خلال جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، أعلن وزير المال ياسين جابر «بشرى» من المفترض أن تبث السرور في قلوب الموظفين ومفادها أنّ «الوضع المالي مستقر وليس هناك عجز وقد بدأنا بتحقيق بعض الفائض بالليرة اللبنانية». وأشار إلى أنّ الوزارة تعمل بتأنٍ وتدرس كل الخطوات لكيفية صرف هذه العملة، لافتاً إلى أنّه عقد اجتماعات مع رابطة موظفي القطاع العام وروابط الأساتذة، قدم خلالها وعوداً حول: إضافات على الرواتب تحسن بموجبها الدعم العائلي، وبدلات النقل. كما أكّد أنّه يتم العمل مع مجلس الخدمة المدنية على خطة متوسطة الأمد اعتباراً من العام المقبل لرفع الرواتب تدريجياً.
كلام جابر جيد بالمبدأ، إلا أنّ خلفه تقع الحقيقة «المرّة». فالوزير نفسه الذي ينادي ويعمل على تحسين حقوق الموظفين، تفاجأ في الاجتماع نفسه الذي ذكره مع روابط التعليم الرسمي (ثانوي، أساسي ومهني) بعدم معرفته بوضع الأساتذة المالي. إذ إنّه خلال الاجتماع الذي جرى في وزارة المالية، بحضور وزيرة التربية ريما كرامي، مدير عام وزارة المالية جورج معرّاوي، مديرة الصرفيات رانيا دياب ورئيس مجلس الخدمة المدنية نسرين مشموشي، كان يبدي مفاجأته عند كلّ معلومة تذكر، وكأنّه وزير مالية دولة أخرى.
على سبيل المثال، لا يعلم وزير المال بأنّ الأساتذة، وهم فئة من موظفي القطاع العام، يتقاضون بدلات نقل أقل من موظفي الإدارة، إذ يحصل الأستاذ على 5 ليترات بنزين (أي ما تبلغ قيمته 365 ألف ليرة لبنانية) عن كلّ يوم حضور، فيما يستحق الموظف في الإدارة العامة مبلغ 450 ألف ليرة عن كلّ يوم حضور. كما نفى جابر علمه بالبدل الذي يستحقه الأستاذ مقابل قيامه بالأعمال الإدارية خلال الامتحانات الرسمية، إذ لا يتجاوز 10 دولارات عن كلّ يوم، فيما يضطر الأستاذ خلال فترة الامتحانات للتنقل إلى مراكز تقع خارج مناطق إقامته.
في المحصّلة، يتحدّث الوزير عن فائض بالليرة وعن خطط لتحسين الرواتب، ولكنّه في الوقت نفسه لا يعرف كم يتقاضى بعض الموظفين ويجهل قيمة البدلات التي يتلقونها. فكيف يمكن لوزارة تُمسك بمفتاح السياسات النقدية والأجور أن تجهل أساساً الفوارق في بدلات النقل، أو قيمة الرواتب الهزيلة التي تتقاضاها الغالبية؟ وما معنى كلّ الخطاب عن إصلاح الرواتب إذا كان من يصرّح به لا يعرف شطور رواتب القطاع العام نفسه؟ إنّ هذه الهوّة بين موقع القرار والمعطى الواقعي لا تُشير فقط إلى ضعف في المتابعة، بل إلى خلل بنيوي في إدارة الملفّ المالي، حيث تبدو الوعود منفصلة تماماً عن الحقائق التي يعيشها الموظفون يومياً.



