اعتبر البنك الدولي في تقييم حديث أن معظم الحكومات حول العالم تؤدي بشكل أفضل في ما يتعلق بوضع اللوائح التنظيمية لتحسين مناخ الأعمال على المستوى المحلي مقارنة بأدائها في ما يتعلق بتوفير الخدمات العامة اللازمة لضمان إحراز تقدم فعلي.
ويركز تقرير “الجاهزية لأنشطة الأعمال” لعام 2024، الذي يحل محل تقرير ممارسة سهولة الأعمال، الذي توقف عن الصدور منذ 2020 بشكل خاص على الاختلافات في بنية الاستثمار بين الدول المتقدمة والدول النامية.
ومن الواضح بحسب ما توصل إليه خبراء البنك أن الاقتصادات العربية لا يزال أمامها الكثير من أجل ترقية مناخ الأعمال رغم رؤية عشرات المبادرات والبرامج لوضع كل التشجيعات والإغراءات لتدفق رؤوس الأموال المباشرة من الخارج.
كما تعمل الكثير من الحكومات على تقديم كل التحفيز والدعم من أجل أن يكون رواد الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة في مقدمة قطاع الاستثمار الذي يعد أحد المجالات الحيوية في التنمية الشاملة التي تشكل الصناعة والسياحة والعقارات أحد محركاتها.
ويقدم الإصدار الافتتاحي من التقرير، والذي يحتوي على تقييم لمناخ الأعمال في 50 اقتصادا، مجموعة شاملة من البيانات باستخدام 1200 مؤشر لكل اقتصاد من أجل تحديد المجالات التي يمكن تحسينها لتحفيز الإصلاحات.
ومن المقرر أن يزيد عدد الاقتصادات التي سيشملها التقرير على مدى السنوات الثلاث المقبلة ليصل إلى 180 اقتصادا في عام 2026، مما يوفر معيارا عالميا كاملا.
وبحسب التقرير، الذي يحل محل تقرير ممارسة سهولة الأعمال، الذي توقف عن الصدور منذ 2020، فإن أداء جميع الاقتصادات المشمولة بالتقييم هذا العام تقريبا كان أفضل في ما يتعلق بجودة الأطر التنظيمية مقارنة بالخدمات العامة التي توفرها لتسهيل امتثال الشركات لهذه الأطر.
وتتسبب مثل هذه الفجوات في التنفيذ في منع الشركات والعمال والمجتمعات ككل من الاستفادة الكاملة من المزايا التي يوفرها المناخ السليم الداعم لأنشطة الأعمال.
وعلى مقياس من صفر إلى 100، سجلت الدول في المتوسط 65.5 درجة في فئة جودة الإطار التنظيمي، وهو ما يعني أن الاقتصادات قطعت ما يقرب من ثلثي الطريق نحو الجاهزية لأنشطة الأعمال في هذه الفئة.
لكنها في المقابل سجلت 49.7 درجة فقط في فئة الخدمات العامة، مما يشير إلى أنها في منتصف الطريق من الجاهزية في هذه الفئة.
وتوجد هذه الفجوة في جميع مستويات الدخل وجميع المناطق، رغم أنها أصغر في الاقتصادات مرتفعة الدخل وأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة أفريقيا جنوب الصحراء.
وقال إندرميت جيل رئيس الخبراء الاقتصاديين بالبنك تعليقا على التقرير الذي نشر على المنصة الإلكترونية للمؤسسة الدولية المانحة “مع تباطؤ النمو الاقتصادي بسبب الأوضاع الديموغرافية والديون والخلافات، لن يتحقق التقدم إلا من خلال العمل البارع الذي تقوم به منشآت الأعمال الخاصة”.
وأوضح النائب الأول لرئيس شؤون اقتصاديات التنمية في البنك “هذا يعتمد على الظروف المواتية، ونعني بذلك مناخ الاستثمار الذي يمنح رواد الأعمال الفرصة لتحقيق المعجزات الاقتصادية التي نحن في أمس الحاجة إليها اليوم”.
