في الحديث عن أي تفاوض يحصل بين صندوق النقد الدولي والدولة المنكوبة غالباً ما يكون الهدف من التفاوض تحقيق برنامج إنقاذ وليس اتفاق، والذي أطلق عليه اتفاق بين الدولة اللبنانية وصندوق النقد الدولي هو كان كالشروط التحضيرية أو الشروط المسبقة للتوجه نحو برنامج إنقاذي، يتألف من مساعدة تقنية وقرض على مدى طويل بقيمة ٣ مليار دولار، إضافةً إلى مساعدة لبنان في إعادة هيكلة و جدولة الدين العام، وكذلك مساعدة لبنان بالتواصل والتشاور مع الدول الصديقة المانحة التي يُعوِّل عليها صندوق النقد الدولي كثيراً بتمويل مرحلة الإنقاذ الاقتصادي للبنان.
وعن المستجدات في موضوع التفاوض بين لبنان وصندوق النقد الدولي يقول الباحث في الشؤون الاقتصادية والمصرفية محمد فحيلي في حديث للديار : أي مستجدات تحصل في هذا المسار للوصول إلى برنامج إنقاذي مع صندوق النقد الدولي يجب أن تأتي من الدولة اللبنانية لأن صندوق النقد الدولي في نيسان ٢٠٢٢ وضع بكل وضوح الشروط والخطوات المسبقة التي تسبق إبرام هذا البرنامج، متأسفاً لأن لبنان لم ينفذ حتى اليوم أيا من هذه الشروط والخطوات ما عدا أمرين حاولت السلطة السياسية ان تحتسبها إنجازاً لها وهما موازنة ٢٠٢٢ والتعديلات التي طرأت على قانون السرية المصرفية، لافتاً أن صندوق النقد الدولي في تقريره التقييمي الذي أصدره في أوائل العام ٢٠٢٣ أعرب عن عدم ارتياحه وموافقته على الطريقة التي تم من خلالها إقرار موازنة ٢٠٢٢ بقانون لا لجهة التوقيت ولا لجهة تفاصيل هذه الموازنة، كما أعرب الصندوق عن قلقه بالنسبة للتعديلات التي أقرت على قانون السرية المصرفية لأنها غير كافية لمحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين. وهذا يعني وفق فحيلي أنه لم يحصل أي مستجدات على صعيد العلاقة بين الدولة اللبنانية وصندوق النقد الدولي والتقدم نحو برنامج إنقاذي للبنان.
ورداً على سؤال هل غير صندوق النقد الدولي خطته تجاه لبنان، يجزم فحيلي ان الصندوق ليس في موقع أن يغير رأيه في ما يخص الوقوف إلى جانب لبنان ( وطن ومواطن)، مشيراً أنه عندما حاولت مكونات الطبقة السياسية توجيه اتهامات الى صندوق النقد الدولي سيما بعد الزيارات التي قام بها بعض المسؤولين إلى واشنطن الذين حاولوا إيصال رسائل بأن صندوق النقد الدولي مستاء وغير رأيه ولم يعد مهتماً بموضوع لبنان، “بحيث سارع مسؤول ملف لبنان الدكتور محي الدين بالمجيء إلى لبنان والاجتماع مع رجال الدولة من رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى رئيس حكومة نصريف الأعمال نجيب ميقاتي و حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري وبعض مكونات المجتمع المدني وجمعية مصارف لبنان، حيث أعرب عن اهتمامه بالملف اللبناني طالباً من الجميع التوجه نحو تنفيذ الشروط المسبقة”.
ووفقاً لفحيلي أن أهم ما نتج من لائحة الشروط التحضيرية لأي برنامج إنقاذي للبنان هو ان صندوق النقد الدولي وضع خريطة طريق عن الخطوات التي يجب القيام بها من أجل خروج لبنان من الأزمة التي يعيشها، معتبراً أن هذه الخطوات أساسية بغض النظر تحت رعاية من تُنجز، “وإذا أراد المسؤولون اللبنانيون أن يتصرفوا بمسؤولية وياخذوا على عاتقهم هذه المسؤولية ويقوموا بتنفيذ هذه الشروط، فنكون كوطن نسير في الطريق الصحيح لأن ليس هناك نقاش حول موضوع ضرورة الإصلاحات وضرورة تصويب الأداء اللذين يبدأان بالاهتمام بالمالية العامة أي على ماذا تنفق الدولة أموالها ومن أين تأتي بإيراداتها “.
