في القطاع العام 220 ألف موظف فائض وغير منتج

بدأ لبنان محادثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض انقاذي بعدة مليارات من الدولارات. للصندوق جملة شروط من بينها تحجيم القطاع العام من حيث العدد وكلفة الرواتب. رب قائل أن كلفة الاجور والتقديمات الاجتماعية والمساهمات في صناديق التعاضد ومعاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة.. لم تعد تساوي شيئاً يذكر بعد انخفاض قيمة الليرة أكثر من 90 في المائة مقابل الدولار.

وللتذكير، فان من بين أبرز أسباب الأزمة عجوزات الموازنة المتواصلة 3 عقود والتي كانت تمول بالاستدانة. وبين أسباب العجوزات كلفة الاجور وخدمة الدين العام الملتهمة لأكثر من ثلثي الانفاق العام. وإذا اضيف اليهما هدر الكهرباء نكون قد أجهزنا على معظم الانفاق (إن لم نقل المال العام)، ودخلنا، كما دخلنا، في دوامة جهنمية ما كان يمكن الا ان تصل إلا ما وصلنا من دركاتها. مع الاشارة الى ان افادة العموم لا سيما الموظفين من كرم الدولة كان أقل من افادة قلة قليلة من المصرفيين وكبار المكتتبين بالسندات الذين تنعموا بنحو 75 الى 80 مليار دولار من الفوائد الباهظة التي دفعت خدمةً للدين العام.

عشية الأزمة في 2018-2019 بلغت كلفة الاجور والتقديمات بالدولار الأميركي نحو 5.3 مليارات مقابل 2.2 مليار قبل 10 سنوات اي بمعدل نمو سنوي 14% في مقابل معدل نمو سنوي للاقتصاد لا يتجاوز 3% للفترة عينها. سرعة نمو الرواتب كانت أسرع 4- 5 مرات تقريباً من سرعة نمو الاقتصاد. وفي ذلك دليل فاقع على تدني الانتاجية والمردود الاقتصادي لتلك الوظائف والرواتب التي ذهب معظمها الى الاستهلاك وبالتالي الاستيراد الذي اسهم في تنشيف البلاد من الدولارات حتى وصلنا الى استحقاق هبوط الليرة لا محالة.

بالمعايير الدولية، التي تأخذ في الاعتبار الحوكمة والانتاجية العالية والتطور الالكتروني في الادارات والخدمات العامة وبالتوصيف الوظيفي الدقيق، لا يحتاج لبنان الا لنحو 100 ألف موظف أو أكثر قليلاً. إذاً، نحن أمام فائض (نظري) يبلغ 220 ألف موظف.

المشكلة، كل المشكلة تكمن في طبقة سياسية اعتمدت منذ التسعينات على نموذج اقتصادي لا يحفز على خلق فرص عمل كافية في القطاع الخاص. فانتعش، عمداً، مناخ استثمار يشجع مستثمري “اضرب واهرب” لا مستثمري الانتاج المستدام الازدهار والنمو رأسمالياً وبشرياً. وفي تقرير سابق للبنك الدولي جاء ان من بين كل 6 وافدين جدد إلى سوق العمل واحد فقط يجد وظيفة متاحة في القطاع الخاص. لذا تحول القطاع العام الى مرتع توظيفات يستغله السياسيون لشراء الولاءات والذمم والاصوات الانتخابية.

ويتركز الثقل التوظيفي، وبالتالي كتلة الرواتب، في قطاعي الأمن والتعليم. حتى بات مصير معظم اللبنانيين طالبي الوظائف محسوم سلفاً بين الوظيفة العسكرية والامنية وبين الوظيفة التربوية والتعليمية. وللمفارقة فان الأمن في لبنان سياسي وبالتراضي، ولا يحتاج الى هذا الكم الهائل من المنضوين في اسلاكه المختلفة. وفرخت منذ التسعينيات اجهزة مختلفة لارضاء معظم زعماء الطوائف وبات لكل زعيم جهاز او قسم من جهاز يعين فيه من يشاء للتسلط غالباً. وبعض الاجهزة تقوم بأعمال ليست من اختصاصها الأساسي فتداخلت الاختصاصات والصلاحيات في تشابك وازدواجية مقصودة لزوم الأمن الطائفي والتسلطي لا الوطني.

كما ان التعليم الرسمي في لبنان في أسوأ اوضاعه وإلا لما ازدهر التعليم الخاص. وما الحشو الوظيفي فيه الا زيادة في سوء انتاجيته وقلة مردوده الاقتصادي والاجتماعي. وفي دراسة ترقى الى العام 2028 تبين ان هناك تدنياً في الاقبال على التعليم الحكومي من 40% الى ما دون 30% في مقابل زيادة الكادر التعليمي والوظيفي في التربية والتعليم الجامعي. ويعاني هذا القطاع أيضاً من تدخل السياسيين في تعييناته وتغطية من لا يقوم بواجبه، واختيار المتعاقدين بالمحسوبية، ومن ضعف مردود الدورات التدريبية التي تشرف عليها كلية التربية في الجامعة اللبنانية، وضعف جهاز التفتيش الحكومي، وهناك وفرة في المدارس وقلة في عدد التلاميذ، وضعف في اللغات والعلوم. واستسهلوا الاعتماد على متعاقدين من غير خريجي الاختصاصات التربوية، وغاب تطبيق المناهج الحديثة كما يجب مثل حصص الكمبيوتر والفنون واللغة الثالثة.

ولزيادة الطين بلة فرخ السياسيون عدداً كبيراً من المؤسسات العامة والمستشفيات الحكومية، وتوازعوا تعييناتها في ما بينهم. فوصل عدد العاملين في تلك المؤسسات الى 130 ألفاً. مقابل 120 ألفاً في القوى العسكرية والأمنية، و40 ألفاً في التعليم، و30 ألفاً في الوزارات والادارات العامة الأخرى. ويضاف الى هذا الكم 120 ألفاً من المتقاعدين أكثريتهم من العسكريين.

 

المادة السابقةالدولار إلى 20 ألف ليرة
المقالة القادمةصندوق النقد يطلب تحجيماً لعدد موظفي الدولة