ينقلب، عادةً، السحر على الساحر. الأخير هنا ليس بارعاً. سبق له أن اصطدم بأكثر من جدار. هذه المرّة “غطس” بالفيول!
صدم وزير الطاقة والمياه جميع من كان جالساً على طاولة مجلس الوزراء أمس حين طلب الكلام وراح يتلو نصّ كتابٍ تلقّاه من الحكومة الجزائريّة.
انزعج رئيس الحكومة لأنّه لم يكن على علمٍ بالكتاب. تدخّل وزير الأشغال العامة والنقل مؤيّداً طرح الملف “الذي بات قضيّة رأي عام”. حسم حسان دياب الأمر: سيُطرح الموضوع على جدول أعمال الجلسة الحكوميّة المقبلة.
اختار الوزير ريمون غجر الشفافيّة في التعاطي مع ما سمّي ملف “الفيول المغشوش”، علماً أنّ التسمية غير دقيقة، كما يبدو. رفض التسييس، وترك الأمر للقضاء. ولمزيدٍ من الشفافيّة صارح الجميع بمضمون الكتاب الذي تلقّاه والذي تذكّر من خلاله الجزائر ببنود العقد الموقّع منذ العام ٢٠٠٥، والذي ينصّ على أنّ الفيول المستورد من شركة “سوناطراك” يخضع لرقابة واحدة من المراجع العالميّة المنصوص عنها في العقد، وهذا ما يحصل دائماً. ويعني ذلك أنّ الفيول المستورد كان يخضع دوماً لمراقبة جهة دولية معترف بها من قبل فريقَي العقد، كما من الشركة المالكة للبواخر العاملة في لبنان، من دون أن يظهر وجود غشّ.
وإن لم يكن الفيول مطابقاً للمواصفات فإنّ من حقّ وزارة الطاقة والمياه، وفق ما ينصّ العقد، اتخاذ إجراء الحسم على الأسعار، وهذا ما لم يحصل سابقاً.
يؤدّي ما سبق الى سلسلة استنتاجات:
إنّ العقد موقّع منذ العام ٢٠٠٥، ولم تتمّ منذ ذلك الحين مساءلة أي وزير أو موظف أو الشركة التي كانت تستورد.
لا وجود لما يسمّى الفيول المغشوش، بل يتعلّق الأمر بمواصفاتٍ غير مطابقة لبنود العقد، وهي مسألة تجاريّة بحتة بين الفريقين الموقّعين على هذا العقد، أي وزارة الطاقة في لبنان وشركة سوناطراك الجزائريّة.
إذا كانت المواصفات غير مطابقة في السابق، فلماذا كانت تقبل بها شركة “كارادينيز” المالكة للبواخر؟
لقد طُرحت هذه القضيّة في بعض الإعلام على أنّها “فضيحة العصر”، ليتبيّن لاحقاً أنّ الأمر لا يتجاوز تصفية حسابات وتشويه سمعة، وإزاحة شركة سينتهي عقدها بعد أشهر لتلزيم أخرى.
من هنا، تمّ إظهار الأخوين رحمة بصورة الفاسدَين، واستخدام بعض الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي وحتى بعض الإعلام لهذه الغاية. علماً أنّ هناك إثباتات على محاولات بدأت منذ أشهر لـ “تركيب ملفات” عليهما.
وفي المقابل تمّ التستّر على الشركة التي يملكها آل البساتنة والمحميّة سياسيّاً ممّا كان يُعرف بـ ٨ و١٤ آذار معاً. وألصقت تهمٌ بسركيس حليس وآخرين، بمستوى تلقّي هدايا بمئات الدولارات، وتمّ الإبقاء على اورور الفغالي في السجن لأنّها تعطي بدل ساعات إضافيّة لغير مستحقّيها!
يا لها من فضيحة! اسألوا مثلاً عن الآلاف الذين ثبت توظيفهم في الإدارات في موسم الانتخابات الأخيرة، لغاياتٍ سياسيّة. اسألوا عن ملف التهريب الذي تسكت عنه هذه الدولة الفاسدة من رأسها حتى أخمص قدميها.
لسنا بحاجة لانتظار استكمال التحقيقات: الغشّ لم يظهر في الفيول، بل في بعض العقول…