وسّع مختبر الذكاء الاصطناعي الخاص بشركة فيسبوك الأميركية آفاق منصته للمحاكاة الافتراضية لتدريب وكلاء الذكاء الاصطناعي على تنفيذ مهام مثل “اجلب لي هاتفي الذي يرن”، في خطوة هي الأحدث على الإطلاق في تاريخ العملاق التكنولوجي.
قام فير المختبر التابع لفيسبوك بتوسيع آفاق عمله على “الذكاء الاصطناعي المتجسد”، حيث أعلن مؤخرا عن ثلاثة إنجازات إضافية تم تحقيقها وهي خوارزميتان جديدتان تسمحان لوكيل ذكاء اصطناعي بإنشاء خارطة للأماكن التي يتجول فيها بسرعة وتذكرها، وبإضافة الأصوات إلى المنصة لتدريب الوكلاء على السمع.
ويأتي هذا الابتكار بعد قيام المختبر “فير” في يونيو من العام الماضي، بإطلاق منصة للمحاكاة تحمل اسم “إيه آيهابيتات” لتدريب وكلاء الذكاء الاصطناعي.
وقد سمحت هذه المنصة للوكلاء باستكشاف بيئات افتراضية واقعية متنوعة، مثل شقة مفروشة أو مكتب مليء بالحجيْرات. وكشفت تلك المنصة أنه بالإمكان بعد ذلك تحويل الذكاء الاصطناعي إلى روبوت والذي سيكتسب الذكاء للتنقل عبر العالم الحقيقي دون اصطدامات.
تحديد الأماكن
تعتمد الخوارزميات في الروبوتات على عمل “فير” خلال التجربة السابقة، عندما تم تدريب وكيل ذكاء اصطناعي في منصة هابيتات على التنقل ضمن بيئات غير مألوفة من دون خارطة. وباستخدام كاميرا تستشعر العمق، ونظام تحديد المواقع، وبيانات البوصلة فقط، حيث تعلّم الوكيل دخولَ الأماكن مثلما يفعل الإنسان، والعثور على أقصر طريق يمكن أن يوصله إلى وجهته دون سلوك منعطفات خاطئة أو التراجع أو الاستكشاف.
وبإمكان الخوارزمية الأولى من بين الخوارزميتين الجديدتين الآن بناء خارطة للمكان في الوقت نفسه، ما يسمح للوكيل بتذكر البيئة والتنقل خلالها على نحو أسرع إذا عاود زيارتها.
أما الخوارزمية الثانية، فتعمل على تحسين قدرة الوكيل على رسم خارطة للمكان دون الحاجة إلى زيارة كافة أرجائه. وبعد أن يتم تدريب الوكيل على ما يكفي من البيئات الافتراضية، يمكنه أن يتوقع معالم معينة في بيئة جديدة؛ حيث يمكنه أن يعرف، على سبيل المثال، أنه من المحتمل وجود مساحة أرضية فارغة خلف منضدة المطبخ دون التنقل إلى الجانب الآخر بغرض البحث. ومرة أخرى، يسمح هذا للوكيل في نهاية المطاف بالتحرك عبر البيئة بشكل أسرع.
مهام الاستشعار الحسي
أخيرا، قام المختبر أيضا بإنشاء ساوند سبيسز، وهي أداة لعرض الأصوات تتيح للباحثين إضافة صوتيات واقعية للغاية إلى بيئة معينة؛ حيث يمكنها عرض الأصوات الناجمة عن ضرب قطع مختلفة من الأثاث، أو الأصوات التي تصدر عن الأحذية ذات الكعب العالي مقارنة بالأحذية الرياضية أثناء السير على إحدى الأرضيات.
هذه الإضافة تمنح هابيتات القدرة على تدريب الوكلاء على إنجاز المهام التي تتطلب كلا من الاستشعار البصري والاستشعار السمعي، مثل “اجلب لي هاتفي الذي يرن”، أو “افتح الباب عندما يطرق شخص معين”.
ومن بين التطورات الثلاثة التي تحققت، يعتبر تدريب إضافة الأصوات هو الأكثر إثارة، كما يقول آني كيمبهافي، الباحث في مجال الروبوتات في معهد آلن للذكاء الاصطناعي، والذي لم يشارك في العمل.
