قد يكون من البديهي أن ينعكس تدهور الأوضاع الأمنية في الجنوب على معظم القطاعات الانتاجية، ومنها القطاع السياحي، لاسيما بعد توسّع رقعة الحرب لتصل إلى ضاحية بيروت ومناطق البقاع.. غير أن القطاعات السياحية تأثرت بتداعيات الحرب بشكل متفاوت.
ففي حين أغلقت العديد من الفنادق أبوابها، وقلّصت أخرى حجم إشغالها، تشهد السوق اللبنانية افتتاح مطاعم ومقاهي جديدة. وبين هذا وذاك ثمة مطاعم ومقاهي تُغلق أبوابها وسط عجزها عن الاستمرار بتكبّد خسائر مالية كبيرة.
المطاعم بين الإغلاق والتوسع
وإذ تؤكد نقابة المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري أن نشاط مؤسساتها قد يكون الأقل تضرّراً من الحرب، وعلى الرغم من افتقاد البلد للسياح الأجانب والعرب، إلا أن اللبنانيين المقيمين حالياً يحرّكون عجلة المطاعم والمقاهي والملاهي على مدار الأسبوع، وسط توقعات بارتفاع وتيرة النشاط خلال الشهر المقبل مع بدء توافد المغتربين إلى لبنان.
وتوضح النقابة بعض المعطيات المثيرة للاستغراب. إذ تبدو لافتة جداً حركة افتتاح المطاعم الجديدة بشكل عام في مختلف المناطق، لاسيما في بيروت والمتن، في مقابل إغلاق الكثير من المطاعم تحت وطأة الإفلاس وتراكم الخسائر عليها. ويقدّر مصدر من النقابة في حديث إلى “المدن” بأنه مقابل افتتاح 10 مطاعم جدد هناك 7 مطاعم تغلق أبوابها بفعل الأزمة المالية وتراجع نشاطها. موضحاً بان قطاع المطاعم والملاهي تأثر بفعل الحرب وغياب السياح العرب والأجانب. لكن تأثره يبقى أقل كثيراً من تأثير الأزمة على قطاع الفنادق. ويعزو أسباب افتتاح مطاعم في مقابل إفلاس أخرى إلى رغبة التاجر والمستثمر اللبناني بالمغامرة “فالاستثمار اليوم لا يتجاوز كونه مغامرة”.
أما قطاع مكاتب تأجير السيارات، وعلى الرغم من حالة الركود التي يعانيها حالياً، غير أن أصحاب مكاتب التأجير يعلّقون آمالاً كبيرة على المغتربين الذين ينشطون القطاع في كل موسم مهما تصاعدت حدة الأزمات المالية والأمنية في البلد. فالمغترب اللبناني يحتاج إلى سيارة للتنقل بين المناطق لكنه غالباً لا يبيت في فندق.
الفنادق تتداعى
وانطلاقاً من حقيقة أن القطاعات السياحية تعوّل فقط على المغتربين اللبنانيين في ظل غياب شبه تام للسياح، تتّجه الأنظار مباشرة إلى القطاع الفندقي، الذي اقتصر نشاطه في السنوات القليلة الماضية على السياح من مصر والأردن والعراق فقط.
ولم تتجاوز نسبة إشغال القطاع الفندقي في العام الماضي 40 إلى 45 في المئة فقط، في بيروت وخارجها. وقد بدأت العديد من الفنادق بتقليص نفقاتها منذ العام الماضي من خلال إغلاق أجنحة وغرف وصرف موظفين. أما العام الحالي فالحال أكثر سوءاً من ذي قبل.
ويؤكد رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر، بأنه ما لم يستقبل لبنان أعداداً كبيرة من أوروبا والدول العربية، فلا يمكن الحديث عن سياحة “إذ أن البلد يستقبل فقط اللبنانيين المغتربين. وهؤلاء لا يلجأون إلى الفنادق في لبنان، إنما إلى منازلهم ومنازل ذويهم، وتقتصر حجوزاتهم الفندقية فقط على نهاية الأسبوع، لأنهم يقومون بجولات سياحية داخل البلد”، على ما يقول الأشقر في حديثه إلى “المدن”. وبذلك تعمل الفنادق في مناطق الإصطياف خلال أيام الـ”ويك اند” فقط، في وقت تتعطل فيه حركة الفنادق خارج المناطق السياحية بشكل تام.
