سريعا جداً، وأسرع من اي ملف قضائي، تمضي قضية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة. البيروقراطية الهدّامة التي احتجزت وما زالت عشرات الملفات على رفوف وفي جوارير قصر العدل لم تسرِ على ملفه في قضية “اوبتيموم”. خلال اقل من 48 ساعة ، اي منذ لحظة حضوره الى مكتب مدّعي عام التمييز، القاضي جمال الحجّار، حتى ادعاء هيئة القضايا في وزارة العدل عليه تِبعاً لادعاء النيابة العامة المالية من جانب القاضي علي ابرهيم، تسارعت الاجراءات والخطوات القضائية في شكل غير مسبوق.
اسئلة كثيرة تتدحرج دفعة واحدة حول خلفيات التوقيف في هذه اللحظة بالذات. رياض سلامة الذي لاحقته الثورة والدولة اللبنانية ممثلة بالقاضية غادة عون إبان عهد الرئيس ميشال عون، ولم يتم توقيفه، لماذا توجه اليوم الى القضاء بإرادته ، وحده من دون محامين، وزار القاضي الحجار، لو لم يكن يملك ضمانات بأنه سيخرج كما دخل وليس مكبلاً؟ واكثر من الاسئلة شكوك، في امكان خداعه. هو رياض سلامة المحنّك، الفائق الذكاء، الذي اختبر السياسة في لبنان عن ظهر قلب ويعرف تماما ما يحاك له. اذاً، ثمة قطبة مخفية في هذا المسار. والمسألة لا تقتصر على قرار يتخذه قاضٍ، انما هو قرار سياسي كبير. من اتخذه؟ وما تداعياته؟ وكيف يستكمل؟ والى اين يصل ؟ وهل تم التخلي الداخلي والخارجي عنه في آن؟ ولمصلحة من هذا التخلي؟ وهل من تخلى عنه لديه مصلحة في ذلك او ضمانات بأن الرجل لن يبوح بأي شيئ مما يعرف، وهو يعرف الكثير الكثير من دون ادنى شك؟
التعقيدات المحيطة بالملف تؤشر الى ان ما جرى ليس بريئاً، وليس مجرد استفاقة قضائية على رياض سلامة، فيما ملف بحجم تفجير مرفأ بيروت هزّ لبنان والعالم ، يبقى معلّقا منذ 4 سنوات ونيّف وليس من يجرؤ على تحريكه. الاكيد ان ثمة قطبة مخفية، وترتيبا ما لإخراج معين لا بدّ ان يتوضح في قابل الايام او الاسابيع، بحسب ما تقول مصادر سياسية مطلعة لـ”المركزية” ، موضحة ان احتمال اقدام القاضي الحجار من تلقاء نفسه على خطوة بحجم توقيف رياض سلامة شبه مستحيل، تماما كما الحديث عن استدراجه للقضاء عليه ومعه كل ما يملك من معلومات حول صفقات السياسيين، ذلك ان سلامة هو حالة بحد ذاتها وله حيثية لا تسمح بالتعاطي معها على هذا النحو من البساطة، وعلى غرار ما حصل مع بعض المدراء في مصارف او مسؤولي برمجة في ادارات معينة وغيرهم ممن لم يُكشف النقاب عن خلفيات واهداف تصفيتهم.
ثمة سيناريو يجري العمل عليه غير معروفة اهدافه حتى الساعة، الا انها لا بدّ ستتظهر، بحسب المصادر، مشيرة الى ان ما اتخذ من اجراءات قضائية حتى اليوم حصر ملاحقة سلامة بمسلك واحد هو القضاء اللبناني ولم يعد من صلاحية لأي قضاء آخر بملاحقته، اذ لا يجوز قانونا ان يتابع ملف قضائي في دولتين. وتبعا لذلك، فإن الدعاوى المقامة ضد حاكم مصرف لبنان السابق في كل من فرنسا وسويسرا لم تعد صالحة بعدما حُصر الملف بالقضاء في لبنان، حيث ان ما قد يتكشف من معلومات حول اقترافات اهل السياسة في لبنان، يبقى أقل وطأة من ان يُكشف في الخارج.
يبقى ان على اللبنانيين الانتظار من دون ان يغرقوا في التفاؤل حول استعادة لبنان قضاءه المستقل وشعبه المنهوب امواله الضائعة، بمجرد توقيف رياض سلامة، وهو ليس الا نقطة في بحر ما يرتكبه اهل السياسة وقد حمّلوه اوزار فضائحهم وصفقاتهم على مدى عقود….الاسابيع المقبلة ستكشف جديدا على الارجح فلنرصد ونرتقب،تختم المصادر.