وقد ركزت أبحاث مماثلة في الماضي بشكل أكبر على منح الوكلاء القدرة على الرؤية أو الاستجابة للأوامر النصية. ويقول كيمبهافي “تمثل إضافة الصوت خطوة تالية أساسية ومثيرة”.
وأضاف “أعتقد أن هناك العديد من المهام المختلفة التي تلعب فيها المدخلات الصوتية دورا مفيدا للغاية”. ويقول بيتر أبيل، مدير مختبر التعلم الآلي في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، إن الجمع بين الرؤية والصوت على وجه الخصوص يمثل “مجالا بحثيا لم ينل حقه من البحث بعد”.
ويقول باحثو فير إن “كل هذه التطورات الحاصلة تقرّب المختبر بشكل تدريجي من إنجاز مساعدين روبوتيين أذكاء.
يتمثل الهدف في أن يتمكن هؤلاء المساعدون من التحرك برشاقة، وإنجاز مهام معقدة مثل الطهي”.ويضيفون “لكن، لا يزال أمامنا وقت طويل قبل أن نتمكن من إطلاق العنان للمساعدين الروبوتيين في المطبخ”.
وإحدى العقبات العديدة التي سيتعين على فير أن يتجاوزها تتمثل في استخدام كافة التدريبات الافتراضية في العالم المادي، وهي عملية تعرف باسم نقل المحاكاة إلى الواقع. وعندما قام الباحثون بادئ الأمر باختبار خوارزمياتهم للتدريب الافتراضي في الروبوتات الفيزيائية، لم تَجرِ العملية على ما يرام.
وبغية المضي قدما، يأمل باحثو فير أن يتم البدء في إضافة القدرات التفاعلية ضمن هابيتات أيضا. ويقول كريستن جراومان، العالم الباحث في مختبر فير، وبروفيسور علم الحاسوب في جامعة تكساس في أوستن، والذي قاد جزءا من العمل “لنفترض أنني وكيل ذكاء اصطناعي، أسير إلى الداخل وأرى هذه الأغراض. ما الذي يمكنني أن أفعله بها؟ إلى أين سأذهب إذا كان يفترض بي أن أعد كعكة سوفليه؟ ما هي الأدوات التي سأختارها؟ هذا النوع من التفاعلات وحتى التغيرات القائمة على التلاعب التي تطرأ على البيئة المحيطة ستنقل هذا النوع من العمل إلى مستوى آخر. إنه أمر نسعى إلى تحقيقه بشكل حثيث”.
تعقب تجارة المخدرات
سبق وطور موقع فيسبوك أدوات جديدة لتساعد على تحديد سلوكيات ضارّة يمارسها بعض المستخدمين ومنعها، وذلك بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وتشمل السلوكيات الضارّة نشاطات كنشر الرسائل غير المرغوب فيها، وخداع الآخرين، وبيع وشراء الأسلحة والمخدرات.
ووفقا لما أعلن عنه فيسبوك عام 2018، فقد بات بإمكان المهندسين العاملين بالموقع محاكاة سلوك أصحاب الأفعال السيئة باستخدام (روبوتات افتراضية) تعمل ببرمجيات الذكاء الاصطناعي.
وبواسطة الطريقة الجديدة، يطلق المهندسون البرامج الروبوتية، “البوتات”، في نسخة موازية من فيسبوك، بشكل يمكّن الباحثين من دراسة سلوكها خلال المحاكاة، وتجربة طرق جديدة لإيقافها. وبحسب فيسبوك، فإن “البوتات” يتم تدريبها بواسطة برمجيات “تعلُّم الآلات”، لتحاكي بشكل واقعي سلوكيات أشخاص حقيقيين على منصة التواصل الاجتماعي.
ويتمّ تدريب البوتات على التفاعل مع بعضها باستخدام نفس البنية التحتية، كمستخدمين حقيقيين. وتتراسل البوتات في ما بينها، وبإمكانها النشر عبر حساباتها الشخصية، أو التعليق على منشورات بوتات أخرى، بالإضافة إلى قدرتها على إضافة “الأصدقاء” من البوتات الأخرى.
وسعى فيسبوك إلى تجنيد أدوات الذكاء الاصطناعي لمساعدته على العثور على بائعي المخدرات على منصاتها. وكشفت شركة التكنولوجيا العملاقة أنها تعمل مع خبراء من جامعة ألاباما في برمنغهام لاتخاذ إجراءات صارمة ضد تجار المخدرات.