ورأى فحيلي أن الإيرادات ليست هي الهدف بقدر ما يجب أن تكون الإيرادات متناغمة مع الوضع الاقتصادي العام فاليوم إذا كان مكون أساسي من هذا الاقتصاد وهو القطاع الخاص، الذي أثبت قدرة استثنائية على الصمود والتأقلم مع المتغيرات الاقتصادية، فمن واجب الدولة في اي مشروع موازنة وفي اهتمامها بالمالية العامة أن تعطي القطاع الخاص حوافز وتدعمه من أجل أن يستمر في التطور، موضحاً أن الدولة في هذه الحالة ستكون رابحة ومستفيدة لأن القطاع الخاص الرسمي يحصِّل إيرادات إضافية للدولة من خلال دفع الرسوم والضرائب والتصريح عن العمال والأجور والإيرادات ودفع ضريبة الدخل وغيرها من الأمور التي هي مكونات أساسية في الموازنة إذا أرادت الدولة أن تعمل بمسؤولية.
وانتقد فحيلي موازنتي ٢٠٢٢ و ٢٠٢٤ المصنّفتين بموازنتين ضريبيتين وإنفاقيتين ولا يوجد فيها أي توجه نحو ترشيد الإنفاق أو الحوكمة في إدارة المالية العامة.
و إذ لفت فحيلي إلى أن أهمية أي مشروع إنقاذ مع صندوق النقد الدولي تكمن في تداعياته على القطاع المالي، أشار إلى أنه عندما قررت الدولة التوقف عن خدمة الدين العام تم تصنيف لبنان الائتماني بالمتعثر وهذا كان كضربة قاضية للقطاع المصرفي اللبناني وشله نهائياً، مؤكداً أن أي برنامج إنقاذي أو أي خطوات إصلاحية يتخذها لبنان في ضوئها يقوم صندوق النقد الدولي بالتقييم ويعطي إبراء ذمة للطبقة السياسية لجهة صوابية الإجراءات والاهتمام بالمالية العامة.
و يؤكد فحيلي على أنه في حال كانت النفقات والإيرادات تتناغم مع خطة إنقاذ أنتجتها السلطة السياسية وتنفذها، عندئذ مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية تعيد النظر في التصنيف الائتماني للبنان، وفي هذه الحالة يرتاح القطاع المصرفي بحيث تصبح الخدمات المصرفية وخصوصاً الخارجية خاضعة لإجراءات أخف وطأة وتصبح كلفتها أقل وتوقيت تقديم الخدمات يصبح أسرع وهذا ينعكس إيجاباً على المواطن اللبناني.
و من هنا يقول فحيلي تأتي أهمية وجود صندوق النقد الدولي ومواكبته لخطة إصلاح ممكن أن تعتمدها الطبقة السياسية وتذهب باتجاه تنفيذها، مذكراً أن هذه الطبقة السياسية صٌنِفت بالفاسدة والفاشلة من قبل مكونات المجتمع الدولي، “وأكبر دليل على ذلك التوجه من قبل المجتمع الدولي إثر مؤتمر سيدر لمساعدة لبنان بقيمة ١١ مليار دولار شرط البدء بالإصلاحات التي للأسف لم تنفذ وتمسك المسؤولون اللبنانيون برفض الإصلاح لسنوات عديدة أي أن لديهم سابق إصرار وتصميم بعدم إقرار أي خطوة إصلاحية ولهذا السبب أعتقد أننا أصبحنا أكثر حاجة الى وجود صندوق النقد الدولي لمواكبة أي إجراء تتخذه الدولة لأنني كمواطن لبناني تهمني موافقته ورعايته كي أتأكد ان هذه الخطوات حقاً إصلاحية وليست فقط للاستهلاك الإعلامي ” .