وفي حال استمر الوضع الأمني على ما هو عليه، وفي حال صحّت التوقعات والقراءات السياسية القاضية باستمرار الحرب والتهديدات بتوسيع نطاق القصف على المناطق اللبنانية، فهذا الأمر سيدفع أيضاً المغتربين اللبنانيين إلى إعادة النظر بزيارة لبنان هذا الصيف.
أما عن نسبة إشغال الفنادق على مستوى البلد هذا العام، فيؤكد الأشقر على تراجعها من محيط 40 و45 في المئة العام الفائت إلى محيط 10 و15 في المئة في الفترة نفسها من هذا العام. وأكثر من ذلك، يقول الأشقر “إن نسبة الإشغال في فنادق جبل لبنان تتراوح بين صفر و10 في المئة فقط”.
ويلفت الأشقر إلى أن غالبية الفنادق في جبل لبنان أغلقت كلياً أو جزئياً أبوابها من دون إعلان ذلك، تحسباً لاستئناف عملها لاحقاً. أما فنادق بيروت، فقد أقفلت اجزاء كبيرة. فمن يملك 500 غرفة أقفل 300 منها. ومن لديه 300 غرفة أغلق منها 200. باختصار، قطاع الفنادق في لبنان يعمل بثلث طاقته فقط فيما قرابة 70 في المئة مغلق.
إعفاء أم تنظيم
وحسب المعلومات، فإن وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال وليد نصار، يسعى إلى طرح سلة دعم أمام الحكومة موجّهة للقطاعات السياحية عموماً والقطاع الفندقي خصوصاً. ويفيد المصدر باحتمال إعفاء المؤسسات من جزء من تكاليفها التشغيلية، لاسيما فواتير الماء والكهرباء التي يتم سدادها مضاعفة، بسبب عدم توفر الخدمات، والاستعانة بشركات خاصة لشراء المياه وتأمين الكهرباء.
من جهة أخرى، يعاني قطاع الفنادق من منافسة قطاع الـAirbnb غير المتكافئة. فالبيوت والمنازل والشاليهات التي تعمل في قطاع الـAirbnb لا تسدد أي ضرائب أو رسوم. كما أن العاملين في القطاع لا يستحصلون على تراخيص تجارية، ويسددون تكاليف شققهم وبيوتهم على أساس أنها شقق سكنية، علماً أنها باتت تجارية. فالتخمين والضريبة والرسوم تختلف بين الشقق السكنية والتجارية. من هنا، نحن متضررون بشكل هائل من قطاع الـAirbnb. فهذا القطاع يتوسع بشكل فوضوي، على ما يقول الاشقر.
وأكثر من ذلك، لا تسدّد مؤسسات قطاع الـAirbnb ضريبة الدخل. فهي غير مصرّح عنها كما لا تسدّد الضريبة على القيمة المضافة VAT. من هنا، فقطاع الـAirbnb ينافس قطاع الفنادق بشكل غير متكافئ. ويُضاف إلى ذلك أن مؤسسات الـAirbnb لا تربطها أي علاقة مع الأمن العام اللبناني، بخلاف الفنادق المُلزمة بإرسال صورة جواز السفر لكل نزيل فندقي، وتحديد عدد أيام مكوثه بالفندق، وغير ذلك من التفاصيل. فمسألة قوننة قطاع الـAirbnb من شأنه أن يحد من تكاثر وتوسع مؤسساته على حساب الفنادق، ومن منافستها غير الشريفة، حسب الأشقر.
وإذا كان القطاع السياحي في لبنان قد تكبّد خسائر خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، بنحو ملياري دولار، حسب أركان القطاع، فإنه معرّض إلى مزيد من الخسائر فيما لو استمرت الحرب في جنوب لبنان.