وفي تدوينة حول المشروع، قال كيفن مارتن نائب رئيس السياسة العامة الأميركية في فيسبوك حينها “لقد بدأنا في إزالة المحتوى الذي ينتهك سياساتنا قبل أن يراه الناس أو يبلغون عنه، وإن تقنيتنا قادرة على اكتشاف المحتوى الذي يتضمن صورا للأدوية وتصور الرغبة في البيع بمعلومات مثل السعر أو أرقام الهواتف أو أسماء المستخدمين لحسابات الوسائط الاجتماعية الأخرى”.
ومن خلال جذب المزيد من المشاركات المخالفة تلقائيا، تسمح هذه التقنية لفريق فيسبوك باستخدام خبراتهم بدلا من التحقيق في الحسابات والصفحات والمجموعات، بالإضافة إلى العمل مع الخبراء لتحديد الاتجاهات التالية. كما استخدم فيسبوك التكنولوجيا لإيجاد المساعدة لأولئك الذين يعانون من إدمان المخدرات بشكل أسهل، وإذا كان المستخدم يبحث عن معلومات عن المخدرات على فيسبوك أو إنستغرام، فستتم الآن إعادة توجيهه إلى خطوط المساعدة والموارد المتعلقة بالعلاج والتعليم.
وكانت الشركة الأميركية وضعت أسماء أدوية مثل “فنتانيل”، و”أوكسيكونتين”، و”أوبيودز”، و”زاناك” في هاشتاغات على إنستغرام، من أجل منع الترويج لها.
وصرح متحدث باسم إنستغرام لشبكة “سي بي إس نيوز” آنذاك بأنه تم اتخاذ هذه الخطوة، بعدما تبين أن هناك العديد من المنشورات التي تخالف الإرشادات الداخلية الخاصة بالشركة، وهو ما أدى إلى إخفائها ومنها ما يتعلق بهاشتاغات المخدرات.
ومنذ سنوات صار الذكاء الاصطناعي يغزو الأجهزة المنزلية كالمواقد والأفران والغسالات من أجل الراحة والتوفير، وهو ما ظهر جليا خلال فعاليات معرض الإلكترونيات، الذي احتضنته العاصمة الألمانية برلين العام الماضي.
وأكد خبراء التكنولوجيا أن التمتع بمنازل عصرية بات حقيقة ثابتة عن طريق تحويل الأجهزة المنزلية التقليدية إلى أجهزة ذكية متصلة بالإنترنت. ويمكن لأفراد الأسرة اليوم تشغيل وإيقاف تشغيل الأجهزة أثناء التواجد في المنزل أو أثناء التواجد خارجه. وعلى سبيل المثال يمكنهم تكييف المنزل قبل الوصول إليه، كما يمكنهم من تشغيل برمجة وضعية الإضاءة الخافتة، أو إغلاق النوافذ في حال تشغيل المكيف، ومراقبة دورة الغسيل، وتفقد وجبة العشاء في الفرن، والحصول على وصفات طعام بالاعتماد على ما يتوفر في الثلاجة.
وإذا كان المستخدم معتادا على شرب الحليب في الليل، فإن الثلاجة ستتعرف على هذا الروتين مع مرور الوقت لتقوم بعملية التبريد للحليب قبل وقت الشرب ليصبح اللبن باردا. كما تتعلم الثلاجة الذكية من واقع الخبرة أن المستخدم سوف ينام بعد شرب كوب الحليب هذا ولن يفتح باب الثلاجة مرة أخرى حتى الصباح، وبالتالي تقوم بتقييد عملية التبريد، ومن ثم التوفير في استهلاك الطاقة.
وتقوم الفكرة الرئيسية للأجهزة الذكية على مفهوم الراحة، التي تجلبها للمستخدم وأيضا توفير المال. حيث أن المكنسة الكهربائية الروبوت على سبيل المثال تعرف الغرفة التي يجب أن تتجه إليها في وقت ما لتقوم بعملية التنظيف هناك. وتعمل المكنسة بشكل اقتصادي أكثر، لأنها تحسب مسارها بشكل أكثر ذكاء.
وينظر الكثيرون إلى البيت الذكي كقمة في راحة ورفاهية إنسان المستقبل القريب. غير أن هذه الرفاهية محفوفة بمخاطر نشر البيانات الشخصية وعادات الاستهلاك والدفع والمقدرة الشرائية وغيرها.