز المصرف وتعثره. وهو ما يجعله مهيئاً للاندماج أو الاستحواذ من قبل مصرف آخر. لكن ذلك لا بد أن يقابله وجود مصرف متين يتمتع بملاءة عالية تمكّنه من الاستحواذ على آخر. من هنا، وطالما أن المصارف اللبنانية غارقة بمجملها في أزمات متعددة الأوجه منذ سنوات، فمن المستبعد أن يتمتع أي مصرف بالملاءة المطلوبة للاستحواذ على مصرف آخر مهما كان حجمه.
وتتفاوت تأثيرات الأزمة على المصارف، حسب قدرة كل منها، لكن “تبقى جميعها في خانة المصارف المتعثرة بنظر القانون، طالما انها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها. وإلى حين دراسة ملف كل مصرف على حدة، وإعادة هيكلة القطاع عموماً، لا يمكن إجراء عمليات دمج حالياً”، على ما يقول مصرفي سابق في حديث لـ”المدن”.
وإذ يسأل المصدر عن مصير التعميم 154 الذي أصدره مصرف لبنان عام 2021، والهادف إلى تكوين احتياطات مالية خارجية بنسبة 3 في المئة من مجموع الودائع بالدولار، يقول “بما أن معظم المصارف لم تتمكن من الإلتزام بالتعميم المذكور، فهذا يعني صراحة أنها إما عاجزة أو مخالفة وربما مفلسة. فما الذي فعله مصرف لبنان حيال تلك المصارف؟ الجواب، لا شيء”
ويرى المصدر أن تطبيق التعميم 154 “لو حصل بشكل شفاف، وتم فرضه فعلاً من قبل مصرف لبنان، كان يمكن أن يشكّل أساساَ لعملية إعادة هيكلة المصارف. وكان من الممكن أن تُبنى عليه دراسة أحوال المصارف وميزانياتها، وتالياً عمليات دمج أو استحواذ أو حتى تصفية”.
مع التذكير بأن بعض المصارف كانت قد استجابت للتعميم المذكور، لكن عددها لا يتجاوز 10 مصارف، فيما غالبية مصارف القطاع البالغ حجمه قرابة 60 مصرفاً، عجزت عن زيادة رساميلها. غير أن مصيرها كان الاستمرار بالسوق والمخاطرة أكثر فأكثر بأموال المودعين.
وبرأي المصرفي السابق، فإن التعميم 154 لم يكن سوى خطوة أولى لم يجر استكمالها، فلا التعميم جرى تطبيقه كما يلزم، ولم يتم استكماله من خلال دراسة أوضاع المصارف، خصوصاً المتخلفة منها عن تطبيق التعميم، “فلو حصل ذلك، لكانت السوق اللبنانية قد شهدت حالات خروج لمصارف مفلسة في مقابل حالات عديدة من الإندماج تقارب 30 مصرفاً. كما كانت شهدت ولادة كيانات مصرفية جديدة قادرة على الاستمرار في ظل الظروف الحالية”.
لا دمج قبل الإفلاس
اليوم، وقبل أشهر قليلة من بلوغ الأزمة النقدية عامها الخامس، لم يشهد القطاع المصرفي خطوات إصلاحية تذكر، باستثناء محاولة خجولة من قبل مصرف لبنان تمثلت بتعيين مدراء مؤقتين على 4 مصارف (سعد العنداري مديراً موقتاً على فيدرال بنك، وشربل عبدالله مبارك على بنك البركة الإسلامي، سمير حمود على بنك الاعتماد الوطني ومحمد البعاصيري على بنك الاعتماد المصرفي).
لكن ماذا بعد مرحلة تعيين المدراء المؤقتين؟ يجيب مصدر مصرفي بالقول إن السلطات النقدية الممثلة بمصرف لبنان، وتحت أعين السلطة السياسية، تحاول لملمة الفضائح المُرتكبة في المصارف. وهناك تحفّظ شديد من قبل مصرف لبنان حيال إعلان واقع المصارف التي وضع يده عليها، وحقيقة انها باتت بحكم المفلسة. فالمركزي يحاول شراء الوقت.
ويرفض المصدر الحديث عن دمج في الوقت الراهن. إذ يصفه بالمُبكر في ظل الضبابية التي تحيط بميزانيات المصارف وتكتّم مصرف لبنان عن واقعها. ويقول “في حال الدمج حالياً بين مصرف وآخر ستكون النتيجة مصرف جديد متعثر”. وهي نتيجة طبيعية لدمج مصرفين متعثرين بأحسن الأحوال.
وتعليقاً على ما يتم تداوله حول عمليات اندماج محتملة، يرى المصدر أنه ليس من صالح أي مصرف اليوم الاستحواذ على مصرف آخر، لاسيما إن كان الأخير متعثراً جداً “وإن نظرنا إلى الأمر من منظار التجارة البحت، فإن أي مصرف يسعى اليوم للوقوف مجدداً على قدميه، من مصلحته ان ينتظر حالات الإفلاس العلنية للمصارف الضعيفة، لشراء أي منها أو الاستحواذ عليها، فتكلفة شراء مصرف منهار تقل كثيراً عنها اليوم”.
مع التذكير بأن كبرى المصارف لا يمكنها اليوم التصرّف بممتلكاتها، بفعل أحكام قضائية سابقة، ومنها على سبيل المثال القرار الصادر عن النيابة العامة الاستئنافية بوضع إشارة منع التصرف على العقارات والسيارات والمركبات والأسهم والحصص في جميع الشركات التجارية العائدة للمصارف التالية “بنك بيروت” و”بنك عوده” و”بنك لبنان والمهجر” و”بنك البحر المتوسط” و”بنك سوسييته جنرال”. وشمل القرار العقارات والسيارات والمركبات والأسهم والحصص في جميع الشركات التجارية العائدة لرؤساء مجالس وأعضاء مجالس إدارات هذه المصارف.