وأضاف أن “التقرير يقدم للحكومات المعلومات التي تحتاجها لتهيئة الظروف التي تتيح للشركات تحقيق الرخاء للمساهمين والمستهلكين والعمال دون الإضرار بسلامة الكوكب”.
ويعكس التقرير نهجا أكثر توازنا وشفافية تجاه تقييم مناخ الأعمال والاستثمار في البلدان، وهو النهج الذي صيغ بتوصيات من خبراء من داخل مجموعة البنك الدولي وخارجها، بما في ذلك الحكومات والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والباحثون الأكاديميون.
ويمثل القطاع الخاص في جميع أنحاء العالم قوة دافعة للنمو الاقتصادي، لكنه يحتاج إلى البيئة المناسبة ليزدهر. ولا يقتصر التقرير على تقييم العبء التنظيمي الذي تواجهه الشركات في مراحل تأسيسها ودخولها إلى الأسواق والابتكار وتوسيع عملياتها – المدة التي تستغرقها الشركة لبدء نشاطها، على سبيل المثال، فحسب، بل أيضا جودة اللوائح التنظيمية. وبالإضافة إلى تقييم اللوائح والضوابط المنظمة لأنشطة الأعمال والشركات، يتضمن التقرير تقييما للخدمات العامة المطلوبة لتنفيذها.
وتحتاج الحكومات إلى التسهيل على الشركات لدفع الضرائب من خلال إنشاء مرافق متصلة بشبكة الإنترنت ومترابطة فيما بينها مع توفير قواعد بيانات عامة تدعم الشفافية وتسهل الحصول على القروض.
ويقيس التقرير أيضا الظروف الفعلية التي تواجهها الشركات في الواقع العملي. وتتباين هذه الظروف بشكل كبير بين 50 اقتصادا تم تقييمها هذا العام، حيث يستغرق تسجيل شركة محلية من ثلاثة إلى 80 يوما، وما يصل إلى 106 أيام لتسجيل شركة أجنبية.
وتواجه الشركات انقطاعا في الكهرباء بمعدل أربع مرات شهريا، رغم أن هذا العدد قد يصل إلى 22 مرة. وفي المتوسط، يستغرق حل النزاع التجاري في المحاكم أكثر من عامين بقليل، مع أن المدة قد تمتد لتصل إلى 5 سنوات أو تتقلص إلى أقل من 105 أيام.
وتتيح بيانات بمثل هذا الاتساع والجودة وقابلية المقارنة للشركات اتخاذ قرارات رئيسية بشأن كيفية ومكان أعمالها. كما يُمَكِّن الحكومات من التقييم الدقيق لقواعد السياسات اللازمة للوصول إلى نوع تنمية القطاع الخاص الذي يفسح المجال أمام الشركات والعمال والمجتمعات للازدهار بشكل أفضل.
وقال نورمان لوايزا، مدير مجموعة المؤشرات بالبنك الدولي، “تُعد الاقتصادات الأكثر ثراء هي الأكثر جاهزية لأنشطة الأعمال، ولكن ليس من الضروري أن تتمتع الاقتصادات بالثراء لكي تتوفر فيها بيئة أعمال جيدة”.
وأضافت لوايزا التي تقود العمل الخاص بمشروع إعداد تقرير الجاهزية لأنشطة الأعمال “تخلُص دراستنا التحليلية إلى أن الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل يمكنها أن تهيئ مناخا قويا وداعما لأنشطة الأعمال”.
وتابعت “على سبيل المثال، كان أداء رواندا وجورجيا وكولومبيا وفيتنام ونيبال جيدا في عدد من المجالات، منها جودة اللوائح التنظيمية وارتفاع مستوى الخدمات العامة وكفاءة النظام بشكل عام”.