في لبنان عندما تتحول وزارة التربية الى دهليز مظلم في نهايته ثقب أسود، كما تضيع فيه حواسيب الطلاب اللبنانيين لجيوب سماسرة، تضيع فيه أموال المعلمين والمعلمات واتعاب تعاقدهم في التعليم الاضافي، هكذا تكون الوزارة تمارس دوراً في ابتزاز المعلم وتحويله الى مستجدٍ في كنف أزمة متورمة، وكأن المعلمين لا يكفيهم أن رواتبهم كما كل اللبنانيين تحوّلت لأن تساوي مئة وخمسين دولاراً، ومدخراته أمست مجرد ارقام على ورق المصارف.
فالمعلمون عندما قبلوا التعاقد مع برنامج وحدة التعليم الشامل، ارادوه ليساعدهم الى جانب وظيفتهم في التدريس الصباحي في تحسين أوضاعهم الاقتصادية، ليتبين من خلال المقاربات أنه كلما ارتفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء كلما تضاعفت الدولارات “المسروقة” لتدخل في دهليز الصفقات بملايين الدولارات والتي لم يعرف مصيرها منذ عام 2014، عندما قام آنذاك وزير التربية الياس أبو صعب بتأسيس وحدة التعليم الشامل، وعيّن صونيا خوري مديرة البرنامج، وهي كما قيل عنها محازبة في “التيار الوطني الحر”. قرار أبو صعب بتأسيس الوحدة جاء بعدما أصدر قراراً منع بموجبه تسجيل الطلاب السوريين في المدارس الرسمية سوى بشروط تعجيزية، ما دفع المنظمات الدولية لأن تتعامل مع وزارة التربية عبر وحدة التعليم الشامل، في الدوامين الصباحي والمسائي، وبالتالي ارتبطت علاقة “الوحدة” مع الوزارة في الشكل فقط، حتى أصبحت أشبه بـ”وزارة داخل الوزارة”، هكذا تتكدس تحت شعارات مكافحة ومحاربة الفساد، ارقام طائلة من الاموال التائهة في برنامج وحدة التعليم الشامل منذ 2014 حتى يومنا هذا.
لا يختلف إثنان في وزارة التربية أنه فعلياً لا توجد أرقام نهائية فيها بخصوص عدد الطلاب السوريين المسجلين انما هناك رقم تقريبي، 158 ألف طالب، 20 بالمئة لدوام صباحي، 80 بالمئة لدوام مسائي، وبالتالي تتلقى وزارة التربية اللبنانية من المنظمات الدولية المانحة عبر الأمم المتحدة 363 دولاراً في العام عن كل طالب في الدوام الصباحي، و 600 دولار عن كل تلميذ لفترة بعد الظهر. يتوزعون على 259 مدرسة تطبق نظام الدوام المزدوج. ويعمل في هذا البرنامج ما لا يزيد عن 7 آلاف مدرس ومدير وناظر واداريين وعمال تعاقدوا مع البرنامج في وحدة التعليم الشامل. يتقاضى المدرس عن كل ساعة تعليمية منذ قبل الازمة الاقتصادية 20 ألف ليرة عن كل ساعة، 18 ألفاً لكل مدير و 15 ألفاً لكل ناظر باحتساب 5 ساعات يومية لكل منهما.
وفي هذا الإطار يحاذر مندوبو مفوضية الامم المتحدة و”اليونيسف” الحديث عن مصير الأموال التي تدفع لتعليم اللاجئين، ولا يمكن تعقبها بإعتبار أنها لا تخضع للرقابة والتفتيش من جهات مستقلة. كما يؤكدون أن الإشكالية في لبنان تكمن في تغليب العنصرية في التعامل مع الطالب السوري من قبل برنامج التعليم الشامل، خاصة في موضوع ربط اعطاء الشهادات الرسمية للطلاب السوريين بتسوية أوضاعهم كأحد الشروط التعجيزية المخالفة لشروط دعم التعليم، بهدف إبقائها كإحدى أدوات الابتزاز لابقاء هذا البرنامج، باعتبار أنه يؤمن التمويل لتعليم النازحين السوريين، كما يؤمن دعماً للصيانة وتأهيل المدارس التي تعتمد الدوامين الصباحي والمسائي، وكذلك لأن اليونيسف تموّل رسوم تسجيل كافة التلاميذ، لبنانيين وسوريين، والقرطاسية وكافة الادوات التدريسية في التعليم الأساسي للمدارس الرسمية بدءاً من (الروضة حتى الصف التاسع) في الفترتين الصباحية والمسائية، وتقوم بتوفير الإمدادات اللازمة بالإضافة الى دعم تكاليف النقل والوقود”
وبالتالي اذا كان عدد المدرسين والموظفين والعمال في هذا البرنامج التعاقدي لا يتجاوز الـ7 آلاف مدرس. واذا احتسب للمدرس 390 ساعة في السنة، اي نحو 8 ملايين ليرة، ما معدله 1258 دولاراً بحساب سعر منصة النازحين. وبمجموع عدد المدرسين 7 آلاف مدّرس يصبح الرقم الاجمالي المدفوع ما لا يزيد عن 9 ملايين دولار من أصل 72 مليون دولار. في حال احتسبنا عدد الطلاب المسجلين في الدوام المسائي 80%، من الرقم الاجمالي 158 ألف طالب، 600 دولار عن كل طالب. هكذا تكون الفضيحة بفارق 63 مليون دولار، عدا عن الفارق نفسه عن السنة الماضية، مجهولة المصير. فيما المعلم ينتظر على قارعة الأمل بوزارة تنصفه.